صفحة جزء
ولبن الميتة وإنفحتها نجسة في ظاهر المذهب ، وعظمها ، وقرنها ، وظفرها نجس ، وصوفها وشعرها وريشها طاهر .


( ولبن الميتة وإنفحتها ) بكسر الهمزة ، وفتح الفاء مخففة - ذكره الجوهري ، ويقال أيضا : منفحة ( نجسة في ظاهر المذهب ) هذا هو المنصور عند أصحابنا ، روى سعيد بن منصور : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، أن ابن عباس سئل عن [ ص: 75 ] الجبن يصنع فيه أنافح الميتة ، فقال : لا تأكلوه ، وقال ابن مسعود : لا تأكلوا من الجبن إلا ما صنع المسلمون ، وأهل الكتاب ، رواه البيهقي ، وروي عن عمر وابنه مثله ، ولأنه مائع في وعاء نجس ، أشبه ما لو حلب في إناء نجس ، والثانية : أنهما طاهران ، لأن الصحابة فتحوا بلاد المجوس ، وأكلوا من جبنهم ، مع علمهم بنجاسة ذبائحهم ، لأن الجبن إنما يصنع بها ، واللبن لا ينجس بالموت إذ لا حياة فيه ، والأول أولى ، لأن في صحة ما نقل عن الصحابة نظرا ، ولو سلم صحته ، فكان بينهم يهود ونصارى يذبحون لهم ، فلا يتحقق القول بالنجاسة ، وفي " الكافي " ، و " الشرح " أن الجبن نجس ، والخلاف في الإنفحة ، والأشهر أن الخلاف فيهما ، وقيل : هما في محلهما نجسان ، وبعد أخذهما طاهران .

فرع : إذا صلب قشر بيضة فطاهرة ، لأنه لا يصل إليها شيء من النجاسات أشبه ما لو غمست في ماء نجس ، وإن لم تكمل البيضة ، فقال أصحابنا : ما كان قشرها أبيض ، فهو طاهر ، وإلا فهو نجس ، لأن الحاجز غير حصين ، وقال ابن عقيل : لا ينجس ، لأن جمودها ، وغشاوتها الذي هو كالجلد مع لينه يمنع نفوذ النجاسة إليها ، والأول أشهر ، فعلى النجاسة إن صارت فرخا فهو طاهر .

( وعظمها ، وقرنها ، وظفرها ) وسنها ، وحافرها ، وعصبها ( نجس ) نص على ذلك من مأكول ، أو غيره ، كالفيل لقوله تعالى حرمت عليكم الميتة [ المائدة 3 ] ، والعظم من جملتها ، فيكون محرما ، وعنه : طاهر وفاقا لأبي حنيفة ، لأن [ ص: 76 ] الموت لا يحلها ، فلا تنجس بالموت كالشعر ، وقد روى أبو داود بإسناده عن ثوبان : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : يا ثوبان ، اشتر لفاطمة قلادة من عصب ، وسوارين من عاج .

والعاج هو عظم الفيل ، وقال مالك : إن ذكي الفيل فعظمه طاهر ، وإلا فهو نجس ، لأن الفيل مأكول عنده ، فعلى هذا يجوز بيعه ، واختاره ابن وهب المالكي فقيل : لأنه لا حياة فيه ، وقيل : - وهو أصح - لأن سبب التنجيس وهي الرطوبة منتفية ، والأول أولى ، لأن الحياة تحله ، فينجس بالموت ، كالجلد بدليل قوله تعالى قال من يحيي العظام وهي رميم الآية [ يس 78 ] ، وبدليل الإحساس والألم ، وهو في العظام أشد منه في اللحم ، والضرس يألم ، ويلحقه القرس ، ويحس ببرودة الماء وحرارته ، وحديث ثوبان فيه حميد الشامي ، وسئل عنه أحمد ، وابن معين فقالا : ولو سلم ، فقال الخطابي ، عن الأصمعي : العاج الذبل ، وقيل : هو عظم السلحفاة البحرية ، وقيل : العصب كالشعر ، لأنه ليس فيه رطوبة منجسة ، وحكم ما ذكرنا إن أخذ من مذكى فهو طاهر ، وإن أخذ من حي فهو نجس ، لقوله عليه السلام : ما يقطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة رواه الترمذي ، وقال : حسن غريب ، وكذا ما يسقط من قرون الوعول في حياتها ، وفي " المغني " ، و " الشرح " احتمال بطهارته كالشعر ، وأما ما لا ينجس بالموت كالسمك فلا بأس بعظامه .

( وصوفها ، وشعرها ، وريشها طاهر ) يعني الميتة الطاهرة في الحياة ، وإلا فالنجسة فيها لا يزيدها الموت إلا خبثا ، وهذا هو الأشهر عن أحمد ، نقل الميموني : صوف الميتة ما أعلم أحدا كرهه ، وعليه أصحابه ، لقوله [ ص: 77 ] تعالى ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها الآية [ النحل 80 ] ، وهي في سياق الامتنان ، فالظاهر شمولها لحالتي الحياة والموت ، ولحديث ابن عباس في شاة ميمونة ، وعن أحمد : أنها نجسة ، أومأ إليه في شعر الآدمي الحي ، واختارها الآجري ، ومن ثم حكاية صاحب " التلخيص " الخلاف في شعر غير الآدمي ، والقطع بالطهارة فيه غريب ، ولما تقدم من حديث عبد الله بن عكيم : لا تنتفعوا من الميتة بشيء ، ولعموم قوله تعالى : حرمت عليكم الميتة [ المائدة 3 ] ، وجوابه : بأن المراد بالآية : الحياة الحيوانية ، ومن خاصيتها الحس والحركة الإرادية ، وهما منفيان في الشعر ، ووبر كشعر ، ودخل في قولنا : الميتة الطاهرة في الحياة شعر الهرة ونحوها ، واختاره المؤلف ، وابن عقيل ، وقيل بنجاسته بعد الموت لزوال علة الطواف به ، وجعل القاضي الخلاف في المنفصل في حياته أيضا ، وألحق ابن البنا بذلك سباع البهائم إذا قلنا بطهارتها ، فأما أصول الشعر والريش إذا نتف من الميتة وهو رطب ، فهو نجس برطوبة الميتة ، وهل يطهر بالغسل ؛ فيه وجهان ، ونقل أبو طالب : ينتفع بصوفها إذا غسل قيل : فريش الطير ؛ قال : هذا أبعد ، وحرم في " المستوعب " نتف ذلك من حي لإيلامه ، وكرهه في " النهاية " .

التالي السابق


الخدمات العلمية