صفحة جزء
[ ص: 298 ] كتاب الصلاة

وهي واجبة على كل مسلم بالغ عاقل إلا الحائض والنفساء ، وتجب على النائم ، ومن زال عقله بسكر أو إغماء أو بشرب دواء ، ولا تجب على كافر ولا مجنون ، ولا تصح منهما ، وإذا صلى الكافر حكم بإسلامه ، ولا تجب على صبي ، وعنه : تجب على من بلغ عشرا ، ويؤمر بها لسبع ، ويضرب على تركها لعشر ، فإن بلغ في أثنائها أو بعدها في وقتها ، لزم إعادتها ، ولا يجوز لمن وجبت عليه الصلاة تأخيرها عن وقتها ، إلا لمن ينوي الجمع ، أو لمشتغل بشرطها .


كتاب الصلاة .

وهي في اللغة الدعاء
لقوله تعالى وصل عليهم [ التوبة 103 ] أي : ادع لهم ، وإنما عدي بـ " على " لتضمنه معنى الإنزال ، أي : أنزل رحمتك عليهم ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن كان مفطرا فليطعم ، وإن كان صائما فليصل .

وقال الشاعر :


تقول بنتي وقد قربت مرتحلا يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا     عليك مثل الذي صليت فاغتمضي
نوما فإن لجنب المرء مضطجعا

وفي الشرع : عبارة عن أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم ، فلا يرد عليه صلاة الأخرس ، لأن الأقوال فيها مقدرة ، والمقدر كالوجود ، وسميت صلاة لاشتمالها على الدعاء ، وقيل : لأنها ثانية لشهادة التوحيد ، كالمصلي في السابق من الخيل .

واشتقاقها من الصلوين ، واحدهما صلى كعصا ، وهما عرقان من جانب الذنب ، وقيل : عظمان ينحنيان في الركوع ، والسجود ، وقال ابن فارس : من صليت العود إذا لينته ، لأن المصلي يلين ويخشع ، ورده النووي بأن لام الكلمة في الصلاة واو ، وفي صليت ياء .

[ ص: 299 ] وجوابه أن الواو وقعت رابعة فقلبت ياء ، ولعله ظن أن مراده صليت المخفف فتقول : صليت اللحم صليا إذا شويته ، وإنما أراد ابن فارس المضعف ، وقال ابن الأعرابي : صليت العصى تصلية ، أدرته على النار لتقومه .

( وهي واجبة ) بالكتاب لقوله تعالى إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا [ النساء : 103 ] ، وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة [ البينة : 5 ] .

وبالسنة ، منها قوله عليه السلام : بني الإسلام على خمس ، شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا متفق عليه من حديث ابن عمر .

وبالإجماع ، لأنهم أجمعوا على وجوب الخمس في اليوم والليلة ، قال نافع بن الأزرق لابن عباس : هل تجد الصلوات الخمس في القرآن ؛ قال : نعم ، ثم قرأ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون [ الروم 17 : 18 ] وفرضت ليلة الإسراء ، وهو بعد مبعثه بخمس سنين ، وقيل : قبل الهجرة بسنة ، وقيل : بعد مبعثه بخمسة عشر شهرا ( على كل مسلم بالغ عاقل ) أي : مكلف بغير خلاف ( إلا الحائض والنفساء ) فلا تجب عليهما لما مر .

( وتجب على النائم ) أي : يجب عليه قضاؤها إذا استيقظ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 300 ] من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها رواه مسلم من حديث أبي هريرة ، ولو لم تجب عليه حال نومه لم يجب قضاؤها ، كالمجنون ، ويلحق به الساهي ، والجاهل ، فلو تركها الجاهل قبل بلوغ الشرع بوجوبها لزمه قضاؤها ، وقيل : لا ، ذكره القاضي ، واختاره الشيخ تقي الدين ، بناء على أن الشرائع لا تلزم إلا بعد العلم ، وأجرى ذلك الشيخ تقي الدين في كل من ترك واجبا قبل بلوغ الشرع من تيمم ، وزكاة ، ونحوهما ( و ) تجب على ( من زال عقله بسكر ) لأن سكره معصية ، فلا يناسب إسقاط الواجب عنه ولأنه إذا وجب بالنوم المباح ، فبالمحرم بطريق الأولى ، وقيل : يسقط إذا كان مكرها ( أو إغماء ) لما روي أن عمارا غشي عليه ثلاثا ، ثم أفاق فقال : هل صليت ؛ قالوا : ما صليت منذ ثلاث ، ثم توضأ ، وصلى تلك الثلاث ، وعن عمران بن حصين ، وسمرة بن جندب نحوه ، ولم يعرف لهم مخالف ، فكان كالإجماع ، ولأنه لا تطول مدته غالبا ، ولا تثبت عليه الولاية ، ويجوز على الأنبياء ، ولأنه لا يسقط الصوم فكذا الصلاة ، كالنائم ، وقيل : تسقط عنه ولا يقضيها ، روي عن ابن عمر ، وطاوس وغيرهما ( أو بشرب دواء ) وظاهره لا فرق بين أن يكون مباحا أو محرما ، وقيل : إن كان مباحا فلا كالحيوان ، وفي " المغني " و " الشرح " إن طال زواله بشرب المباح لم يجب القضاء كالجنون ، وإن لم يطل وجب كالإغماء .

فرع : ما فيه السموم من الأدوية إذا كان الغالب فيه السلامة ، وفي " المغني " و " الشرح " ويرجى نفعه أبيح شربه في الأصح ، لدفع ما هو أخطر منه ، كغيره من الأدوية ، والثاني : يحرم ، لأن فيه تعريضا للهلاك ، أشبه ما لو لم يرد [ ص: 301 ] به التداوي ، وكما لو كان الغالب منه الهلاك ، فإن قلنا : يحرم شربه فهو كالمحرمات من الخمر ، ونحوه ، وإن قلنا بإباحته فهو كالمباحات .

( ولا تجب على كافر ) أصلي حكاه السامري ، وغيره رواية واحدة ، لأنها لو وجبت عليه حال كفره لوجب عليه قضاؤها ، ولأن وجوب الأداء يقتضي وجوب القضاء واللازم منتف ، وعنه : بلى ، وصححها في " الرعاية " ولا يجب عليه القضاء إذا أسلم إجماعا ، لأنه أسلم خلق كثير في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده ، فلم يؤمر أحد بقضاء لما فيه من التنفير عن الإسلام ، وفي خطابه بالفروع خلاف ، وأما المرتد فسيأتي ( ولا مجنون ) لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : رفع القلم عن ثلاث ، عن النائم حتى يستيقظ ، وعن المجنون حتى يعقل ، وعن الصبي حتى يحتلم رواه أبو داود ، والترمذي ، وحسنه من حديث عائشة ، ولأنه ليس من أهل التكليف أشبه الطفل ، ونقل حنبل : يعيد إذا أفاق ، ذكره أبو بكر ، فعلى الأولى يستثنى ما لو طرأ الجنون على الردة ، فإنه يجب عليه قضاء أيام الجنون الواقعة في الردة ، لأن إسقاط القضاء عن المجنون رخصة ، والمرتد ليس من أهلها ، وقيل : لا يجب كالحيض ( ولا تصح منهما ) لأن من شرط صحتها النية ، وهي لا تصح من كافر ، ولا تقع من مجنون .

مسألة : لا تجب على الأبله الذي لا يعقل ذكره السامري ، كالمجنون ، وفي " الرعاية " يقضي مع قوله في الصوم : الأبله كالمجنون .

يقال : رجل أبله بين البلاهة ، وهو الذي غلبت عليه سلامة الصدر ، وفي الحديث [ ص: 302 ] أكثر أهل الجنة البله يعني البله في أمر الدنيا لقلة اهتمامهم بها ، وهم أكياس في أمر الآخرة ، وتباله : أرى من نفسه ذلك ، وليس به .

( وإذا صلى الكافر ) على اختلاف أنواعه ( حكم بإسلامه ) نص عليه لقوله عليه السلام : من صلى صلاتنا ، واستقبل قبلتنا ، فله ما لنا ، وعليه ما علينا لكن في البخاري من حديث أنس موقوفا في قوله حين سأله ميمون بن سياه فقال : من شهد أن لا إله إلا الله ، واستقبل قبلتنا ، وصلى صلاتنا ، وأكل ذبيحتنا فهو المسلم ، له ما للمسلم ، وعليه ما على المسلم .

وروى أبو داود من حديث أبي هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نهيت عن قتل المصلين وظاهره أن العصمة تثبت بالصلاة ، وهي لا تكون بدون الإسلام ، ولأنها عبادة تختص شرعنا ، أشبهت الأذان ، ولا يعتد به ، ويحكم بكفر من سجد لصنم ، فكذا عكسه ، وفائدته لو مات عقيبه ، ورثه المسلمون ، ودفن في مقابرهم ، ولو أراد البقاء على الكفر ، فهو مرتد ، فلو ادعى أنه كان متلاعبا أو مستهزئا لم يقبل منه ، ذكره في " عيون المسائل " ، و " منتهى الغاية " ، وغيرهما كالشهادتين ، ولا فرق بين أن تكون صلاته في دار الإسلام أو الحرب جماعة أو فرادى ، وذكر أبو محمد التميمي : أنه محكوم بإسلامه إن صلى جماعة ، وفي صحة صلاته في الظاهر وجهان ، فإن صحت لم تصح إمامته في المنصوص ، وفي حجه وصومه قاصدا رمضان ، وزكاته ماله ، وقيل : وبقية الشرائع ، والأقوال المختصة بنا كجنازة ، وسجدة تلاوة وجهان .

[ ص: 303 ] ( ولا تجب على صبي ) في ظاهر المذهب للخبر ، ولأنها عبادة بدنية ، فلم يلزمه كالحج ، والطفل لا يعقل ، والمدة التي يكمل فيها عقله وبنيته تخفى وتختلف ، فنصب الشارع عليه علامة ظاهرة ، وهي البلوغ ، فعلى هذا تصح من المميز ، وهو من له سبع سنين ، وثواب فعله له ، ويشترط لصحتها ما يشترط لصحة صلاة البالغ إلا في السترة ، ذكره في " الشرح " وهو شامل لغة للصبية ، كما ذكره ابن حزم ( وعنه : تجب على من بلغ عشرا ) لضربه عليها ، وعنه : تجب على المراهق ، اختاره أبو الحسن التميمي ، وعليهما يلزمه إتمامها ، وإلا فالخلاف في النقل ( و ) على الأولى ( يؤمر بها لسبع ، ويضرب على تركها لعشر ) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : مروا أبناءكم بالصلاة ، وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم بالمضاجع . رواه أحمد ، وأبو داود من رواية سوار بن داود ، وقد وثقه ابن معين ، وغيره ، والمراد بهما استكمالهما ، والأمر والتأديب في حقه لتمرينه عليها حتى يألفها ، ويعتادها ، فلا يتركها عند البلوغ ، فيلزم الولي أمره بها ، وتعليمه إياها ، والطهارة ، نص عليه . وقوله : يؤمر بها أي : من جهة الولي لا من جهة الشارع ، فإن النص يتضمن أمر الشارع للولي ، وهو مأمور بأمره ، فإن احتاج إلى أجرة ، فمن مال الصبي ، ثم على من تلزمه نفقته ( فإن بلغ في أثنائها ) كمن تمت مدة بلوغه ، وهو فيها ، وسمي بلوغا لبلوغه حد التكليف ( أو بعدها في وقتها لزمه إعادتها ) لأنها نافلة في حقه ، فلم تجزئه ، كما لو نواها نفلا ، وكما يلزمه إعادة الحج إلا على رواية الوجوب ذكره في " التلخيص " و " البلغة " ، وقدم جماعة وجوب الإعادة مطلقا ، وظاهره أنه لا يلزمه إعادة الطهارة ، لأن [ ص: 304 ] القصد غيرها ، قال في " الفروع " : وكذا إسلام ، لأن أصل الدين لا يصح نفلا ، فإذا وجد فعلى وجه الوجوب ، ولأنه يصح بفعل غيره ، وهو الأب .

( ولا يجوز لمن وجبت عليه الصلاة تأخيرها ) أو بعضها ( عن وقتها ) أي : وقت الجواز مع القدرة والذكر إجماعا ، لما روى أبو قتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ليس في النوم تفريط ، إنما التفريط في اليقظة ، أن نؤخر الصلاة إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى رواه مسلم ، ولأنه يجب إيقاعها في الوقت ، فإذا خرج ولم يأت بها كان تاركا للواجب مخالفا للأمر ، وهو عاص مستحق العقاب ، ولأنه لو عذر بالتأخير لفاتت فائدة التأقيت ، واستثنى من ذلك صورتين الأولى ( إلا لمن ينوي الجمع ) لعذر فإنه يجوز له التأخير ، لأنه عليه السلام كان يؤخر الأولى في الجمع ، ويصليها في وقت الثانية ، وسيأتي ، ولأن وقتيهما يصير وقتا واحدا لهما ، ومقتضاه لا يحتاج إلى استثنائه ، وجوابه أن كل صلاة لها وقت معلوم فيتبادر الذهن إليه ، والثانية ( أو لمشتغل بشرطها ) كذا في " الوجيز " و " الحاوي " ، واقتصر الأكثر على الأول : لأن الصلاة لا تصح بدونه إذا قدر عليه ، وشرطه : أن يكون مقدورا عليه قاله في " الشرح " وقيده في " الفروع " بالقريب ، لكن قال الشيخ تقي الدين : ليس مذهبا لأحمد وأصحابه ، وإن الوقت يقدم ، واختار تقديم الشرط إن انتبه قبل طلوعها ، ومن صحت صلاته مع الكراهة كالحاقن لا يجوز أن يشتغل بالطهارة إن خرج الوقت ، ومن أبيح له التأخير فمات قبل الفعل ، لم يأثم في الأصح ، ويسقط إذن بموته ، قال القاضي : لأنه لا يدخلها النيابة ، فلا فائدة في بقائها في ذمته ، بخلاف الزكاة والحج ، ومقتضاه أن له التأخير عن أول وقتها بشرط العزم على فعلها ، ما لم يظن مانعا منها ، كموت وقتل ، وحيض ، [ ص: 305 ] وكذا من أعير سترة أول الوقت ، ومتوضئ عدم الماء في السفر ، وطهارته لا تبقى إلى آخر الوقت ، ولا يرجو وجوده ، ومستحاضة لها عادة بانقطاع دمها في وقت يتسع لفعلها فيتعين الفعل في أول الوقت ، ويأثم من عزم على الترك إجماعا ، ومتى فعلت في وقتها فهي أداء .

التالي السابق


الخدمات العلمية