صفحة جزء
الثاني : أن يكون عنينا لا يمكنه الوطء ، فإن اعترف بذلك ، أجل سنة منذ ترافعه ، فإن وطئ فيها ، وإلا فلها الفسخ ، فإن اعترفت أنه وطئها مرة ، بطل كونه عنينا ، فإن وطئها في الدبر ، أو وطئ غيرها - لم تزل العنة ، ويحتمل أن تزول ، فإن ادعى أنه وطئها ، وقالت : إنها عذراء ، فشهد بذلك امرأة ثقة ، فالقول قولها ، وإلا فالقول قوله ، وإن كانت ثيبا فالقول قوله ، وعنه : القول قولها .

وقال الخرقي : يخلى معها في بيت ، ويقال له : أخرج ماءك على شيء ، فإن ادعت أنه ليس بمني ، جعل على النار ، فإن ذاب فهو مني ، وبطل قولها .


( الثاني : أن يكون عنينا لا يمكنه الوطء ) العنين : هو العاجز عن الوطء ، وربما اشتهاه ولا يمكنه ، مشتق من عن الشيء : إذا عرض ، وقيل : الذي له ذكر ولا ينتشر ، فإن اختلفا في وجود العنة ، فإن كان للمدعي بينة من أهل الخبرة والثقة ، عمل بها ، وإلا حلف المنكر ، وقبل قوله ، فإن كان مريضا يغمى عليه ثم يزول ، فذلك مرض لا يثبت به خيار ، وإن زال المرض ودام به الإغماء فهو الجنون ، فإذا ثبت أنه عنة ، فهو عيب تستحق المرأة به الفسخ بعد أن تضرب له مدة يختبر بها ، ويعلم حاله بها في قول الجماهير ( فإن اعترف بذلك ) وأقيمت به بينة عادلة ( أجل سنة منذ ترافعه ) ; لقول عمر ، وابن مسعود ، والمغيرة بن شعبة ، رواه الدارقطني ، ولا مخالف لهم ، رواه أبو حفص ، عن علي ، وكالجب ، وخبر امرأة رفاعة : إما معه مثل هدبة هذا الثوب - لا حجة فيه ، فإن المدة إنما تضرب مع اعترافه وطلب المرأة ذلك ، مع أن الرجل أنكر ذلك ، وقال : إني لأعركها عرك الأديم ، قال ابن عبد البر : وقد صح أن ذلك كان بعد طلاقه ، فلا معنى لضرب المدة ، وحينئذ لا يحتسب عليه منها ما اعتزلته فقط ، قاله في " الترغيب " ; ولأن العجز عنه يحتمل أن يكون مرضا ، فتضرب له سنة لتمر به الفصول الأربعة ، وقيل : شمسية ، فإن كان من يبس زال في الرطوبة ، وإن كان من رطوبة زال في فصل اليبس ، وإن كان من برودة زال في الحرارة ، وإن كان من انحراف مزاج زال في فصل الاعتدال ، فإذا مضت الفصول الأربعة [ ص: 103 ] واختلفت عليه الأهوية ، ولم يزل ، علم أنه خلقة ، قال أحمد : أهل الطب قالوا : الداء لا يسجن في البدن أكثر من سنة ، ثم يظهر . وابتداء السنة منذ ترافعه ، قال ابن عبد البر : على هذا جماعة القائلين بتأجيله بخلاف مدة الإيلاء ( فإن وطئ فيها وإلا فلها الفسخ ) في ظاهر المذهب ; لأنه لا تثبت عنته ، فيثبت لها الفسخ ، واختار أبو بكر وصححه المجد : أنه لا يؤجل ، ويفسخ في الحال كالجب ; ولأن المقتضي للفسخ قد وجد ، وزواله لا يحتمل الأجل ، والظاهر عدمه ، والحاصل أنها إذا ادعت عدم وطئها لعنته سئل عن ذلك ، فإن أنكر وهي عذراء فالقول قولها ، وإلا فالقول قوله مع يمينه - في ظاهر المذهب ; لأن الأصل السلامة ، والأصح أنه يحلف ، فإن نكل عنها ثبت عجزه ، وأجل سنة في قول عامتهم ( فإن اعترفت أنه وطئها مرة بطل كونه عنينا ) في قول أكثر العلماء ; لأنه قد تجددت قدرته على الوطء ، فبطل كونه عنينا ; لأن حقوق الزوجية من استقرار المهر والعدة تثبت بوطء واحد ، فكذا هذا ، وأما الجب فقد تحقق به العجز ، فافترقا .

تنبيه : إذا أولج الحشفة في الفرج زالت عنته ، فإن كان مقطوعها كفاه تغييب قدرها من الباقي في الأصح ، وظاهره ولو في حيض أو إحرام ، نصره في " الشرح " ، وذكر القاضي أن قياس المذهب أنه لا يخرج منها ; لأنه لا يحصل به الإحصان والإباحة للزوج الأول ، وأجيب بأنه وطء في محله ، فخرج منها كالمريضة ، والإخراج لا يخرج من العنة إلا بتغييب جميع الباقي ( فإن وطئها في الدبر ، أو وطئ غيرها ، لم تزل العنة ) جزم به في " الوجيز " وغيره ; لأن الدبر ليس محلا للوطء ، أشبه ما لو وطئ دون الفرج ; ولأن كل امرأة تعتبر في نفسها ; لأن [ ص: 104 ] الضرر الحاصل بالعجز عن وطئها ، وهو موجود هنا وإن وطئ غيرها ، ( ويحتمل أن ينعقد ) هذا وجه حكاه في " المحرر " و " الفروع " ، روي عن سمرة ، وعمر بن عبد العزيز ; ولأن العنة جبلة ، فلا تختلف باختلاف المحل والنساء ; ولأن الوطء في الدبر أصعب ، فمن قدر عليه كان على غيره أقدر ، وهذا مختار ابن عقيل ومقتضى قول أبي بكر ، فعلى الأول : لو تزوج امرأة فأصابها ، ثم أبانها ، ثم تزوجها فعن عنها - فلها المطالبة ; لأنه إذا جاز عن امرأة دون أخرى ففي نكاح دون آخر أولى ; لأنها قد تطرأ به ، وعلى الثاني : لا يصح ، بل متى وطئ امرأة زالت عنته أبدا .

( وإن ادعى أنه وطئها ، وقالت : إنها عذراء ، فشهد بذلك امرأة ثقة ، فالقول قولها ) ; لأن بكارتها أكذبت الزوج ; إذ الوطء مع بقاء البكارة متعذر ، ويقبل في بقاء عذرتها امرأة ثقة كالرضاع ، وعنه : ثقتان ، ويؤجل ، فإن ادعى أن عذرتها عادت بعد الوطء قبل قولها ; لأن هذا بعيد جدا ، وإن كان متصورا ، والأصح أنها تستحلف ( وإلا فالقول قوله ) أي : إذا لم يشهد لها أحد ; لأن الأصل السلامة وعدم العيب ، وكذا إذا ادعت أن عذرتها زالت بسبب آخر ; لأن الأصل عدمه ( وإن كانت ثيبا ، فالقول قوله ) مع يمينه إن ادعاه ابتداء ، وإن ادعاه بعد ثبوت عنته وتأجيله قبل قولها ; لأن هذا يتعذر إقامة البينة عليه ; ولأنه يدعي سلامة العقد وسلامة نفسه من العيوب ، والأصل السلامة ، فإن نكل قضي عليه بالنكول ، قال القاضي : ويتخرج أن لا يستحلف ( وعنه : القول قولها ) نقلها [ ص: 105 ] ابن منصور ، وحكاه القاضي في " المجرد " ; لأن الأصل عدم الإصابة ، فكان القول قولها مع يمينها ( وقال الخرقي : يخلى معها في بيت ، ويقال له : أخرج ماءك على شيء ، فإن ادعت أنه ليس بمني ، جعل على النار ، فإن ذاب فهو مني ، وبطل قولها ) نقله عن أحمد مهنا ، وأبو داود ، وأبو الحارث ، واختاره القاضي وأصحابه ; إذ بذلك يظهر صدقه أو صدقها ; إذ الغالب أن العنين لا ينزل ، فمع الإنزال يغلب على الظن كذبها ، فيكون القول قوله مع يمينه ، ومع عدم الإنزال يظهر صدقها ، فيكون القول قولها ، ومع الإنزال إذا أنكرت أنه يختبر ، فيجعل على النار ، فإن ذاب فهو مني ; لأن ذلك من علاماته ، وإن يبس وتجمع فهو بياض بيض ، فإن ضعف عن إخراجه قبل قولها ; لأن الظاهر معها ، وذكر أبو بكر أنه يزوج امرأة لها دين وحظ من جمال ، فإن ذكرت أنه قربها كذبت الأولى ، وخيرت الثانية بين المقام معه أو فراقه ، ويكون صداقها في بيت المال ، وإن ذكرت أنه لا يقربها فرق بينه وبين الزوجتين ، ومهراهما في ماله ، واعتمد على ما روي أن امرأة جاءت إلى سمرة ، فشكت إليه أنه لا يصل إليها زوجها ، أنه كتب إلى معاوية فأمره بمثل ذلك .

فرع : إذا ادعت زوجة مجنون عنته ، ضربت له مدة عند ابن عقيل ، وهل يبطل بحدوثه فلا يفسخ الولي ؛ فيه خلاف .

أ

التالي السابق


الخدمات العلمية