صفحة جزء
وإذا حضر وهو صائم صوما واجبا لم يفطر ، وإن كان نفلا أو كان مفطرا ، استحب له الأكل ، فإن أحب ، دعا وانصرف ، وإن دعاه اثنان ، أجاب أولهما ، فإن استويا أجاب أدينهما ، ثم أقربهما جوارا .


( وإذا حضر وهو صائم صوما واجبا لم يفطر ) يعني : أن الصائم إذا دعي تسقط الإجابة ، فإذا حضر وكان الصوم واجبا لم يفطر; لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا دعي أحدكم فليجب ، فإن كان صائما ، فليدع ، وإن كان مفطرا فليطعم رواه أبو داود ، ورواه مسلم أيضا ، ولفظه : إن كان صائما فليصل ; ولأن الصوم واجب عليه ، فلم يجز تركه; ولأن صاحب الطعام يعذره فلا يؤدي إلى كسر قلبه ( وإن كان نفلا ) أفطر; لأن فيه إدخال السرور على قلب أخيه المسلم ، وقيل : إن جبر قلب داعيه ، وقيل : يدعو أو ينصرف ، نص عليه ، ويستحب له إعلامهم بصومه ، وهو قول عثمان وابن عمر ; لأن التهمة [ ص: 183 ] تزول ويتمهد عذره ( أو كان مفطرا استحب له الأكل ) إن شاء ، قاله أحمد ، وفي " الواضح " : ظاهر الحديث وجوبه ، وفي مناظرات ابن عقيل : لو غمس أصبعه في ماء ومصها حصل به إرضاء الشرع ، وإزالة المأثم بإجماعنا ، ومثله لا يعد إجابة عرفا بل استخفافا بالداعي ( فإن أحب دعا وانصرف ) ; لدخوله في قوله عليه السلام : وإن كان صائما فليدع; ولأن الأكل غير واجب نصا; لقوله عليه السلام : إذا دعي أحدكم فليجب ، فإن شاء أكل ، وإن شاء ترك رواه مسلم من حديث جابر ، وقوله : فليطعم ، محمول على الاستحباب ، ولأنه لو وجب الأكل لوجب على المتطوع بالصوم ، بل المقصود الإجابة ( وإن دعاه اثنان أجاب أولهما ) ; لقوله عليه السلام : فإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق رواه أبو داود; ولأن إجابته وجبت بدعوته فلم تزل بدعوة الثاني ، والسبق بالقول وقيل بالباب ، وظاهره : أنه لا يجيب الثاني ، وهو صحيح لكن بشرط أن لا يتسع الوقت لإجابتهما; لأنه لو وجب عليه إجابة الثاني مع عدم اتساع الوقت ، لأوجبنا عليه ما لا يمكنه فعله إلا بترك واجب مثله ، بل أرجح فإن اتسع الوقت لهما وجبا للأخبار ( فإن استويا أجاب أدينهما ) ; لأن كثرة الدين لها أثر في التقديم بدليل الأمانة ( ثم أقربهما جوارا ) وكذا في " المستوعب " ; لقوله عليه السلام : إذا اجتمع داعيان فأجب أقربهما بابا ، فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا رواه أبو داود ، وفي " الفروع " : يقدم أسبقهما ثم أقربهما ، وفي " المغني " و " الكافي " : يقدم أقربهما جوارا ثم رحما ، وفي " المحرر " و " الرعاية " و " الوجيز " عكسه ثم القرعة بعد الكل .

التالي السابق


الخدمات العلمية