صفحة جزء
فصل

الخامس : كون المرء كفء لها في إحدى الروايتين ، فلو رضيت المرأة والأولياء بغيره ، لم يصح ، والثانية : ليس بشرط ، وهي أصح ، لكن إن لم ترض المرأة والأولياء جميعهم ، فلمن لم يرض الفسخ ، فلو زوج الأب بغير كفء برضاها ، فللإخوة الفسخ ، نص عليه .

والكفاءة : الدين والمنصب ، فلا تزوج عفيفة بفاجر ، ولا عربية بعجمي ، والعرب بعضهم لبعض أكفاء ، وسائر الناس بعضهم لبعض أكفاء ، وعنه : لا تزوج قرشية لغير قرشي ، ولا هاشمية لغير هاشمي ، وعنه : أن الحرية والصناعة واليسار من شروط الكفاءة ، فلا تزوج حرة بعبد ، ولا بنت بزاز بحجام ، ولا بنت تانئ بحائك ، ولا موسرة بمعسر .


فصل .

( الخامس : كون الرجل كفء لها في إحدى الروايتين ) هي ظاهر المذهب والمشهورة عند عامة الأصحاب ; لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض [ ص: 50 ] وفساد كبير رواه الترمذي ، وروي مرسلا ، قيل : هو أصح ، وقال عمر : لأمنعن تزويج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء . رواه الخلال والدارقطني ، ورواه جابر مرفوعا : لا ينكح النساء إلا الأكفاء ضعفه ابن عبد البر ، وقال سلمان لجرير : إنكم معشر العرب لا نتقدم في صلاتكم ، ولا ننكح نساءكم ; لأن الله فضلكم علينا بمحمد . رواه البيهقي بإسناد حسن ، واحتج بهما أحمد في رواية أبي طالب ; ولأنه تصرف في حق من يأتي من الأولياء ، فلم يصح كما لو زوجت بغير إذنها ، فإن عدم حال العقد فحكمه حكم العقود الفاسدة ، وإن وجدت حال العقد ثم عدمت بعده لم يبطل النكاح ، وللمرأة الفسخ كعتقها تحت عبد ، وقيل : لا كوليها ، وكطول حرة من نكح أمة ، وفي ثالث : لهم الفسخ كما لو كانت معدومة قبل العقد ، ( فلو رضيت المرأة والأولياء بغيره ) أي : بغير كفء - ( لم يصح ) ; لفوات الشرط ; ولأنها حق لله تعالى ولهم ، واحتج جماعة ببيعه مالها بدون ثمنه - مع أن المال أخف من النكاح ; لدخول البدل فيه والإباحة والمحاباة ، ويحكم بالنكول فيه - وبأن منعها تزويج نفسها كيلا يضعها في غير كفء ، فبطل العقد ; لتوهم العارفية ، فهاهنا أولى ; ولأن لله فيه نظرا ; ولأن الولي إذا زوجها بغير كفء يكون فاسقا .

( والثانية : ليس بشرط ) للصحة ، بل للزوم ( وهي أصح ) اختارها أبو الخطاب ، وقدمها في " المحرر " و " الفروع " ، وجزم بها في " الوجيز " ، قال ابن حمدان : وهي أولى ; لقوله تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم [ الحجرات : 13 ] وزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنتيه من عثمان وأبي العاصي ، ولا شك أن نسبه فوق نسبهما ، وفي [ ص: 51 ] الصحيحين أنه عليه السلام أمر فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن زيد مولاه ، وهي قرشية ، وفي البخاري : أن أبا حذيفة تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه هند ابنة الوليد ، وهو مولى لامرأة من الأنصار ، وتزوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش ، وفي الدارقطني أن أخت عبد الرحمن بن عوف كانت تحت بلال ، وما روي فيها يدل على اعتبارها في الجملة ، ولا يلزم منه اشتراطها ( لكن إن لم ترض المرأة والأولياء جميعهم ، فلمن لم يرض الفسخ ) ، ويكون النكاح صحيحا ; لما روى عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال : جاءت فتاة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إن أبي زوجني من ابن أخيه ; ليرفع بي خسيسته ، قال : فجعل الأمر إليها ، فقالت : قد أجزت ما صنع أبي ، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء رواه أحمد والنسائي ، ويكون الفسخ فورا ، وكذا وتراخيا ، ذكره القاضي ، وذكره الشيخ تقي الدين ، ظاهر المذهب ; لأنه لنقص في المعقود عليه ، فهي حق الأولياء والمرأة ، وللأبعد الفسخ مع رضى الأقرب ; لما يلحقه من العار في الأشهر ، يؤيده قوله : ( فلو زوج الأب بغير كفء برضاها ، فللأخوة الفسخ ، نص عليه ) ; لأن الأخ ولي في حال يلحقه العار بفقد الكفاءة ، فملك الفسخ كالولي المساوي ، وقياس المذهب أن الفسخ يفتقر إلى حاكم .

فرع : الكفاءة المعتبرة في الرجل فقط ; لأنه عليه السلام لا مكافئ له ، وقد تزوج من أحياء العرب ، وفي " الانتصار " احتمال : يخير معتق تحت أمة ، وفي " الواضح " احتمال : يبطل بناء على الرواية إذا استغنى عن نكاح الأمة بحرة بطل . قال الكسائي : قولهم : لا أصل ، أي : لا حسب ولا فضل ، أي : لا مال ، وهي [ ص: 52 ] حق لله ، وعلى الثانية : حق للأولياء والمرأة فقط .

( والكفاءة : الدين والمنصب ) هذا إحدى الروايتين ، وإليها ميل المؤلف ، أما الدين ; فلقوله تعالى أفمن كان مؤمنا [ السجدة : 18 ] الآية ، ويلزم منه نفي الاستواء من كل وجه ، صرح به القاضي وغيره ; لأن الفاسق مردود الشهادة والرواية ، غير مأمون ، مسلوب الولاية ، ناقص عند الله وعند خلقه ، قليل الحظ في الدنيا والآخرة .

وأما المنصب : فهو النسب ; لحديث عمر : ما الأكفاء ؛ قال : في الحسب رواه أبو بكر ; ولأن العرب يعدون الكفاءة في النسب ، ويأنفون من نكاح الموالي ، ويرون أن ذلك نقص وعار ( فلا تزوج عفيفة بفاجر ، ولا عربية بعجمي ) ; لفقد العفة والمنصب ( والعرب بعضهم لبعض أكفاء ) على المذهب ; لأنه عليه السلام زوج ابنتيه عثمان وأبا العاص ، وزوج علي عمر ابنته أم كلثوم ، وتزوج عبد الله بن عمر فاطمة بنت الحسين بن علي ، وتزوج مصعب بن الزبير أختها سكينة ، وتزوج المقداد بن الأسود ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ، وهذا يدل على أن العرب كلهم في مرتبة واحدة ، وفي مسند البزار ، عن خالد بن معدان ، عن معاذ بن جبل مرفوعا ، قال : العرب بعضهم لبعض أكفاء ، والموالي بعضهم لبعض أكفاء إلا أن خالدا لم يسمع من معاذ ، ( وسائر الناس بعضهم لبعض أكفاء ) وإن تفاضلوا في الشرف كالعرب ( وعنه : لا تزوج قرشية لغير قرشي ، ولا هاشمية لغير هاشمي ) حكاها القاضي في " الجامع الكبير " ، وأبو الخطاب ، والشيخان ; إذ العرب فضلت الناس برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقريش أخص به من سائر العرب ، وبنو هاشم أخص به من قريش ، يدل عليه قوله عليه السلام : إن الله اصطفى كنانة [ ص: 53 ] من ولد إسماعيل ، واصطفى من كنانة قريشا ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم ورد الشيخ تقي الدين هذه الرواية ، وقال : ليس في كلام أحمد ما يدل عليه ، وإنما المنصوص عنه - كما ذكره ابن أبي موسى ، والقاضي - أن قريشا بعضهم لبعض أكفاء ، قال الشيخ تقي الدين : ومن قال : الهاشمية لا تتزوج بغير هاشمي ، بمعنى : أنه لا يجوز مارق من دين الإسلام ; إذ نصه : تزويج الهاشميات من بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهن بغير الهاشميين - ثابت في السنة ثبوتا لا يخفى .

( وعنه : أن الحرية والصناعة واليسار من شروط الكفاءة ) أي : مع الدين والنسب ، فتكون خمسة ، قال ابن هبيرة : هذا هو المشهور عن أحمد ، واختارها القاضي في " تعليقه " ، والشريف وأبو الخطاب ، والمجد ، وصححها المؤلف في الحرية ، والشيرازي في اليسار ، وأما الحرية ; فلأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خير بريرة حين عتقت تحت عبد ، وإذا ثبت الخيار في الاستدامة ففي الابتداء أولى ; ولأن الرق نقصه كثير وضرره بين ; فإنه مشغول عن امرأته بخدمة سيده ، ولا ينفق نفقة الموسرين ولا على ولده ، وأما الصناعة ; فلأن ذلك نقص في عرف الناس أشبه نقص النسب ، وقد روي : العرب بعضهم لبعض أكفاء ، قبيلة لقبيلة ، وحي لحي ، ورجل لرجل ، إلا حائك أو حجام ذكره ابن عبد البر في " التمهيد " ، وذكر أنه حديث منكر ، وأن أحمد قال : العمل عليه لما سأله مهنا ، وأما اليسار ; فلأن في عرف الناس التفاضل في ذلك ; ولقوله عليه السلام لفاطمة بنت قيس حين أخبرته بخطابها ، فقال لها : أما معاوية فصعلوك لا مال له ; ولأن على الموسرة ضررا في إعسار زوجها ; لإخلاله بنفقتها ونفقة ولدها ( فلا تزوج حرة بعبد ) [ ص: 54 ] لانتفاء الحرية فيه ، ولا بمن بعضه رقيق ، واختلف فيمن مسه أو مس آباءه الرق ، هل يكون كفء لحرة الأصل ؛ فيه روايتان ( ولا بنت بزاز ) بياع البز ( بحجام ) ; لانتفاء الاستواء في الصنعة ( ولا بنت تانئ ) بالهمز ، بغير خلاف ، وهو صاحب العقار والمال ( بحائك ) ; لانتفاء اليسار ، وإن وجد فيه كثرة المال ، فالعبرة بالغالب ( ولا موسرة بمعسر ) وظاهره : ولو كان متوليا ، وقاله الشيخ تقي الدين ، وعلى هذا بقية الصنائع المزرية كالقيم والحمامي ; لأن ذلك نقص في عرف الناس ، وعنه : لا ; لأنه ليس بنقص لازم كالمرض ، وقيل : نساج كحائك ، وولد الزنا قيل : هو كفء لذات نسب ، وعنه : لا كعربية ، زاد الشافعي على ذلك : أن غير المنتسب إلى العلماء والصلحاء المشهورين ليس كفء للمنتسب إليهما .

تنبيه : اختلف في الكفاءة ، هل هي شرط للصحة أو للزوم ؛ وأنها هل تعتبر في اثنين أو جهة ؛ وقد سبق ، وقال القاضي ، وأبو الخطاب ، والمؤلف ، وجمع : كما في الشروط الخمسة ، وقال في " المجرد " : ومحلهما في الدين والمنصب ، وأما الثلاثة الباقية فلا يبطل رواية واحدة ، وجمع المجد بينهما فجعل فيها ثلاث روايات ، يختص البطلان بالدين والمنصب ، وقال في " المجرد " : يختص البطلان بالنسب فقط ، وقال الشيخ تقي الدين : لم أجد عن أحمد نصا ببطلان النكاح لفقر أو رق ، ولم أجد عنه نصا بإقرار النكاح مع عدم الدين والمنصب ، ونص على التفريق بالحياكة في رواية حنبل .

فرع : يجوز للعجمي أن يتزوج موالي بني هاشم ، نص عليه ، وقال في قوله : مولى القوم من أنفسهم هو في الصدقة ، وفي رواية مهنا : المنع ، ومن أسلم كفء لمن له أبوان في الإسلام ، نص عليه ، وأهل البدع ، قال أحمد في الرجل [ ص: 55 ] يزوج الجهمي : يفرق بينهما ، وكذا الواقفي إذا كان يخاصم ، وقال : لا يزوج بنته من حروري ولا رافضي ولا قدري ، فإن كان لا يدعو فلا بأس .

مسألة : لا تشترط الشهادة بخلوها عن الموانع الشرعية ، قال في " الترغيب " وغيره : ولا الإشهاد على إذنها ، وقيل : بلى ، ولا يزوجها العاقد نائب الحاكم بطريق الولاية حتى يعلم إذنها ، وإن ادعى زوج إذنها وأنكرت ، صدقت قبل الدخول لا بعده ، وفي " عيون المسائل " : تصدق الثيب ; لأنها تزوج بإذنها ظاهرا ، بخلاف البكر فإنه يزوجها أبوها بلا إذنها ، وفي دعوى الولي إذنها كذلك ، وقال الشيخ تقي الدين : قولها وإن ادعت الإذن فأنكر ورثته ، صدقت

التالي السابق


الخدمات العلمية