صفحة جزء
[ ص: 19 ] الحمد لله المحمود على كل حال ، الدائم الباقي بلا زوال ، الموجد خلقه على غير مثال ، العالم بعدد القطر ، وأمواج البحار ، وذرات الرمال ، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، ولا تحت أطباق الجبال ، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ، وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى وآله خير آل صلاة دائمة بالغدو والآصال ، أما بعد ، فهذا كتاب في الفقه على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني اجتهدت في جمعه وترتيبه ، وإيجازه ، وتقريبه وسطا بين القصير والطويل ، وجامعا لأكثر الأحكام عرية عن الدليل ، والتعليل ، ليكثر علمه ويقل حجمه ، ويسهل حفظه وفهمه ، ويكون مقنعا لحافظيه نافعا للناظر فيه ، والله المسئول أن يبلغنا أملنا ، ويصلح قولنا وعملنا ، ويجعل سعينا مقربا إليه ونافعا لديه وهو حسبنا ونعم الوكيل


قال المؤلف رحمه الله : ( الحمد ) افتتح كتابه بعد التبرك بالبسملة بحمد الله أداءا لحق منبئ عما يجب عليه من شكر نعمائه التي تأليف هذا المختصر أثر من آثارها ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم رواه أبو داود ، وابن حبان في " صحيحه " من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ومعنى " ذي بال " أي : حال يهتم به ، والأجذم ، بالجيم والذال المعجمة هو الأقطع ، ومعناه : أنه مقطوع البركة .

والحمد : هو الثناء باللسان على قصد التعظيم ، سواء تعلق بالنعمة أو بغيرها ، والشكر ينبئ عن تعظيم المنعم ، لكونه منعما ، وسواء كان باللسان ، أو بالجنان ، أو بالأركان ، فمورد الحمد هو اللسان وحده ، ومتعلقه النعمة وغيرها ، والشكر يعم اللسان وغيره ، ومتعلقه النعمة فقط ، فالحمد أعم من الشكر باعتبار المتعلق ، وأخص باعتبار المورد ، وعكسه الشكر ، فبينهما عموم وخصوص من وجه ، لأنهما يجتمعان في مادة ، وهو الثناء باللسان في مقابلة الإحسان ، ويفترقان في صدق الحمد فقط ، على الوصف بالعلم والشجاعة ، وصدق الشكر فقط ، على الثناء بالجنان أو الأركان في مقابلة الإحسان . وقيل : الحمد أعم من الشكر ، وقيل : هما سواء . ونقيض الحمد : الذم ، ونقيض الشكر : الكفر . والألف واللام فيه للعموم ، أي : يستحق المحامد كلها ، واختلف في اشتقاقه ، فقال النضر بن شميل : هو مشتق من " الحمدة " وهي شدة لهب النار ، وقال ابن الأنباري : هو مقلوب من " المدح " كقولهم : ما أطيبه وأيطبه .

[ ص: 20 ] ( لله ) اسم لذات الواجب الوجود ، المستحق لجميع المحامد ، ولهذا لم يقل : الحمد للخالق ، أو للرزاق مما يوهم باختصاص استحقاقه الحمد بوصف دون وصف . ونقل البندنيجي عن أكثر العلماء أنه الاسم الأعظم ، لأنه في سائر تصاريفه يدل على الذات المقدسة . وذهب الخليل بن أحمد ، وأبو حنيفة أنه ليس بمشتق ، وذهب آخرون وحكاه سيبويه عن الخليل إلى خلافه ، فقيل : هو من أله بالفتح " إلاهة " ، أي : عبد عبادة ، والمعنى : أنه مستحق العبادة دون غيره . وقال المبرد : هو من قول العرب : ألهت إلى فلان أي : سكنت إليه ، وأصله : إله لقوله تعالى : وهو الذي في السماء إله [ الزخرف : 84 ] فأدخلت عليه الألف واللام ، فصار " الإله " ، ثم ألقيت حركة الهمزة على لام التعريف ، ثم سكنت ، وأدغمت في اللام الثانية ، فصار " الله " بالترقيق ، ثم فخم إجلالا وتعظيما ، فقيل : " الله " كذا قرره أبو البقاء وغيره ، وفيه نظر ، لما فيه من التكلف . وهو عربي خلافا للبلخي في تعريبه من السريانية .

( المحمود ) هو صفة لله تعالى ، والأولى جره ، وكذا ما بعده من الصفات . ( على كل حال ) لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ما يعجبه ، قال : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وإذا رأى غير ذلك ، قال : " الحمد لله على كل حال . ( الدائم ) قال تعالى : أكلها دائم [ الرعد : 35 ] أي : مستمر ، ولما كان أحق الأشياء بالدوام هو الله ، كان الدائم هو الله تعالى . ( الباقي ) قال تعالى : ويبقى وجه ربك [ الرحمن : 27 ] والدوام أعم من البقاء ، لأنه يستعمل في الزمن الماضي ، ويسمى أزليا ، وفي المستقبل ويسمى أبديا . ( بلا زوال ) ، أي : بلا انفصال ، ( الموجد ) هو اسم [ ص: 21 ] فاعل من أوجد ، ( خلقه ) ، أي : مخلوقاته ، إذ المصدر يرد بمعنى المفعول ، كقولهم : الدرهم ضرب الأمير ، أي مضروبه . ( على غير مثال ) سبق ، لأنه أنشأها من العدم ، لكمال قدرته وعظمته .

( العالم ) هو من جملة أوصافه الذاتية ، لأنه يوصف به ، ولا يوصف بنقيضه في مذهب أهل السنة والجماعة ، لأنه تعالى عالم بعلم ، وعلمه قديم ، ليس بضروري ، ولا نظري ، وفاقا . ( بعدد ) يقال : عددت الشيء عدا : أحصيته ، والاسم : العدد ، والعديد ، يقال : هم عديد الحصى والثرى ، أي : في الكثرة . ( القطر ) جمع قطرة ، وهو المطر ، وقد قطر الماء ، يقطر قطرا ، وقطرته أنا ، يتعدى ، ولا يتعدى . ( وأمواج ) يقال : ماج البحر ، يموج موجة : إذا اضطرب وكذلك الناس يموجون يوم القيامة . ( البحر ) هو خلاف البر ، يقال : يسمى به لعمقه واتساعه ، والجمع أبحر ، وبحار ، وبحور ، وكل نهر عظيم بحر ، ويسمى الفرس الواسع الجري بحرا ، وماء بحر ، أي : ملح ، وتبحر في العلم وغيره . ، أي : تعمق فيه وتوسع . ( وذرات الرمال ) الذرات : واحدها ذرة ، وهي صغرى النمل ، ثم استعمل في الرمل تشبيها .

( لا يعزب ) هو بضم الزاي وكسرها ، أي : لا يبعد ولا يغيب ( عنه مثقال ذرة ) أي : زنة مثقال ذرة ( في الأرض ) قال ابن عباس رضي الله عنه : خلق الله الأرض على قرن ثور ، والثور واقف على ظهر نون ، [ ص: 22 ] والحوت في الماء ، والماء على ظهر صفا ، والصفا على ظهر ملك ، والملك على صخرة ، والصخرة على الريح ، وهي الصخرة التي ذكرها لقمان ليست في الأرض ولا في السماء ) . قال الحكماء : الأرض جسم بسيط كري بارد يابس ، ويتحرك إلى الوسط ، ولولا برودتها ويبسها ما أمكن قرار الحيوان على ظهرها ، ومدرت المعادن والنبات في بطنها ، وخلقت قبل السماء في قول ، لقوله تعالى : هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات [ البقرة : 29 ] وهي سبع ، بقوله تعالى : ومن الأرض مثلهن [ الطلاق : 12 ] ولقوله عليه السلام : من اقتطع من الأرض شبرا بغير حق ، طوقه يوم القيامة من سبع أرضين ولا في السماء قال قتادة : خلقت قبل الأرض ، لقوله تعالى : أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها إلى قوله : والأرض بعد ذلك دحاها [ النازعات : 28 - 30 ] وقال : الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض [ الأنعام : 1 ] قال مجاهد : إنه تعالى أيبس الماء الذي كان عرشه عليه ، فجعله أرضا ، وثار منه دخان ، فارتفع فجعله سماء ، فصار خلق الأرض قبل السماء ، ثم قصد أمره إلى السماء فسواهن سبع سماوات ، ثم دعا الأرض بعد ذلك ، وكانت إذ خلقها غير مدحوة . ( ولا تحت أطباق الجبال ) : واحدها جبل ، وأعظمها خلقا جبل قاف ، قال المفسرون : هو جبل أخضر من زبرجدة خضراء ، ومنها خضرة السماء ، وهو محيط بالدنيا إحاطة بياض العين بسوادها ، ومن ورائه [ ص: 23 ] خلائق لا يعلمها إلا الله وخلقها الله لحكمة ، وهي أن الحوت لما اضطرب تزلزلت الأرض ، فأرسل عليها الجبال ، فقرت ، فالجبال تفخر على الأرض ، قال تعالى : وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم [ الأنبياء : 31 ] قال بعض المهندسين : لو لم تكن الجبال لكان وجه الأرض مستديرا أملس ، ولو كان كذلك ، لغطى الماء جميع جهاتها وأحاط بها . ( عالم الغيب والشهادة ) لأنه تعالى يعلم ما غاب عن العيون ، مما لم يعاين ولم يشاهد ، وقيل : هما السر والعلانية . والإشارة به أن العلم ينقسم إلى شهادة وغيب ، فالشهادة : ما حصلت معرفته من طريق الشهود ، وما عدا ذلك فهو غيب بالإضافة إليه . ( الكبير المتعال ) المنزه عن صفات المخلوقين .

واعلم أنه قد أنكر على المؤلف في إسقاط التشهد من الخطبة ، لما ورد في الحديث : كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء ، وأجيب عنه بأن ما سبق ، فهو كاف .

( وصلى الله ) ولما فرغ من الثناء على الله تعالى ، قرن ذلك بالصلاة على نبيه لقوله تعالى : ورفعنا لك ذكرك [ الانشراح : 14 ] قال : لا أذكر إلا ذكرت معي . والصلاة من الله : الرحمة ، ومن الملائكة : استغفار ، ومن الآدمي [ ص: 24 ] تضرع ودعاء ، قاله الأزهري وغيره . وقال أبو العالية : صلاة الله : ثناؤه عليه عند الملائكة ، وصلاة الملائكة : الدعاء . ( على سيدنا ) السيد : هو الذي يفوق قومه في الخير ، قاله الزجاج ، وقيل : التقي ، وقيل : الحليم ، وقيل : الذي لا يغلبه غضبه ، وجميع ذلك منحصر فيه عليه السلام . ( محمد ) لما علم الله كثرة خصاله المحمودة ، ألهم أهله أن يسموه محمدا ، وهو علم منقول من التحميد ، مشتق من الحميد ، وهو من أسمائه تعالى ، وإليه أشار حسان بن ثابت بقوله :


وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد

( المصطفى ) هو الخالص من الخلق ، وهو خير الخلائق كافة . ( وآله ) . جمهور العلماء على جواز إضافة " آل " إلى المضمر كما استعمله المؤلف ، وقال الكسائي ، والنحاس ، والزبيدي : لا يضاف إلا إلى المظهر لتوغله في الإبهام ، وسيأتي الكلام عليهم . ( خير آل ) أصل خير : أخير ، فحذفوا الهمزة ، وبعدها ساكن لا يمكن النطق به ، فنقلوا حركة ما قبل الآخر إليه ، فبقي " خير " كل ذلك تخفيفا . ( صلاة دائمة ) أي مستمرة متصلة ، لا تنقطع . اقتصر على الصلاة عليه كمسلم في " صحيحه " وهو مكروه ، نقله في [ ص: 25 ] " شرح مسلم " فقال : يكره إفراد الصلاة من غير تسليم ، لأن الله تعالى أمر بهما جميعا ، لقوله تعالى : صلوا عليه وسلموا تسليما [ الأحزاب : 56 ] مع تأكيد التسليم بالمصدر ، فدل على الاهتمام به . ( بالغدو ) جمع غدوة ، وهو نفس الفعل ، تقول : غدا يغدو غدوا ، عبر بالفعل عن الوقت ، والمراد بالغدوات ، كما تقول : آتيك قبل طلوع الشمس ، أي : وقت طلوعها . ( والآصال ) جمع أصل ، وهو جمع أصيل ، وقيل : الآصال : جمع أصيل ، والآصال : العشيات ، وقال أبو عبيدة ، هي ما بين العصر إلى غروب الشمس .

( أما بعد ) أي : بعد ما ذكر من الثناء على الله تعالى ، والصلاة على نبيه ، وهذه الكلمة يأتي بها المتكلم إذا كان في كلام ، وأراد الانتقال إلى غيره ، ولا يؤتى بها في أول الكلام ، وكان صلى الله عليه وسلم يأتي بها في خطبه وكتبه ، رواه عنه اثنان وثلاثون صحابيا . فأما " أما " . فهي كلمة فيها معنى الشرط ، قال سيبويه : قول النحويين : أما زيد فمنطلق ، معناه : مهما يكن من شيء فزيد منطلق ، قال بعضهم : وأصلها " ماما " ، فحذفت الألف ، ثم أدغم بشرطه ، والابتداء بالساكن متعذر ، فألحقت الهمزة مفتوحة ، لئلا يلتبس . " بعد " ظرف زمان ، والأعرف فيها هنا البناء على الضم ، لكونها قطعت عن الإضافة ، وفيها وجوه أخر ، وهي فصل الخطاب الذي أوتيه داود عليه السلام لقوله تعالى : وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب [ ص : 20 ] وزعم الكلبي أن أول من قاله [ ص: 26 ] قس بن ساعدة ، وقيل : كعب بن لؤي ، وقيل : يعرب بن قحطان ، وقيل : غير ذلك . ( فهذا ) إشارة إلى الكتاب المؤلف المسمى بـ : " المقنع " فإن قيل : كيف جازت الإشارة إليه قبل تأليفه ، فالجواب عنه : أن الإشارة كانت إلى كتاب مصور في الذهن ، لأن من عزم على تأليف كتاب صوره في ذهنه ، أو إن عمل خطبة كانت بعد الفراغ من تأليف الكتاب . ( كتاب ) هو من المصادر السيالة ، أي : يوجد شيئا فشيئا ، يقال : كتب كتابا وكتابة ، وسمي المكتوب به مجازا ، ومعناه جمع جملة من العلم . ( في الفقه ) هو في اللغة الفهم ، وفي الاصطلاح : العلم بالأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية بالاستدلال . ( على مذهب ) هو الطريق ، يقال : ذهب مذهبا حقا وذهابا وذهوبا ، وجمعه مذاهب . ( الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ) والصديق الثاني إمام الأئمة ، وناصر السنة ، ولد ببغداد بعد حمل أمه به بمرو ، في ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة ، وتوفي ببغداد يوم الجمعة ، ثاني عشر ربيع الأول ، سنة إحدى وأربعين ومائتين ، وله سبع وسبعون سنة . روى ابن ثابت الخطيب بإسناده : قال الوركاني جار أحمد بن حنبل : أسلم يوم مات أحمد عشرون ألفا من اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، . ومناقبه مشهورة . ( اجتهدت ) الاجتهاد : هو بذل الوسع فيما فيه كلفة ومشقة . ( في جمعه ) من كلام الإمام وأصحابه . ( وترتيبه ) أي : ترتيب أبوابه ومسائله . ( وإيجازه ) أي : تقصيره ، يقال : أوجز في الكلام ، فهو كلام موجز وموجز ووجز ووجيز ، قاله الجوهري . ( وتقريبه ) إلى الأفهام بعبارة سهلة من غير تعقيد ، ولقد بالغ في ذلك ، وحرص عليه طاقته ، فجزاه الله خيرا ، وأثابه الجنة . ( وسطا بين القصير والطويل ) [ ص: 27 ] أي : متوسطا بينهما ، ليس هـو بالقصير المخل ، ولا بالطويل الممل ، وخيار الأمور أوسطها ، إذ الوسط العدل ، وهو منصوب ، " جامعا " على الحال ، أي : اجتهدت في جمعه وسطا ، ويجوز أن يكون ناصبه فعلا مقدرا ، أي : جعلته وسطا . قال الواحدي : هو اسم لما بين طرفي الشيء ، فأما اللفظ به ، فقال المبرد : ما كان اسما ، فهو محرك السين ، كقولك : وسط رأسه صلب ، وما كان ظرفا ، فهو مسكن ، كقولك : وسط رأسه دهن ، أي : في وسطه . وقال الجوهري : ما صلح فيه " بين " ، فهو بالسكون ، وما لم يصلح فيه " بين " فهو بالتحريك ، وربما سكن ، وليس بالوجه . وقال الفراء : قال يونس : سمعت وسط ووسط بمعنى . ( وجامعا ) معطوف على ( وسطا ) ، ( لأكثر الأحكام ) جمع حكم وهو في الأصل خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء ، أو التخيير ، أو الوضع ) ، ( عرية عن الدليل ) أي : مجردا عن ذكر الدليل غالبا وهو لغة : عبارة عن المرشد ، واصطلاحا : ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري . والمراد به هنا الدليل التفصيلي في كل مسألة . ( والتعليل ) أي : مجردا عن العلة أيضا ، وهي حكمة الحكم ، أي : ما يثبت الحكم لأجله في محله ، وهو أخص من الدليل ، إذ كل تعليل دليل من غير عكس ، لجواز أن يكون نصا أو إجماعا . ( ليكثر علمه ) أى جرده عن الدليل والتعليل غالبا مع ما سبق في قوله : اجتهدت إلى آخره ، لأجل تكثير أحكامه . ( ويقل حجمه ) في النظر فلا تنفر النفس منه ، ( ويسهل حفظه وفهمه ) [ ص: 28 ] أي : يسهل حفظ مبانيه وفهم معانيه ، إذ الفهم : إدراك معنى الكلام ، قيل : بسرعة ، والأصح أنه لا يحتاج إليه . ( ويكون مقنعا لحافظيه ) أي : يقنع به حافظه عن غيره . ( نافعا للناظر فيه ) أي : بمطالعته . ( والله المسئول أن يبلغنا أملنا ، ويصلح قولنا وعملنا ، ويجعل سعينا مقربا إليه ونافعا لديه ) سأل من الله تعالى أن يبلغه أمله ، ويصلح قوله وعمله ، وقد عم في الدعاء ، فإنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على علي وهو يدعو ويخص نفسه ، فقال : يا علي ، عم فإن فضل العموم على الخصوص كفضل السماء على الأرض . ( وهو حسبنا ونعم الوكيل ) الحسيب : الكافي . والوكيل : الحافظ ، وقيل : الموكول إليه تدبير خلقه ، والقائم بمصالحهم ، فيكون " ونعم الوكيل " عطف على جملة " وهو حسبنا " ، والخصوص محذوف ، وإما أن يكون عطفا على " حسبنا " أي : وهو نعم الوكيل ، والمخصوص : هو الضمير المتقدم على ما قالوه في : زيد نعم الرجل ، وعلى كل تقدير فقد عطف الإنشاء على الإخبار .

التالي السابق


الخدمات العلمية