صفحة جزء
[ ص: 179 ] باب الوليمة

وهي اسم لدعوة العرس خاصة ، وهي مستحبة ، والإجابة إليها واجبة ، إذا عينه الداعي المسلم في اليوم الأول ، فإن دعى الجفلى كقوله : يا أيها الناس تعالوا إلى الطعام ، أو دعاه فيما بعد اليوم الأول ، أو دعاه ذمي ، لم تجب الإجابة ، وسائر الدعوات والإجابة إليها مستحبة غير واجبة .


باب الوليمة

قال في " المستوعب " : وليمة الشيء كماله وجمعه ، وسميت دعوة العرس وليمة ; لاجتماع الزوجين ، يقال : أولم ، إذا صنع وليمة .

( وهي اسم لدعوة العرس خاصة ) لا تقع على غيره ، حكاه ابن عبد البر عن ثعلب وغيره من أئمة اللغة ، وقال بعض أصحابنا : تقع على كل طعام لسرور حادث ، إلا أن استعمالها في طعام العرس أكثر ، وقول أهل اللغة أقوى; لأنهم أهل الشأن ، وهم أعرف بموضوعات اللغة ، وأعلم بلسان العرب .

والأطعمة التي يدعى إليها الناس عشرة : الأولى : وليمة العرس ، والثانية : عذرة وإعذار للختان ، والثالثة : خرسة وخرس للولادة ، والرابعة : وكيرة لدعوة البناء ، والخامسة : نقيعة لقدوم الغائب ، والسادسة : عقيقة الذبح لأجل الولد ، والسابعة : حذاق لأجل حذاق الصبي ، والثامنة : مأدبة وهي كل دعوة بسبب كانت أو غيره ، ذكر ذلك في " المغني " وغيره : والتاسعة : وضيمة وهي طعام المأتم ، نقله الجوهري عن الفراء ، والعاشرة : تحفة لقدوم الغائب ، ذكره أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي ، وشدخية : لطعام إملاك على زوجة ، وشداخ : لمأكول في ختمة القارئ .

( وهي مستحبة ) بالعقد قاله ابن الجوزي ، ولا خلاف بين أهل العلم في أن وليمة العرس سنة مشروعة; لأنه عليه السلام أمر بها وفعلها ، قال لعبد [ ص: 180 ] الرحمن بن عوف : تزوجت ؛ قال : نعم ، قال : أولم متفق عليه ، فعلى هذا يستحب بشاة فأقل ، وعنه : أنها واجبة ، ذكرها ابن عقيل ، وكونها للأمر ، وقال : السنة أن يكثر للبكر ، وجوابه بأنه طعام لسرور حادث ، أشبه سائر الأطعمة ، والخبر محمول على الاستحباب ، وقوله : ولو بشاة للتقليل أي : ولو بشيء قليل كشاة ، فيستفاد منه أن الوليمة جائزة بدونها; لما روى البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أولم على صفية بمدين من شعير ( والإجابة إليها واجبة ) في الأشهر عنه قاله في " الإفصاح " ، وذكر ابن عبد البر أنه لا خلاف فيها إذا لم يكن فيها لهو; لما روى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها متفق عليه ، وقال عليه السلام : شر الطعام طعام الوليمة ، يدعى إليها الأغنياء ويترك لها الفقراء ، ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله رواه البخاري من حديث أبي هريرة وليس المراد به كل طعام الولائم ، فإنه لو أراد ذلك لما أمر بها ولا ندب إليها ، واستحب في " الغنية " إجابة وليمة عرس ، وكره حضور غيرها على الوجه الذي وصفه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل : فرض كفاية; لأنها إكرام وموالاة ، أشبه رد السلام ، وقيل : مستحبة لفعلها ، وعنه : إن دعاه من يثق به فإجابته أفضل ( إذا عينه الداعي المسلم في اليوم الأول ) فيشترط لوجوب الإجابة إليها شروط منها : أن يعين الداعي المدعو بالدعوى ، فلو لم يعينه كقوله : يا أيها الناس أجيبوا إلى الوليمة لم يجب ; لعدم كسر القلب ، ومنها : أن يكون الداعي مسلما ، فلا تجب بدعوى الذمي; لأنها تراد للإكرام والموالاة ، وذلك منتف في حقه ، وعنه : في جواز تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم روايتان ، وكذا يخرج في إجابتهم ، ويشترط فيه ألا يجوز هجره ، فإن جاز كمبتدع ونحوه لم تجب ، ومنع [ ص: 181 ] في " المنهاج " من فاسق ومبتدع ومفاخر بها ، أو فيها مبتدع يتكلم ببدعته إلا لراد عليه ، وكذا مضحك بفحش أو كذب ، وإلا أبيح القليل ، وفي " الترغيب " : إن علم حضور الأراذل ، ومن مجالستهم تزري بمثله لم يجب ، ومنها أن يكون في اليوم الأول ، فإن كان في الثاني لم يجب; لما روى ابن مسعود مرفوعا ، قال : طعام أول يوم حق ، والثاني سنة ، والثالث سمعة ، ومن سمع سمع الله به رواه الترمذي ، وقال : مرفوعا إلا من حديث زياد بن عبد الله ، وهو كثير الغرائب ، وروى له مسلم ، وكذا البخاري مقرونا بغيره ، ويشترط أن يكون مكسبه طيبا في المنصوص ، ومنها أن لا يكون فيها منكرا ، وسيأتي .

( فإن دعى الجفلى كقوله : يا أيها الناس تعالوا إلى الطعام ) أو يقول الرسول أمرت أن أدعو من لقيت أو شئت ، فهذه دعوة عامة لا يخص فيها أحد ( أو دعاه فيما بعد اليوم الأول ) أي : إذا تكرر فعل الوليمة أكثر من يوم جاز; لما روى الخلال بإسناده عن أبي أنه عرس الأنصار ثمانية أيام ، لكن إن كان في الثاني فيستحب ، قاله أحمد ، ويكره في الثالث; لأنه قصد الرياء والسمعة ، وقد روي عن سعيد بن المسيب أنه دعي إلى وليمة مرتين فأجاب ، فلما دعي الثالثة حصب الرسول رواه الخلال ( أو دعاه ذمي لم تجب الإجابة ) ; لأنه لا يأمن اختلاط طعامهم بالحرام والنجاسة ، ودعواه الجفلى وإجابة الذمي قيل بجوازها ، وقيل : يكره ، وقيل له في رواية أبي داود : ويجيب دعوة الذمي ؛ قال : نعم ، قيل : يأكل عند المجوسي ؛ قال : لا بأس ، ما لم يأكل من قدورهم .

( وسائر الدعوات والإجابة إليها مستحبة غير واجبة ) قطع به المؤلف في [ ص: 182 ] كتبه ، واختاره أبو حفص العكبري; لما فيه من إطعام الطعام ، وجبر القلوب; ولأن في فعلها شكرا لنعمة الله تعالى ، وإظهارا لإحسانه ، وظاهر رواية ابن منصور ومثنى : يجب ; لما روى ابن عمر مرفوعا قال : إذا دعا أحدكم أخاه فليجب ، عرسا كان أو غير عرس رواه مسلم وأبو داود وجوابه بحمله على الاستحباب ، مع أن أحمد نص على إباحة بقية الدعوات ، اختاره الأكثر ، ويستثنى منه العقيقة ، فإنها تسن ، وعنه : تكره دعوة الختان; لقول عفان بن أبي العاص : كنا لا نأتي الختان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا ندعى إليه رواه أحمد ، وفيه ضعف ، وكالمأتم ، وظاهر الخرقي : أن الإجابة إلى دعوة الختان مباحة ، ونص عليه أحمد ، وقاله القاضي ، وعامة أصحابه كعملها ، وظاهر كلام الأكثر على استحباب الإجابة مطلقا ، نص عليه ، وفي " الغنية " : يكره لأهل الفضل والعلم المسارعة إلى إجابة الطعام والتسامح; لأن فيه دناءة وشرها لا سيما الحاكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية