صفحة جزء
[ ص: 96 ] فصل

وإن عتقت الأمة وزوجها حر ، فلا خيار لها في ظاهر المذهب ، وإن كان عبدا ، فلها الخيار في فسخ النكاح ، ولها الفسخ بغير حكم حاكم ، فإن أعتق قبل فسخها ، أو أمكنته من وطئها - بطل خيارها ، فإن ادعت الجهل بالعتق - وهو مما يجوز جهله - أو الجهل بملك الفسخ ، فالقول قولها ، وقال الخرقي : يبطل خيارها ، علمت أو لم تعلم . وخيار المعتقة على التراخي ما لم يوجد منها ما يدل على الرضى .

فإن كانت صغيرة أو مجنونة ، فلها الخيار إذا بلغت وعقلت ، وليس لوليها الاختيار عنها ، فإن طلقت قبل اختيارها ، وقع الطلاق ، وإن عتقت المعتدة الرجعية ، فلها الخيار ، فإن رضيت بالمقام ، فهل يبطل خيارها ؛ على وجهين ، ومتى اختارت المعتقة الفرقة بعد الدخول ، فالمهر للسيد ، وإن كان قبله ، فلا مهر ، وقال أبو بكر : لسيدها نصف المهر ، وإن أعتق أحد الشريكين وهو معسر ، فلا خيار لها ، وقال أبو بكر : لها الخيار ، وإن عتق الزوجان معا فلا خيار لها ، وعنه : ينفسخ نكاحهما .


فصل

( وإن عتقت الأمة وزوجها حر ) أو بعضه ( فلا خيار لها في ظاهر المذهب ) هذا قول عمر ، وابن عباس ، والأكثر ، وعن أحمد : لها الخيار ; لما روى أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وغيرهم ، عن الأسود ، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خير بريرة ، وكان زوجها حرا وجوابه أنها كافأت زوجها في الكمال ، فلم يثبت لها خيار ، كما لو أسلمت الكتابية تحت مسلم ، وعن الخبر بأن ابن عباس قال : كان زوج بريرة عبدا - رواه البخاري ، وروى مسلم من حديث القاسم وعروة ، عن عائشة أن بريرة كان زوجها عبدا ، وقالت : لو كان حرا لم يخيرها النبي - صلى الله عليه وسلم قال البخاري : قول الأسود منقطع ، ثم عائشة عمة القاسم وخالة عروة ، فروايتهما عنها أولى من رواية أجنبي يسمع من وراء حجاب ( وإن كان عبدا ، فلها الخيار من فسخ النكاح ) بالإجماع ، حكاه ابن المنذر وابن عبد البر ; لأنه عليه السلام خير بريرة فاختارت نفسها ، فإن اختارت الفسخ فلها فراقه ، وإن رضيت بالمقام فلا ; لأنها أسقطت حقها ، فإن عتق بعضها ، فلا خيار لها على المذهب ، وعنه : بلى ، وعنه : أو معتق بعضه ، وعنه : ليس فيه بقدر حريتها ، وفي " الترغيب " : إذا عتقت تحت معتق بعضه ، فلها الفسخ ( ولها الفسخ ) على التراخي ما لم ترض به ( بغير حكم حاكم ) ; لأنه فسخ مجمع عليه غير مجتهد فيه كالرد بالعيب ، بخلاف خيار العيب في النكاح ، فإنه مجتهد فيه كالفسخ للإعسار ، فإن اختارت الفراق كان فسخا وليس بطلاق في قول الجمهور ، قال أحمد : الطلاق ما تكلم به ; ولأنها فرقة من قبل الزوجة ، فكانت فسخا كما لو اختلف دينها أو أرضعت من يفسخ نكاحه برضاعها ، فعلى هذا [ ص: 97 ] لو قالت : اخترت نفسي ، أو فسخت هذا النكاح انفسخ ، ولو قالت : طلقت نفسي ، ونوت المفارقة - كان كناية في الفسخ ( فإن أعتقت قبل فسخها ) بطل خيارها ; لأنه إنما كان لدفع الضرر بالرق ، وقد زال بعتقه ، فسقط كالمبيع إذا زال عيبه ( أو أمكنته من وطئها ، بطل خيارها ) نص عليه ، روي عن ابن عمر ، وحفصة - رواه مالك ; ولقوله عليه السلام لبريرة : فإن قربك ، فلا خيار لك رواه أبو داود ، والدارقطني بإسناد حسن ، وظاهره سواء علمت بالخيار أو لا ، وهو المذهب ، وذكر القاضي أن لها الخيار إذا لم تعلم ، فإن أصابها بعد علمها ، فلا خيار لها ، فعليه إذا وطئها و ( ادعت الجهل بالعتق - وهو مما يجوز جهله ) مثل أن يعتقها سيدها في بلد آخر ( أو الجهل بملك الفسخ - فالقول قولها ) ; لأن الأصل عدم ذلك ، وفي الثانية لا يعلمه إلا خواص الناس ، فالظاهر صدقها ، فلو كانا في بلد واحد واشتهر ، لم يقبل قولها ; لأنه خلاف الظاهر ، وفي " الفروع " قيل : يجوز جهله ، وقيل : لا يخالفها ظاهر ، فلا فسخ ، نقله الجماعة ( وقال الخرقي : يبطل خيارها ، علمت أو لم تعلم ) ; لقول حفصة لامرأة عتقت تحت عبد : أمرك بيدك ما لم يمسك ، فليس لك من الأمر شيء . رواه مالك ; ولأنه خيار عيب ، فيسقط بالتصرف فيه مع الجهالة كخيار الرد بالعيب ، وفي " الوجيز " : فإن ادعت جهلا بعتقه فلها الفسخ ، وعكسه الجهل بملك الفسخ .

( وخيار المعتقة على التراخي ) في قول ابن عمر ، وحفصة ، والأوزاعي ، والزهري ، قال ابن عبد البر : لا أعلم لها في الصحابة مخالفا ; ولأن الحاجة داعية إلى ذلك ، فثبت كخيار القصاص ( ما لم يوجد منها ما يدل على الرضى ) ; لما روى الحسن بن [ ص: 98 ] أمية قال : سمعت رجالا يتحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إذا أعتقت المرأة فهي بالخيار ما لم يطأها ، فإن وطئها فلا خيار لها رواه أحمد ، ولا يمنع الزوج من وطئها .

فرع : أذن له سيده في التزويج بأمة فتزوجها ، ثم أعتق العبد ، فهما على نكاحهما في المشهور ، ويحتمل أن يفسخ نكاحهما بناء على الرواية إذا استغنى عن نكاح أمة بحرة ( فإن كانت صغيرة أو مجنونة فلها الخيار إذا بلغت ) سنا يعتبر قولها فيه ( وعقلت ) ولا خيار لهما في الحال ; لأنه لا عقل لهما ولا قول معتبر ، وذكر ابن عقيل : إذا بلغت سبع سنين ( وليس لوليها الاختيار عنها ) ; لأن هذا طريقه الشهوة ، فلم يملكه الولي كالقصاص ( فإن طلقت ) بائنا ( قبل اختيارها - وقع الطلاق ) وبطل خيارها على المذهب ; لأنه طلاق من زوج في نكاح صحيح ، فيعتد به كما لو لم يعتق ، وقال القاضي : طلاقه موقوف ، فإن اختارت الفسخ فلم يقع ، وإن لم تختر وقع ، وفي " الترغيب " : في وقوعه وجهان ، وإن كان الطلاق رجعيا لم يسقط خيارها ; لأنها زوجة ، فعلى قول القاضي إذا طلقت قبل الدخول ثم اختارت الفسخ - سقط مهرها ; لأنها بانت بالفسخ ، وإن لم يفسخ فلها نصف الصداق ; لأنها بانت بالطلاق ( وإن عتقت المعتدة الرجعية ) أو عتقت ثم طلقها رجعيا ( فلها الخيار ) ; لأن نكاحها باق ، ولها في الفسخ فائدة ، فإنها لا تأمن رجعته إذا لم يفسخ ، فإن قيل : ينفسخ حينئذ ، فيحتاج إلى عدة أخرى ، وإذا فسخت في العدة بنت على عدة حرة ، ( فإن رضيت بالمقام فهل يبطل خيارها ؛ على وجهين ) أحدهما - وقدمه في " المحرر " و " الفروع " - : أنه يسقط خيارها ; لأنها رضيت بالمقام [ ص: 99 ] مع حرمانها في البينونة وذلك ينافي الاختيار : والثاني : لا يسقط ; لأنها حالة يصح فيها اختيار المقام ، فصح اختيار الفسخ كصلب النكاح ، فإن لم تختر شيئا لم يسقط ; لأنه على التراخي ، وسكوتها لا يدل على رضاها .

( ومتى اختارت المعتقة الفرقة بعد الدخول ، فالمهر للسيد ) وكذا إن اختارت الفسخ قبل الدخول ; لأنه وجب بالعقد ، فإذا اختارت المقام لم يوجد له مسقط ، والواجب المسمى مطلقا ( وإن كان قبله فلا مهر ) لها ، نص عليه ; لأن الفرقة جاءت من قبلها ، فهو كما لو أسلمت أو ارتدت أو أرضعت من يفسخ نكاحها ( وقال أبو بكر : لسيدها نصف المهر ) ونقله مهنا عن الإمام أحمد ; لأنه وجب للسيد ، فلا يسقط بفعل غيره ، وأجيب : بأنه وإن وجب للسيد لكن بواسطتها ، وفيه شيء ، فلو كانت مفوضة ففرض لها مهر المثل فهو للسيد ; لأنه وجب في ملكه لا بالفرض ، وكذا لو مات أحدهما ، وجب ، وإن كان الفسخ قبل الدخول والفرض ، فلا يبنى إلا على القول بوجوب المتعة حيث يجب لوجوبه ، فلا يسقط بفعل غيره .

( وإن أعتق أحد الشريكين وهو معسر ، فلا خيار لها ) اختاره الخرقي والأكثر ; لأنه لا نص فيها ، ولا يصح قياسها على المنصوص ، وعلله أحمد بأن النكاح صحيح ، فلا يفسخ بالمختلف فيه ، وهذه يختلف فيها ، فلو زوج مدبرة له لا يملك غيرها وقيمتها مائة بعبد على مائتين مهرا ، ثم مات السيد - عتقت ، ولا فسخ قبل الدخول ، لئلا يسقط المهر أو يتنصف ، فلا يخرج من الثلث فيرق بعضها فيمتنع الفسخ ( وقال أبو بكر : لها الخيار ) هذا رواية ، وقدمها في " الرعاية " [ ص: 100 ] لأنها قد صارت أكمل منه ، فثبت لها الخيار ، كما لو عتقها جميعا ، أما لو كان موسرا ، فإن العتق يسري ، ويثبت لها الخيار بلا نزاع ، وكذا إذا قلنا بوجوب الاستسعاء .

فرع : إذا عتق زوج الأمة لم يثبت لها خيار ; لأن الكفاءة تعتبر في الرجل فقط ، فلو تزوج امرأة مطلقا ، فبانت أمة فلا خيار له ، ولو نكحت رجلا مطلقا فبان عبدا ، فلها الخيار ، وكذا في الاستدامة ، لكن إن عتق ووجد الطول لحرة ، فهل يبطل نكاحه ؛ على وجهين ( وإن عتق الزوجان معا ، فلا خيار لها ) في المشهور عنه ، والنكاح باق سواء أعتقهما واحد أو اثنان ، نص عليه ; لأن حرية العبد لو طرأت بعد عتقها لمنعت الفسخ ، فإذا قارنت كان أولى أن يمنع كالإسلام ، وعنه : لها الخيار كما لو عتقت قبله ( وعنه : ينفسخ نكاحهما ) نقله الجماعة ; لأن العتق معنى يزيل الملك عنهما لا إلى مالك ، فجاز أن تقع فيه الفرقة كالموت ، وفي " المغني " : معناه - والله أعلم - أنه إذا وهب عبده سرية ، وأذن له في التسري بها ، ثم أعتقهما جميعا - لم يصبها إلا بنكاح جديد ، واحتج أحمد بما روى نافع ، عن ابن عمر . أما إذا كانت امرأته فعتقا - لم ينفسخ ; لأنه إذا لم ينفسخ بإعتاقها وحدها ، فلأن لا ينفسخ بإعتاقهما معا أولى ، وهذه التي ذكرها المؤلف هي كاحتمال في " الواضح " في عتقه وحده بناء على غناه عن أمة بحرة ، وذكر غيره إن وجد طولا ، فلو أعتق نصفها فهو كما لو عتقا معا .

مسألة : يستحب لمن له عبد وأمة متزوجان - البداءة بعتق الرجل ; لئلا يثبت للمرأة خيار عليه ، فيفسخ نكاحه ، والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية