صفحة جزء
[ ص: 117 ] فصل

وإذا أسلم الزوجان معا ، أو أسلم زوج الكتابية ، فهما على نكاحهما ، وإن أسلمت الكتابية أو أحد الزوجين - غير الكتابيين - قبل الدخول يفسخ النكاح ، فإن كانت هي المسلمة ، فلا مهر لها ، وإن أسلم قبلها ، فلها نصف المهر ، وعنه : لا مهر لها . وإن قالت : أسلمت قبلي ، وأنكرها ، فالقول قولها ، وإن قال : أسلمنا معا فنحن على النكاح ، فأنكرته ، فعلى وجهين ، وإن أسلم أحدهما بعد الدخول ، وقف الأمر على انقضاء العدة ، فإن أسلم الثاني قبل انقضائها ، فهما على نكاحهما ، وإلا تبينا أن الفرقة وقعت حين أسلم الأول ، فعلى هذا لو وطئها في عدتها ، ولم يسلم ، فعليه المهر ، وإن أسلم ، فلا شيء لها ، وإذا أسلمت قبله ، فلها نفقة العدة ، وإن كان هو المسلم ، فلا نفقة لها ، فإن اختلفا في السابق منهما ، فالقول قولها في أحد الوجهين ، وعنه : أن الفرقة تتعجل بإسلام أحدهما كما قبل الدخول ، وأما الصداق فواجب بكل حال .


فصل

( وإذا أسلم الزوجان معا ) بأن تلفظا بالإسلام دفعة واحدة ، فهما على نكاحهما إجماعا ; لأن اختلاف الدين مفسد للنكاح بمجرد سبق أحدهما ، وقيل : يقف على المجلس بدليل القبض ; لأن اتفاقهما على النطق بكلمة الإسلام معا متعذر ، فلو اعتبر ذلك لوقعت الفرقة بين كل مسلمين إلا في الشاذ النادر ( أو أسلم زوج الكتابية ) سواء كان كتابيا أو غير كتابي - قبل الدخول أو بعده ( فهما على نكاحهما ) ; لأن نكاح الكتابية يجوز ابتداؤه ، فالاستمرار أولى ( وإن أسلمت الكتابية أو أحد الزوجين غير الكتابيين ) كالوثنيين والمجوسيين ( قبل الدخول - يفسخ النكاح ) ; لقوله تعالى : لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر [ الممتحنة : 10 ] إذ لا يجوز لكافر نكاح مسلمة ، قال ابن المنذر : أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم ; ولأن دينها اختلف ، فلم يجز استمراره كابتدائه ، وتعجلت الفرقة ، وكان ذلك فسخا لا طلاقا كالردة ( فإن كانت هي المسلمة فلا مهر لها ) رجحه في الشرح ، وقدمه في " الفروع " ; لأن الفرقة من جهتها ، أشبه ما لو ارتدت ، وعنه : لها نصفه ، اختاره أبو بكر ; لأن الفرقة حصلت منه بامتناعه من الإسلام ، وهي فعلت الواجب عليها ، كما لو علق طلاقها على الصلاة فصلت ، وفرق المؤلف بينهما من حيث إن التعليق من جهة الزوج بخلاف الإسلام ، فإنه لا أثر له فيه البتة ، وعنه : إن سبقها ، اختاره الأكثر ( وإن أسلم قبلها ، فلها [ ص: 118 ] نصف المهر ) على المذهب ; لأن الفرقة حصلت من جهته ، أشبه ما لو طلقها ( وعنه : لا مهر لها ) ; لأن الفرقة حصلت بتأخرها عن الإسلام ، فكان من جهتها ; ولأن في إيجاب المهر عليه تنفيرا له عن الإسلام ; لأنه يجتمع عليه فسخ النكاح مع وجوب المهر .

( وإن قالت : أسلمت قبلي ، وأنكرها ، فالقول قولها ) ; لأنها تدعي استحقاق شيء أوجبه العقد ، وهو يدعي سقوطه ، فلم يقبل قوله ; لأن الأصل عدمه ، وهذا تفريع على أنها تستحق نصف المهر إذا سبقها بالإسلام ، وأما على الأخرى فلا ( وإن قال : أسلمنا معا فنحن على النكاح ، فأنكرته ، فعلى وجهين ) كذا أطلقهما في " المحرر " و " الفروع " أحدهما ، وجزم به في " الوجيز " أنه يقبل قوله ; لأن الأصل بقاء النكاح ، والثاني : يقبل قولها ; لأن الظاهر معها ، إذ يبعد اتفاق الإسلام منهما دفعة واحدة ، وإن قيل : العبرة بالمجلس ، فينبغي أن يقبل قوله ; لأن العمل بالظاهر متعين .

فرع : إذا قالا : سبق أحدنا ولا نعلم عينه ، فلها نصف المهر ، قاله أبو الخطاب ، وقدمه في " الفروع " ، وقال القاضي : إن لم تكن قبضت فلا شيء لها ; لأنها تشك في استحقاقه ، وإن كان بعد القبض لم يرجع عليها ; لأنه يشك في استحقاق الرجوع .

( وإن أسلم أحدهما بعد الدخول وقف الأمر على انقضاء العدة ، فإن أسلم الثاني قبل انقضائها فهما على نكاحهما ) هذا هو المشهور ، قال أبو بكر : رواه [ ص: 119 ] عنه خمسين رجلا ، واختاره عامة الأصحاب ، لما روى ابن شبرمة قال : كان الناس على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبله ، فأيهما أسلم قبل انقضاء العدة فهي امرأته ، وإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما وروي أن بنت الوليد بن المغيرة كانت تحت صفوان بن أمية ، فأسلمت ، ثم أسلم صفوان ، فلم يفرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما قال ابن شهاب : وكان بينهما نحو من شهر ، رواه مالك .

قال ابن عبد البر : وشهرة هذا الحديث أقوى من إسناده ، وقال ابن شهاب : وأسلمت أم حكيم ، وهرب زوجها عكرمة إلى اليمن ، فارتحلت إليه ، ودعته إلى الإسلام ، فأسلم ، وقدم فبايع النبي - صلى الله عليه وسلم - فبقيا على نكاحهما قال الزهري : ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت وزوجها مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها ، إلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها ، روى ذلك مالك .

( وإلا ) أي : وإن لم يسلم الثاني قبل انقضائها ( تبينا أن الفرقة وقعت حين أسلم الأول ) ; لأن سبب الفرقة اختلاف الدين ، فوجب أن تحتسب الفرقة منه كالطلاق ( فعلى هذا لو وطئها في عدتها ولم يسلم ، فعليه المهر ) ; لأنه تبينا أنه وطئ في غير ملك ، ويؤدب ( وإن أسلم ، فلا شيء لها ) ; لأنه وطئها في نكاحه ( وإذا أسلمت قبله ، فلها نفقة العدة ) ; لأنها محبوسة بسببه ، فكان لها النفقة ; لكونه يتمكن من استمتاعها كالرجعية ، وسواء أسلم في عدتها أو لا ( وإن كان هو المسلم ، فلا نفقة لها ) ; لأنه لا سبيل إلى تلافي نكاحها ، أشبهت البائن ( فإن اختلفا في السابق منهما ، فالقول قولها في أحد الوجهين ) جزم به في " الوجيز " ، وقدمه في " المحرر " ، [ ص: 120 ] و " الفروع " ; لأن الأصل وجوب النفقة وهو يدعي سقوطها .

والثاني : يقبل قوله ; لأن النفقة إنما تجب بالتمكين من الاستمتاع ، والأصل عدمه ، فإن قال : أسلمت بعد شهرين من إسلامي ، فلا نفقة لك فيهما ، وقالت : بعد شهر - فالقول قوله ، فأما إن ادعى هو ما يفسخ النكاح وأنكرته ، انفسخ .

فرع : لو لاعن ، ثم أسلم - صح لعانه ، وإلا فسد ، ففي الحد إذن وجهان ، وفي " الترغيب " : لهما فيمن ظن صحة نكاح فلاعن ثم بان فساده .

( وعنه : أن الفرقة تتعجل بإسلام أحدهما كما قبل الدخول ) اختارها الخلال ، وصاحبه ، وقدمها السامري ، وابن حمدان ، ونصرها ابن المنذر ; لقوله تعالى : فإن علمتموهن مؤمنات [ الممتحنة : 10 ] الآية ، وهي تدل من وجه عموم لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ، وآتوهم ما أنفقوا [ الممتحنة : 10 ] فأمر برد المهر ، ولو لم تقع الفرقة باختلاف الدين لما أمر برد المهر ، وقوله تعالى : ولا جناح عليكم أن تنكحوهن [ الممتحنة : 10 ] وأباح نكاحهن على الإطلاق ، وقوله : ولا تمسكوا بعصم الكوافر [ الممتحنة : 10 ] يكون منسوخا بهذه الآية ، والجواب بأن المراد في حال كفرهم ; بدليل قوله : فلا ترجعوهن إلى الكفار [ الممتحنة : 10 ] وبأنه يجب دفع المهر إلى الزوج إذا جاء وإن كان قبل انقضاء عدتها ، ثم نسخ وجوب دفع المهر إليه ، وبأنه محمول على ما بعد العدة .

والثالثة : الوقف بإسلام الكتابية والانفساخ بغيرها .

والرابعة : الوقف مطلقا ، وظاهره : أن الفرقة حيث تقع تقع في الحال [ ص: 121 ] ولا يحتاج إلى حاكم ، ولا إلى عرض الزوج على الإسلام ، ولا فرق بين دار الإسلام ، وغيرها نص عليه ; لأن أبا سفيان أسلم بمر الظهران ، ثم أسلمت امرأته بمكة ، فأقرهما النبي - صلى الله عليه وسلم - على نكاحهما ; ولأنه عقد معاوضة ، فلم ينفسخ باختلاف الدار كالبيع .

تنبيه : إذا أسلم أحدهما وتخلف الآخر حتى العدة - انفسخ النكاح في قول عامتهم ، وعن أحمد : ترد إلى زوجها وإن طالت المدة ، وهو قول النخعي ; لما روى ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد زينب على زوجها أبي العاص بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول ، ولم يحدث نكاحا رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ولفظه له ، وقال : ليس بإسناده بأس ، وصححه أحمد .

وجوابه بأنه يحتمل أن يكون قبل نزول تحريم المسلمات على الكفار ، أو تكون حاملا استمر حملها ، أو مريضة لم تحض ثلاث حيض حتى أسلم زوجها ، أو تكون ردت إليه بنكاح جديد ، رواه أحمد والترمذي عن الحجاج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد ابنته على أبي العاص بنكاح جديد ، ومهر جديد قال أحمد : هذا ضعيف ، وقال الدارقطني : لا يثبت ، وقال يزيد بن هارون : حديث ابن عباس أجود إسنادا ، والعمل على حديث عمرو بن شعيب ، واختار الشيخ تقي الدين أنها إذا أسلمت قبله بقاء نكاحه قبل الدخول وبعده ، ما لم تنكح من غيره ، والأمر إليها ، ولا حكم له عليها ، ولا حق عليه ; لأن الشارع لم يستفصل وهو مصلحة محضة ، وكذا عبده إن أسلم قبلها ، وليس له حبسها ، وأنها متى أسلمت ولو قبل الدخول وبعد العدة ، فهي امرأته إن اختار .

[ ص: 122 ] ( وأما الصداق فواجب ) بعد الدخول ( بكل حال ) يعني : إذا وقعت الفرقة بإسلام أحدهما بعد الدخول يجب لها المهر ; لأنه استقر بالدخول ، فإن كان صحيحا أو فاسدا قبضته استقر ، وإن كان فاسدا لم تقبضه ، أو لم يسم لها شيء ، فلها مهر المثل .

التالي السابق


الخدمات العلمية