صفحة جزء
القسم الثالث : المحرمات بالمصاهرة ، وهن أربع : أمهات نسائه ، وحلائل آبائه وأبنائه ، فيحرمن بمجرد العقد دون بناتهن ، والربائب وهن بنات نسائه اللاتي دخل بهن دون اللاتي لم يدخل بهن ، فإن متن قبل الدخول ، فهل تحرم بناتهن ؛ على روايتين . ويثبت تحريم المصاهرة بالوطء الحلال والحرام ، فإن كانت الموطوءة ميتة أو صغيرة ، فعلى وجهين .

وإن باشر امرأة ، أو نظر إلى فرجها ، أو خلا بها لشهوة ، فعلى روايتين ، وإن تلوط بغلام ، حرم على كل واحد منهما أم الآخر وابنته ، وعن أبي الخطاب : هو كالوطء دون الفرج ، وهو الصحيح .


( القسم الثالث : المحرمات بالمصاهرة ، وهن أربع : أمهات نسائه ) أي : إذا تزوج امرأة ، حرم عليه كل أم لها من نسب أو رضاع ، قريبة أو بعيدة - بمجرد العقد ، نص عليه ، وهو قول عمر ، وابن مسعود ، وجابر ، وعن علي : أنها لا تحرم إلا بالدخول بابنتها ، ولنا قوله تعالى وأمهات نسائكم [ النساء : 23 ] وهو عام ، وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده مرفوعا قال : من تزوج امرأة ، فطلقها قبل أن يدخل بها لا بأس أن يتزوج ربيبته ، ولا يحل له أن يتزوج أمها رواه ابن ماجه وأبو حفص ، ( وحلائل آبائه ) سميت امرأة الرجل : حليلة ; لأنها محل إزار زوجها ، وهي محللة له أي : فيحرم عليه امرأة أبيه ، قريبا كان أو بعيدا ، من نسب أو رضاع ، وارثا كان أو غير وارث ، دخل بها أو لا ; لقوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء [ النساء : 22 ] وقال البراء : لقيت خالي ومعه الراية [ ص: 59 ] قال : أرسلني النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه رواه أحمد وأبو داود وقال : حسن غريب ، وسواء في هذا امرأة أبيه أو امرأة جده لأبيه ، وجده لأمه - قريب أو بعيد - ولا فرق بين من وطئها بملك أو شبهة ( وأبنائه ) أي : يحرم عليه أن يتزوج بامرأة ابنه وابن بنته من نسب أو رضاع ، قريبا كان أو بعيدا ; لقوله تعالى وحلائل أبنائكم [ النساء : 23 ] بغير خلاف نعلمه ( فيحرمن بمجرد العقد ) ; لعموم ما تقدم ، ولو كان نكاح الأب الكافر فاسدا ، ذكره الشيخ تقي الدين إجماعا ، وظاهره : لا فرق فيه بين العقد الصحيح المفيد للحل والفاسد ، على ظاهر كلام القاضي في " المجرد " ; لأن حكمه كالصحيح إلا الحل والإحلال والإحصان والإرث ، وتنصف الصداق قبل المسيس ، وظاهر كلامه في " التعليق " خلافه ( دون بناتهن ) أي : يحل له نكاح ربيبة أبيه وابنه ; لقوله تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم [ النساء : 24 ] ( والربائب : وهن بنات نسائه اللاتي دخل بهن ) ; لقوله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم [ النساء : 23 ] ( دون اللاتي لم يدخل بهن ) ; لأن تقييده بالحجر خرج مخرج الغالب ، وما كان كذلك لا مفهوم له اتفاقا ، ولا فرق فيها بين أن تكون قريبة أو بعيدة ، وارثة أو غير وارثة ، من نسب أو رضاع ، فإذا دخل بالأم حرمت عليه ، سواء كانت في حجره أو لا ، وحكي عن ابن عقيل - وهو مروي عن عمر وعلي - أنه يرخص فيها إذا لم تكن في حجره ( فإن متن قبل الدخول ) أو ماتت ( فهل تحرم بناتهن ؛ على روايتين ) أظهرهما : أنها لا تحرم ، وهو قول عامة العلماء ; لقوله تعالى : فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم [ ص: 60 ] [ النساء : 23 ] وكالطلاق والموت ، لا يجري مجرى الدخول في الإحلال والإحصان ، والثانية : بلى ، اختاره أبو بكر قياسا على تكميل العدة والصداق .

( ويثبت تحريم المصاهرة بالوطء الحلال ) اتفاقا ( والحرام ) ; لقوله تعالى ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء [ النساء : 22 ] وفيها دلالة تصرفه إلى الوطء دون العقد ; لقوله تعالى إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا [ النساء : 22 ] وهذا التغليظ إنما يكون في الوطء ، وعن ابن مسعود قال : لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها ، رواه الدارقطني بإسناد ضعيف ; ولأن ما تعلق بالوطء المباح تعلق بالمحظور ، كوطء الحائض ; ولأن النكاح يفسده الوطء بالشبهة ، وأفسده الوطء الحرام كالإحرام ، وذكر في " المستوعب " و " المغني " ، و " الترغيب " : ولو بوطء دبر ، وقيل : لا ، ونقل بشر بن موسى : لا يعجبني ، ونقل الميموني : إنما حرم الله الحلال على ظاهر الآية ، والحرام مباين للحلال ( فإن كانت الموطوءة ميتة أو صغيرة ) لا يوطأ مثلها ( فعلى وجهين ) أحدهما : ينشر الحرمة كالرضاع ، والثاني - وهو ظاهر " الوجيز " وغيره - : لا ينشرها ; لأن التحريم يتعلق باستيفاء منفعة الوطء ، وذلك يبطلها ، وفي المذهب : هو كنكاح ، فيه شبهة وجهان .

( وإن باشر امرأة أو نظر إلى فرجها ) أو قبلها ( أو خلا بها لشهوة ، فعلى روايتين ) وفيه مسائل .

الأولى : إذا باشرها دون الفرج لشهوة ، فالأشهر أنه لا ينشرها ، كما لو لم يكن لشهوة ، والثانية : بلى ، وهو قول ابن عمرو ، وابن عمر ، كالوطء ، والفرق بين [ ص: 61 ] الوطء وغيره ظاهر ، وعلم منه أنه إذا باشرها دون الفرج لغير شهوة أنه لا ينشر الحرمة بغير خلاف نعلمه .

الثانية : إذا نظر إلى فرجها لشهوة ، ظاهر المذهب : أنه لا ينشرها كالنظر إلى الوجه ، والثانية : ينشرها في كل موضع ينشرها اللمس ، روي عن جماعة من الصحابة ، وعنه : لا فرق بين النظر إلى الفرج وإلى بقية البدن ، ذكرها أبو الحسين ، ونقله الميموني وابن هانئ ، منها أو منه إذا كان لشهوة ، والأصح خلافه ; فإن غير الفرج لا يقاس عليه ، وإن وقع ذلك من غير شهوة لم ينشرها بغير خلاف فيه ، وهذا فيمن بلغت تسع سنين فما زاد ، وعنه : سبع إذا أصابها حرمت عليه أمها .

الثالثة : إذا خلا بها لشهوة قبل الوطء ، فروايتان إحداهما - وهي اختيار القاضي ، وابن عقيل ، والمؤلف - : لا ينشر بناء على أن النظر كناية عن الدخول . والثانية : بلى ; لأنه تعالى أطلق الدخول ، وهو شامل للخلوة ، والعرف على ذلك ، يقال : دخل بزوجته ، إذا كان بنى بها وإن لم يطأ ، وأما إذا فعلت هي ذلك فالحكم كما ذكره ( وإن تلوط بغلام ، حرم على كل واحد منهما أم الآخر وابنته ) أي : يحرم بوطء الغلام ما يحرم بوطء المرأة ، نص عليه ; لأنه وطء في فرج ، فينشر الحرمة إلى من ذكر كوطء المرأة ( وعن أبي الخطاب : هو كالوطء دون الفرج ) فيكون في تحريم المصاهرة حكم المباشرة فيما دون الفرج شهوة ; لكونه وطأ في غير محله ( وهو الصحيح ) عند المؤلف ; لأنه ليس بمنصوص على تحريم ، ولا يصح قياسه على النساء ; لأن وطأها سبب للبغضة ، ويوجب المهر ، ويلحق [ ص: 62 ] به النسب ، وتصير المرأة به فراشا ، قال ابن البنا وابن عقيل : وكذا دواعيه ، والأول هو المذهب .

التالي السابق


الخدمات العلمية