صفحة جزء
وإذا استوى الأولياء في الدرجة ، صح التزويج من كل واحد منهم ، والأولى تقديم أفضلهم ، ثم أسنهم ، وإن تشاحوا أقرع بينهم ، فإن سبق غير من وقعت له القرعة فزوج ، صح في أقوى الوجهين ، وإن زوج اثنان ولم يعلم السابق فسخ النكاحان ، وعنه : يقرع بينهما ، فمن قرع ، أمر الآخر بالطلاق ، ثم يجدد القارع نكاحه ، وإذا زوج عبده الصغير من أمته ، جاز أن يتولى طرفي العقد ، وكذلك ولي المرأة مثل ابن العم والمولى والحاكم ، إذا أذنت له في نكاحها ، فله أن يتولى طرفي العقد ، وعنه : لا يجوز حتى يوكل غيره في الطرف الآخر ، وإذا قال السيد لأمته : أعتقتك ، وجعلت عتقك صداقك ، صح ، فإن طلقها قبل الدخول بها ، رجع عليها بنصف قيمتها ، وعنه : لا يصح حتى يستأنف نكاحها بإذنها ، فإن أبت ذلك ، فعليها قيمتها .


( وإذا استوى الأولياء في الدرجة ) كالأخوة أو بنيهم ( صح التزويج من كل واحد منهم ) إذا أذنت لكل منهم ; لأن سبب الولاية موجودة في كل واحد منهم ( والأولى : تقديم أفضلهم ) ; لأنه أكمل من المفضول ( ثم أسنهم ) ; لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث حويصة ومحيصة ، لما تكلم عبد الرحمن وكان أصغرهم : كبر كبر أي : يقدم الأكبر ، فتكلم حويصة ( وإن تشاحوا أقرع بينهم ) ; لأنهم تساووا في الحق فلجئ إلى القرعة كالمرأتين في السفر ، وفي مختصر ابن زيد : يقدم أعلم ، ثم أسن ، ثم أفضل ، ثم يقرع ، ( فإن سبق غير من وقعت له القرعة فزوج ، صح في أقوى الوجهين ) صححه في " الرعاية " و " الفروع " ; لأنه تزويج صدر من ولي كامل [ ص: 42 ] الولاية كالمنفرد ، وإنما القرعة لإزالة المشاحة .

والثاني : لا تصح ; لأنه بالقرعة صار أولى ، فلم يصح كالأبعد مع مع الأقرب ، أما إذا أذنت لواحد ، فإنه يتعين ، ولا يعدل عنه ( وإن زوج اثنان ) لاثنين بإذنهما وعلم السابق ، فالنكاح له في قول أكثرهم ; لما روى الحسن عن سمرة مرفوعا ، قال : أيما امرأة زوجها وليان ، فهي للأول منهما رواه الخمسة ، وحسنه الترمذي ، وروي عن علي أنه قال : إن دخل بها الثاني وهو لا يعلم أنها ذات زوج ، فرق بينهما بغير طلاق ، ولها عليه مهر مثلها ، اختاره الخرقي ، وهو الصحيح ، وقال أبو بكر : لها المسمى ، قال القاضي : هو قياس المذهب ، ولم يصبها زوجها حتى تعتد من الثاني ، وإن أتت بولد منه لحق به ، ( و ) إن ( لم يعلم السابق ) أي : جهل السابق منهما ( فسخ النكاحان ) أي : فسخهما حاكم ; لأن كل واحد منهما يحتمل أن يكون نكاحه هو الصحيح ، والجمع متعذر ، فلجئ إلى الفسخ لإزالة الزوجية ، وقال ابن عقيل ، والسامري : للزوجين الفسخ ، ولعله يريدان بإذنه ، وقال أبو بكر : يطلقانها ، ونصه : لها نصف المهر ، يقترعان عليه في الأشهر ، وعنه : النكاح مفسوخ ، ذكره في " النوادر " ، وقدمه في " التبصرة " ; لأنه تعذر إمضاؤهما ، وتتزوج من شاءت منهما ، أو من غيرهما ، ( وعنه : يقرع بينهما ) ; لأنها تزيل الإبهام ، ( فمن قرع ، أمر الآخر بالطلاق ، ثم يجدد القارع نكاحه ) بإذنها ; لأنها إن كانت زوجته لم يضره ذلك ، وإلا قد صارت له بالتجديد ، وعنه : تكون لمن تخرج له القرعة ، اختاره أبو بكر النجاد ، ونقله ابن منصور ، والأصح : أنه يعتبر طلاق الآخر لها ، فإن أبى طلق الحاكم عليه ، وقيل : إن جهل وقوعهما معا بطلا [ ص: 43 ] كالعلم به ، وإن علم سبقه ونسي ، فقيل : كجهله ، وقال أبو بكر : يقف ليعلم ، وإن أقرت لأحدهما بالسبق لم يقبل على الأصح ، وإن ادعى علمها بالسبق فأنكرت ، لم تستحلف .

أصل : إذا ماتت ، فلأحدهما نصف ميراثها بقرعة يمين ، وإن مات الزوجان ، فإن كانت أقرت بالسبق لأحدهما فلا ميراث لها من الآخر ، وهي تدعي ميراثها ممن أقرت له ، فإن كان ادعى ذلك أيضا ، دفع إليها وإلا فلا - إن أنكر الورثة ، وإن لم تكن أقرت بالسبق ، فلها ميراث أحدهما بقرعة .

مسألة : يقدم أصلح الخاطبين مطلقا ، نقله ابن هانئ ، وفي " النوادر " : ينبغي أن يختار لموليته شابا حسن الصورة .

( وإذا زوج عبده الصغير من أمته ) أو بنته ، أو زوج ابنه ببنت أخيه ، أو زوج وصي في نكاح صغيرا بصغيرة تحت حجره ( جاز أن يتولى طرفي العقد ) في قولهم جميعا ; لأنه ملكه بحكم الملك أو الولاية ، ( وكذلك ولي المرأة ، مثل ابن العم والمولى والحاكم ، إذا أذنت له في نكاحها ، فله أن يتولى طرفي العقد ) لقول عبد الرحمن بن عوف لأم حكيم بنت قارظ : أتجعلين أمرك إلي ؛ قالت : نعم ، قال : قد تزوجتك ، رواه البخاري تعليقا ، ولأنه عقد وجد فيه الإيجاب والقبول ، فصح كما لو كانا من رجلين ، وكما لو زوج عبده من أمته ، والأشهر أنه يكفي الإيجاب ، فيقول : زوجت فلانا فلانة ، أو تزوجتها إن كان هو الزوج ; لفعل عبد الرحمن ، وقيل : يعتبر معه القبول ، وقيل : تولية طرفيه تختص بمجبر ، ( وعنه [ ص: 44 ] لا يجوز حتى يوكل غيره في الطرف الآخر ) نقلها ابن منصور ; لأن المغيرة بن شعبة خطب امرأة هو أولى الناس بها ، فأمر رجلا فزوجه ، رواه البخاري تعليقا ; ولأنه عقد ملكه بالإذن ، فلم يجز أن يتولى طرفيه كالبيع ، وبهذا فارق ما إذا زوج أمته بعبده الصغير ، وعلى هذه إن وكل من يقبل له النكاح وتولى هو الإيجاب جاز ، كالإمام الأعظم ، أو وكله الولي في الإيجاب والزوج في القبول ، فوجهان ، وعلى الأولى : إلا بنت عمه وعتيقته المجنونتين ، فيشترط ولي غيره أو حاكم .

مسألة : إذا أذنت له في تزويجها ولم تعين الزوج ، لم يجز أن يزوجها نفسه ; لأن إطلاق الإذن يقتضي تزويجها غيره كولده مثلا ، فإن كان الابن كبيرا قبل لنفسه ، وإن كان صغيرا فالخلاف في تولي طرفي العقد .

( وإذا قال السيد لأمته ) بحضرة شاهدين - نص عليه - : ( أعتقتك ، وجعلت عتقك صداقك ، صح ) العتق والنكاح ، نص عليه في رواية جماعة ، وهو المذهب ; لما روى أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعتق صفية وتزوجها ، فقال له ثابت : ما أصدقها ؛ قال : نفسها ، أعتقها وتزوجها متفق عليه ، وفي لفظ البخاري : وجعل عتقها صداقها ولم ينقل أنه عليه الصلاة والسلام استأنف عقدا ، ومتى ثبت العتق صداقا ثبت النكاح ; إذ الصداق لا يتقدم عليه ، رواه الأثرم عن علي ، وفعله أنس ; ولأن منفعة البضع إحدى المنفعتين ، فجاز أن يكون العتق عوضا عنه ، دليله منفعة الخدمة ، كقوله : أعتقتك على خدمة سنة ، لا يقال : هذا من خصائصه ; إذ من خصائصه النكاح بغير مهر ولا شهود ; لأنا نقول : الغرض أنه عليه الصلاة والسلام عقد بمهر وإذن ، فحكم أمته حكمه في صفية ، ومثله : جعلت عتق أمتي [ ص: 45 ] صداقها ، أو عكس ، أو على أن عتقها صداقها ، أو على أن أتزوجك وعتقي صداقك ، وقال ابن حامد : يشترط مع قوله : تزوجتها ، وظاهره أنه لا يشترط قبول الأمة ، نص عليه ، وأن يكون متصلا ، وأن يقصد بالعتق جعله صداقا .

تنبيه : أورد على القاضي إذا قال : جعلت عتق أمتي صداق ابنتك ، لا يصح النكاح ، فكذا في نفسه ، فأجاب : لا يصح ; لتقدم القبول على الإيجاب ، فلو قال الأب ابتداء : زوجتك ابنتي على عتق أختك ، فقال : قبلت ، لم يمتنع أن يصح ، وقال الشيخ تقي الدين : إذا قال : زوجت أمتي من فلان ، وجعلت عتقها صداقها ، قياس المذهب صحته ; لأنهم قالوا : الوقت الذي جعل العتق صداقا كان يملك إجبارها في حق الأجنبي ، ( فإن طلقها قبل الدخول بها ، رجع عليها بنصف قيمتها ) نص عليه ; إذ التسمية صحيحة ، وذلك يوجب الرجوع في نصفها كغيرها ، ولما لم يكن سبيل إلى الرجوع في الرق بعد زواله ، رجع في بدله وهو القيمة ، وهي معتبرة يوم عتقه ، فإن لم يقدر ، فهل ينتظر القدرة أو يستسعي ؛ فيه روايتان منصوصتان ، قال القاضي : أصلها : المفلس إذا كان له حرفة ، هل يجبر على الاكتساب ؛ على روايتين ( وعنه : لا يصح حتى يستأنف نكاحها بإذنها ) ، نقل المروذي أنه يوكل رجلا ، فأخذ القاضي وأتباعه من ذلك رواية أن النكاح لا يصح بهذا اللفظ ، واختاره القاضي في خلافه ، وأبو الخطاب ، وابن عقيل ، وزعم أنه الأشبه بالمذهب ; إذ بالعتق تملك نفسها ، فيعتبر رضاها كما لو فصل بينهما ; ولأنه لم يوجد إيجاب ولا قبول ، وهما ركناه ولا يصح إلا بهما ; ولأن العتق ليس بمال ، ولا يجبره ، أشبه رقبة الحر ، ونوزع ابن أبي موسى في حكاية رواية [ ص: 46 ] بعدم الصحة ، وجعل الرواية : أنه يستأنف العقد عليها بإذنه بدون رضاها ; إذ العتق وقع على هذا الشرط ، وأجيب عن ملكها نفسها : بأن الكلام المتصل لا يثبت له حكم الانفصال قبل تمامه ، فلم يستقر ملكها على نفسها إلا بعد النكاح ، والسيد كان يملك إجبارها على النكاح في حق الأجنبي ، فكذا في حق نفسه ، وعن عقد الإيجاب والقبول : بأن العتق لما خرج مخرج الصداق صار الإيجاب كالمضمر فيه ، والقابل هو الموجب ، فلا يحتاج إلى الجمع بينهما ، وعن العتق ليس بمال : بأنه يترتب عليه حصول مال - وهو تمليك الرقيق منافع نفسه ، وهو المقصود ، ( فإن أبت ذلك فعليها قيمتها ) ; لأنه أزال ملكه بعوض لم يسلم له ، فرجع إلى القيمة كالبيع الفاسد .

فرع : إذا ارتدت أو فعلت ما يفسخ به نكاحها قبل الدخول - رجع عليها بجميع قيمتها ، وعلى الثانية : يستأنف نكاحها بإذنها ، وعلى قول ابن أبي موسى : لا يعتبر إذنها ، ومهرها العتق . فعلى مختار القاضي إن امتنعت لزمها قيمة نفسها . واختار الشيخ تقي الدين أنه لا يلزمها شيء إذا لم يلزم بالنكاح ، ولم يرض بالشروط كما لو أعتقها على ألف فلم تقبل ، بل أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية