صفحة جزء
فصل

ويشترط أن يكون معلوما كالثمن ، وإن أصدقها دارا غير معينة أو دابة - لم يصح ، وإن أصدقها عبدا مطلقا لم يصح ، وقال القاضي : يصح ، ولها الوسط ، وهو السندي ، وإن أصدقها عبدا من عبيده لم يصح ، ذكره أبو بكر ، وروي عن أحمد أنه يصح ، ولها أحدهم بالقرعة ، وكذلك يخرج إذا أصدقها دابة من دوابه ، أو قميصا من قمصانه ، ونحوه ، وإن أصدقها عبدا موصوفا ، صح ، وإن جاءها بقيمته ، أو أصدقها عبدا وسطا ، وجاءها بقيمته ، أو خالعته على ذلك فجاءته بقيمته - لم يلزمها قبوله ، وقال القاضي : يلزمها ذلك ، وإن أصدقها طلاق امرأة له أخرى لم يصح ، وعنه : يصح ، فإن فات طلاقها بموتها ، فلها مهرها في قياس المذهب ، وإن تزوجها على ألف إن كان أبوها حيا ، وألفين إن كان أبوها ميتا - لم تصح ، نص عليه ، وإن تزوجها على ألف إن لم يكن له زوجة ، وألفين إن كان له زوجة لم يصح في قياس التي قبلها ، والمنصوص : أنه يصح وإذا قال العبد لسيدته : أعتقيني على أن أتزوجك ، فأعتقته على ذلك - عتق ، ولم يلزمه شيء ، وإذا فرض الصداق مؤجلا ، ولم يذكر محل الأجل - صح في ظاهر كلامه ، ومحله الفرقة عند أصحابنا ، وعند أبي الخطاب : لا تصح .


فصل

( ويشترط أن يكون معلوما كالثمن ) ; لأن الصداق عوض في عقد معاوضة ، فاشترط كونه معلوما كالعوض في البيع ; لأن غير المعلوم مجهول ، لا يصلح عوضا في البيع ، فلم تصح تسميته كالمحرم ، لكن لا يضر جهل يسير ، وغرر يرجى زواله في الأصح ( وإن أصدقها دارا غير معينة أو دابة - لم يصح ) ; لأن الصداق يشترط فيه أن يكون معلوما ، وهو معدوم هنا ( وإن أصدقها عبدا مطلقا لم يصح ) ; للجهالة ( وقال القاضي : يصح ) ; لقوله عليه السلام : العلائق ما تراضى عليه الأهلون ; ولأنه موضع ثبت فيه العوض في الذمة بدلا عما ليس المقصود فيه المال ، فثبت مطلقا كالدية ; ولأن جهالة التسمية هذه أقل من جهالة مهر المثل ، وحكى في [ ص: 138 ] " المغني " و " الشرح " عن القاضي : يصح مجهولا ما لم تزد جهالته على جهالة مهر المثل ، كعبد ، وفرس ، من جنس معلوم ، فإن كان دابة أو حيوانا لم يصح ; لأنه لا سبيل إلى معرفة الوسط ( ولها الوسط ، وهو السندي ) بالعراق ; لأن الأعلى التركي ، والأسفل الزنجي ، والوسط السندي والمنصوري ، والأول أصح ، والخبر المراد به : ما تراضى عليه الأهلون مما يصلح عوضا بدليل سائر ما لا يصلح ، والدية ثبتت بالشرع لا بالعقل ، وهي خارجة عن القياس في تقديرها ، ومن وجبت عليه فلا ينبغي أن تجعل أصلا ، ثم الحيوان الثابت فيها موصوف مقدر بقيمته ، فكيف يقاس عليه العبد المطلق ، وأما كون جهالة المطلق أقل من جهالة قدر مهر المثل فممنوع ; لأن العادة في القبائل يكون لنسائهم مهر ، لا يكاد يختلف إلا بالثيوبة والبكارة ، فيكون إذا معلوما .

( وإن أصدقها عبدا من عبيده لم يصح ، ذكره أبو بكر ) ; لأنه مجهول ، كما لو باع عبدا من عبيده ، أو دابة ، أو ثوبا ( وروي عن أحمد أنه يصح ) اختاره أبو الخطاب ، وجزم به في " الوجيز " كموصوف ، وكما لو عين ثم نسي ، وهذا مما لا نظير له يقاس عليه ، وتأول أبو بكر نص أحمد على أنه تزوجها على عبد معين ثم أشكل عليه ، وفيه نظر ، فعلى هذا يعطي من عبيده وسطهم ، وهو رواية ( و ) الأشهر : أن ( لها أحدهم بالقرعة ) نقله مهنا ; لأنه إذا صح أن يكون صداقا استحقت واحدا غير معين ، فشرعت القرعة مميزة ، كما لو أعتق أحد عبده ، وقيل : يعطيها ما اختاره ، وقيل : ما اختارت ، ذكرهما ابن عقيل ( وكذلك يخرج إذا أصدقها دابة من دوابه ، أو قميصا من قمصانه ، ونحوه ) ; لأنه في معنى ما سبق ( وإن أصدقها عبدا [ ص: 139 ] موصوفا صح ) ; لأنه يجوز أن يكون عوضا في البيع ، والصفة تنزله منزلة المعين ، فجاز أن يكون صداقا ( وإن جاءها بقيمته ، أو أصدقها عبدا وسطا ، وجاءها بقيمته ، أو خالعته على ذلك فجاءته بقيمته - لم يلزمها قبوله ) في الأشهر ، واختاره أبو الخطاب ( وقال القاضي : يلزمها ذلك ) قياسا على الإبل في الدية ، وجوابه : بأنها استحقت عليه عبدا بعقد معاوضة ، فلم يلزمها أخذ قيمته كالمسلم فيه ، وكما لو كان معينا ، والأثمان أصل في الدية كالإبل ، فيلزم الولي القبول لا على طريق القيمة ; ولأن الدية خارجة عن القياس ، ثم قياس العوض على سائر الأعواض أولى من قياسه عقود المعاوضة ، ثم ينتقض بالعبد المعين .

فرع : إذا تزوجها على أن يعتق أباها ، صح ، نص عليه ، فإن طلبت به أكثر من قيمته أو تعذر عليه ، فلها قيمته ( وإن أصدقها طلاق امرأة له أخرى لم يصح ) قدمه في " المحرر " و " الفروع " ، وهو ظاهر المذهب ، وقول أكثر الفقهاء ; لقوله تعالى أن تبتغوا بأموالكم [ النساء : 24 ] وقوله عليه السلام : لا تسأل المرأة طلاق أختها ; ولأن هذا لا يصح ثمنا في بيع ، ولا أجرا في إجارة ، فلم يصح صداقا ، كالمنافع المحرمة ، فعلى هذا لها مهر المثل أو نصفه قبل الدخول ، أو المتعة ، عند من يوجبها في التسمية الفاسدة ( وعنه : يصح ) جزم به في الوجيز ; لأن لها فائدة ونفعا لما يحصل لها في الراحة بطلاقها ، من مقاسمتها ، والغيرة منها ، فصح جعله صداقا ، كخياطة ثوبها ، وعتق أمتها ( فإن فات طلاقها بموتها ، فلها مهرها ) أي مهر الضرة ( في قياس المذهب ) ; لأنه سمى لها صداقا لم يصل إليها [ ص: 140 ] فكان لها قيمته ، كما لو أصدقها عبدا فخرج حرا ، وقيل : يستحق مهر مثلها ; لأن الطلاق لا قيمة له ، ولا مثل له ، وكذا جعله إليها إلى سنة ، وهل يسقط حقها من المهر ؛ فيه وجهان ، فإن قلنا : لا يسقط ، فهل ترجع إلى مهر مثلها أو إلى مهر الأخرى ؛ فيه وجهان .

( وإن تزوجها على ألف إن كان أبوها حيا ، وألفين إن كان أبوها ميتا - لم تصح ) التسمية ( نص عليه ) في رواية مهنا ; لأن حال الأب غير معلومة ، فيكون مجهولا ; ولأنه في معنى بيعتين في بيعة ، وحينئذ لها صداق نسائها ، وعنه : يصح ; لأن الألف معلومة ، وإنما جهل الثاني ، وهو ومعلق على شرط ( وإن تزوجها على ألف إن لم يكن له زوجة ، وألفين إن كان له زوجة - لم يصح في قياس التي قبلها ) ; لأنها في معناها ، وكذا إن تزوجها على ألف إن لم يخرجها من دارها ، وعلى ألفين إن أخرجها ( والمنصوص : أنه يصح ) هذه التسمية هنا ، وذكر القاضي : فيهما روايتان ، إحداهما : لا تصح ، اختاره أبو بكر ; لأن سبيله سبيل الشرطين ، فلم تصح كالبيع ، والثانية : تصح ; لأن ألفا معلومة ، وإنما جهلت الثانية وهي معلقة على شرط ، فإن وجد الشرط كان زيادة في الصداق ، والزيادة فيه صحيحة ، والأول أولى ، يعني : القول بالفساد فيهما ، ويجاب عنه بأنه تعليق على شرط لا يصح لوجهين : أحدهما : أن الزيادة لا يصح تعليقها على شرط ، فلو قال : إن مات أبوك فقد زدتك في صداقك ألفا - لم يصح ، ولم تلزم الزيادة عند موت الأب ، والثاني : أن الشرط يتجدد في قوله : إن كان لي زوجة ، أو إن كان أبوك حيا ، [ ص: 141 ] ولا الذي جعل الألف فيه معلوم الوجود لتكون الألف الثانية زيادة عليه ، ويمكن الفرق بين نص أحمد على بطلان التسمية ، ونصه على صحتها - بأن المرأة ليس لها غرض يصح بدل العوض فيه - وهو كون أبيها ميتا - وخلوها عن ضرة من أكبر أغراضها ، وكذلك قرارها في دارها بين أهلها ، وفي وطئها ، فعلى هذا يمتنع قياس إحدى الصورتين على الأخرى ، وما وردت من المسائل ألحق بما يشبهها ، ولا يكون في كل مسألة إلا رواية واحدة .

( وإذا قال العبد لسيدته : أعتقيني على أن أتزوجك ، فأعتقته على ذلك - عتق ) ; لأن سيدته أعتقته ( ولم يلزمه شيء ) ; لأن النكاح يحصل به الملك للزوج ، فلم يلزمه ذلك ، كما لو اشترطت عليه أن تملكه دارا ، وكذا إن قالت لعبدها : أعتقتك على أن تتزوج بي ، لم يلزمه ذلك ، ويعتق ولا يلزمه قيمة نفسه ; لأنها اشترطت عليه شرطا هو حق له ، فلم يلزمه ، كما لو شرطت عليه أن تهبه دينارا ليقبلها ; ولأن النكاح من الرجل لا عوض له ، بخلاف نكاح المرأة ( وإذا فرض الصداق مؤجلا ، ولم يذكر محل الأجل - صح في ظاهر كلامه ) ; لأن لذلك عرفا ، فوجب أن يصح ، ويحمل عليه ، وعلم منه أنه يجوز أن يكون مؤجلا وحالا ، وبعضه كذلك ; لأنه عقد معاوضة ، فجاز فيه ذلك كالثمن ، ومتى أطلق اقتضى الحلول ، كما لو أطلق ذكر الثمن ، وإن شرطه مؤجلا إلى وقت فهو إلى أجله ( ومحله الفرقة عند أصحابنا ) ; لأن المطلق يحمل على العرف ، والعرف ترك المطالبة بالصداق إلى حين الفرقة بموت أو طلاق ، فحمل عليه ، فيصير حينئذ معلوما ( وعند أبي الخطاب : لا تصح ) التسمية ، وهو رواية ، وحينئذ لها مهر المثل كثمن المبيع ، وعلى الأول [ ص: 142 ] لو جعل الأجل مدة مجهولة ، كقدوم زيد ، ونحوه - لم يصح ، وقال ابن أبي موسى : يحتمل إذا كان الأجل مجهولا أن يكون حالا ، فإن طلقها قبل الدخول كان لها نصفه - في رواية - وفي أخرى ، منعه ، كما لو تزوجها على محرم كخمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية