صفحة جزء
ويشترط في الولي الحرية ، والذكورية ، واتفاق الدين والعقل ، وهل يشترط بلوغه وعدالته ؛ على روايتين ، وإذا كان الأقرب طفلا أو كافرا أو عبدا زوج الأبعد ، وإن عضل الأقرب زوج الأبعد ، وعنه : يزوج الحاكم ، وإن غاب غيبة منقطعة ، زوج الأبعد ، وهي ما لا تقطع إلا بكلفة ومشقة ، وقال الخرقي : ما لا يصل إليه الكتاب ، أو يصل فلا يجيب عنه ، وقال القاضي : ما لا تقطعه القافلة في السنة إلا مرة ، وعن أحمد : إذا كان الأب بعيد السفر ، زوج الأبعد ، فيحتمل أنه أراد ما تقصر فيه الصلاة .


( ويشترط في الولي الحرية ) فلا ولاية لعبد ، نص عليه ; لأنه لا ولاية له على نفسه ، فعلى غيره أولى ، وفي " الانتصار " وجه : يلي على ابنته ، ثم جوزه بإذن سيده ، وفي " الروضة " : هل للعبد ولاية على الحرة ؛ فيه روايتان ( والذكورية ) فلا ولاية لامرأة ; لعدم تزويجها نفسها ، وقد سبق ، ( واتفاق الدين ) ومعناه : أن يكون مسلما إن كانت الزوجة مسلمة ، والعكس بالعكس ; إذ الكافر لا ولاية له على المسلم في قول عامة العلماء ; لقوله تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض [ التوبة : 71 ] وحكاه ابن المنذر لإجماع من يحفظ عنه ، قال أحمد : بلغنا أن عليا أجاز نكاح أخ ، ورد نكاح أب وكان نصرانيا ، والمسلم لا ولاية له على كافرة ; لقوله تعالى والذين كفروا بعضهم أولياء بعض [ الأنفال : 73 ] ( والعقل ) بغير خلاف ; لأن الولاية تثبت نظرا للمولى عليه عند عجزه عن النظر لنفسه ، ومن لا عقل له لا يمكنه النظر ، ولا يلي على نفسه فغيره - بطريق الأولى ، وسواء فيه [ ص: 35 ] الصغير ، ومن ذهب بجنون ، أو كبر كالشيخ الهرم ، فأما المغمى عليه ومن يجن في بعض الأوقات فلا ينعقد ولايتهما على الأشهر ; لأن المغمى عليه مدته يسيرة كالنوم ; ولذلك لا تثبت الولاية عليه ، ويجوز على الأنبياء عليهم السلام ، وفي " الفروع " : إن جن أحيانا ، أو أغمي عليه ، أو نقص عقله بنحو مرض أو أحرم ، انتظر ، نقله ابن الحكم في مجنون ( وهل يشترط بلوغه وعدالته ؛ على روايتين ) ظاهر المذهب يشترط البلوغ ; لأن الولاية يعتبر لها كمال الحال ، ومن لم يبلغ قاصر ; لثبوت الولاية عليه ، والثانية : ليس بشرط ، فعلى هذا يزوج ابن عشر ; لأنه تصح وصيته وطلاقه ، فتثبت له الولاية كالبالغ ، وعنه : اثنتي عشرة سنة .

وأما العدالة ، فليست بشرط - في رواية - وهي ظاهر كلام الخرقي ، فعليها يزوج فاسق ; لأنه يلي نكاح نفسه ، فغيره أولى ، والثانية ، وهي أنصهما : تشترط ، واختارها ابن أبي موسى ، وابن حامد ، والقاضي وأصحابه ; لما روى الشالنجي بإسناده ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لا نكاح إلا بولي مرشد أو سلطان ، وعن جابر معناه مرفوعا رواه البرقاني ; ولأنها إحدى الولايتين ، فنافاها الفسق كولاية المال ، وعليها يكتفى بمستور الحال على ما جزم الشيخان ، ويستثنى منه السلطان الرشيد ، وحكى ابن حمدان ثالثة : أن الفاسق يلي نكاح عتيقته فقط كما قبل العتق ، وقال الشيخ تقي الدين : إذا قلنا : الولاية الشرطية تبقى مع الفسق ، فالولاية الشرعية أولى ، قال الزركشي : وفيه نظر ; إذ الولاية الشرطية يلحظ فيها حظ الموصي ونظره ، بخلافه هنا .

أصل : يشترط فيه الرشد بأن يعرف مصالح النكاح ، ومعرفة الكفء ، فلا [ ص: 36 ] يضعها عند من لا يحفظها ولا يكافئها ، وقال القاضي ، وابن عقيل ، وغيرهما : يشترط معرفته بالمصالح ، وهو أظهر ، وفي " شرح المحرر " : هو ضد السفيه ، ولا يشترط نطقه إذا فهمت إشارته ، والأصح : ولا بصره ; لأن شعيبا زوج ابنته وهو أعمى ; ولحصول المقصود بالبحث والسماع .

( وإذا كان الأقرب طفلا أو كافرا أو عبدا ، زوج الأبعد ) من عصبتها ; لأن وجودهم كالعدم ، وقوله : طفلا يحتمل أن يريد المميز ، وهو ظاهر العرف ، فعليه تصح ولاية المميز ، وهو إحدى الروايتين مقيدا بابن عشر ، أشبه البالغ ، ويحتمل أن يريد البالغ ، وهو ظاهر كلامه ; لقوله تعالى وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا [ النور : 59 ] ( وإن عضل الأقرب ) فلم يزوجها بكفء رضيته ، ورغب كل منهما في صاحبه بما صح مهرا ( زوج الأبعد ) نص عليه كما لو جن ، وحديث معقل بن يسار شاهد بذلك ، وفيه نزل قوله تعالى وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن [ البقرة : 232 ] قال : وكفرت عن يميني ، وأنكحتها إياه . لكن لو رضيت بغير كفء ، كان للولي منعها منه ، فلو اختلفا في تعيين الكفء ، قدم تعيينها عليه حتى إنه يعضل بالمنع ويفسق به إن تكرر منه ، ولم يذكر المؤلف التكرر ( وعنه : يزوج الحاكم ) اختاره أبو بكر ; لقوله : فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له والحاكم نائب عنه ، وكما لو كان عليه دين وامتنع من قضائه ، والأول أصح ، والحديث المذكور لا حجة فيه ، والفرق بين الولاية والدين من أوجه ، أحدها : أن الولاية حق عليه ، وثانيها : [ ص: 37 ] أن الولاية تنتقل عنه بفسق ونحوه ، بخلاف الدين ، وثالثها : أن الولاية تعتبر في بقائها العدالة ، وقد زالت بالعضل والدين لا يعتبر فيه ذلك ، نعم إذا اشتجروا جميعا زوج الحاكم ( وإن غاب غيبة منقطعة ، زوج الأبعد ) ; لأنه قد تعذر التزويج من الأقرب ، فوجب أن ينتقل إلى من يليه ، كما لو جن ، وقال ابن عقيل : ليس فيه سلب من الولاية ، لكن مشترك بينهما ، بدليل ما لو زوج الغائب في مكانه ، أو وكل فيه ، فإنه يصح ، وكذا لو وكل ثم غاب ، بخلاف ما لو وكل ثم جن ، وفي " التعليق " : إذا زوج أو وكل في الغيبة ، فالولاية باقية ; لانتفاء الضرر ، وإلا سقطت ، وحكى قولا كالأول ، وذكر في " الانتصار " وجها : لا تنتقل ولاية مال إليه بالغيبة ، ويستثنى منه ما لم تكن أمة ، فيزوجها الحاكم ( وهي ما لا تقطع إلا بكلفة ومشقة ) في ظاهر كلامه ، نص عليه ، واختاره أبو بكر والشيخان ; لأن أهل العراق يعدون ذلك مضرا ، قال المؤلف : وهذا القول أقرب إلى الصواب ; فإن التحديد بابه التوقيف ولا توقيف ، ( وقال الخرقي : ما لا يصل إليه الكتاب ) كمن هو في أقصى بلاد الهند ( أو يصل فلا يجيب عنه ) قد أومأ أحمد إلى هذا في رواية الأثرم ، قال : المنقطع الذي لا تصل إليه الأخبار ; لأن مثل ذلك تتعذر مراجعته ، فيلحق الضرر بانتظاره ( وقال القاضي ) في " تعليقه " ، وأبو الخطاب في " خلافه الصغير " وهو رواية ( ما لا تقطعه القافلة في السنة إلا مرة ) كسفر الحجاز ; لأن الكفء ينتظر سنة ، ولا ينتظر أكثر منها ، فيلحق الضرر بترك تزويجها ، ( وعن أحمد : إذا كان الأب بعيد السفر ، زوج الأبعد ، فيحتمل أنه أراد ما تقصر فيه الصلاة ) ; لأن الشارع جعله بعيدا ، وعلق عليه رخص [ ص: 38 ] السفر ، وذكر أبو الخطاب والمجد رواية : أن الحاكم يزوج كما في العضل ; إذ الأبعد محجوب بالأقرب ، والولاية باقية ، فقام الحاكم مقامه فيها ، وقيل ما تستضر به الزوجة ، وقيل : فوت كفء راغب ، ويلحق بذلك ما لو تعذرت مراجعته كأسير ، أو لم يعلم مكانه ، أو كان مجهولا لا يعلم أنه عصبة ثم علم ، قاله الشيخ تقي الدين ، أو زوجت بنت ملاعنة ، ثم استلحقها أب ، فكبعيد ، وإن زوج الأبعد بدون ذلك فكفضولي ، وإن تزوج لغيره ، فقيل : لا يصح كذمته ، وقيل : كفضولي ، ومن تزوج أمة غيره ، فملكها من تحرم عليه ، فإن أجازه فوجهان .

التالي السابق


الخدمات العلمية