صفحة جزء
[ ص: 184 ] وإن علم أن في الدعوة منكرا كالزمر والخمر ، وأمكنه الإنكار ، حضر وأنكر ، وإلا لم يحضر ، وإن حضر فشاهد المنكر ، أزاله وجلس ، فإن لم يقدر انصرف ، وإن علم به ولم يره ، ولم يسمعه ، فله الجلوس ، وإن شاهد ستورا معلقة فيها صور الحيوان ، لم يجلس إلا أن تزال ، فإن كانت مبسوطة أو على وسادة ، فلا بأس بها ، وإن سترت الحيطان بستور لا صور فيها أو فيها صور غير الحيوان ، فهل يباح ؛ على روايتين ، ولا يباح الأكل بغير إذن ، والدعاء إلى الوليمة إذن فيها ، والنثار والتقاطه مكروه ، وعنه : لا يكره ومن حصل في حجره شيء فهو له ، ويستحب إعلان النكاح ، والضرب عليه بالدف .


( وإن علم أن في الدعوة منكرا كالزمر والخمر ، وأمكنه الإنكار ، حضر وأنكر ) ; لأنه يؤدي فرضين إجابة الدعوة وإزالة المنكر ( وإلا ) إذا لم يمكنه الإنكار ( لم يحضر ) لأن عليه ضررا في الحضور ، ولأنه يحرم عليه مشاهدة ذلك; لقوله عليه السلام : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها خمر رواه الترمذي وقال : حسن غريب; ولأنه يشاهد المنكر من غير حاجة إليه ، فمنع منه كما لو شاهده مع القدرة على إزالته ( وإن حضر فشاهد المنكر ، أزاله وجلس ) ; لأن في ذلك جمعا بين مصلحتي الإنكار ومقصود الإجابة الشرعية ( فإن لم يقدر انصرف ) ; لأن الجلوس مع مشاهدة التحريم حرام ، وقد خرج أحمد من وليمة فيها آنية فضة ، فقال الداعي : نحولها فلم يرجع ، نقله حنبل ( وإن علم به ولم يره ، ولم يسمعه فله الجلوس ) ; لأن المحرم رؤية المنكر وسماعه ، ولو يوجد واحد منها ، وله الأكل ، نص عليه ، وله الامتناع من الحضور في ظاهر كلامه ، كإسقاط الداعي حرمة نفسه باتخاذ المنكر ، قال أحمد : لا بأس ، وفي المذهب ، و " المستوعب " : لا ينصرف ، وقاله أحمد ، وإن وجب الإنكار على رواية أو قول ( وإن شاهد ستورا معلقة فيها صور الحيوان لم يجلس إلا أن تزال ) أي : إذا كانت صورة الحيوان على الستور والحيطان وما لا يوطأ ، وأمكنه حطها أو قطع رأسها ، فعل ذلك وجلس ، وإن لم يمكنه ذلك ، انصرف ، وعليه أكثر العلماء ، قال ابن عبد البر : وهذا أعدل المذاهب; لأن عائشة نصبت سترا فيه تصاوير ، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم فنزعه ، قالت : فقطعته وسادتين يرتفق عليهما متفق عليه ، وأما دخول منزل فيه تصاوير فليس بمحرم ، وإنما أبيح ترك الدعوة [ ص: 185 ] من أجله عقوبة للداعي بإسقاط حرمته لاتخاذه المنكر في داره ، فلا يجب على من رآه في منزل الداعي الخروج في ظاهر كلام أحمد ، ذكره في " المغني " وفيه وجه .

فائدة : إذا قطع رأس الصورة ، أو ما لا تبقى الحياة بعد ذهابه أو جعل له رأس منفصل عن البدن ، لم يدخل تحت النهي وإن كان الذاهب تبقى الحياة بعده كاليد والعين ، فهو صورة وصنعة التصاوير محرمة على فاعلها; للأخبار ، والأمر بعملها محرم كعملها .

( فإن كانت مبسوطة أو على وسادة ، فلا بأس بها ) ; لأن فيه إهانة لها; ولأن تحريم تعليقها إنما كان لما فيه من التعظيم والإغرار والتشبه بالأصنام التي تعبد ، وذلك مفقود في البسط; لقول عائشة : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - متكئا على نمرقة فيها تصاوير رواه ابن عبد البر; ولأن فيه إهانة كالبسط ( وإن سترت الحيطان بستور ) غير حرير ( لا صور فيها أو فيها صور غير الحيوان ، فهل يباح ؛ على روايتين ) إحداهما يكره ، وهو عذر في ترك الإجابة إلى الدعوة ، قال أحمد : قد خرج أبو أيوب حين دعاه ابن عمر فرأى البيت قد ستر رواه الأثرم ، وابن عمر أقر على ذلك ، وقال أحمد : دعي حذيفة ، فخرج ، وإنما رأى شيئا من زي الأعاجم وكراهته لما فيه من السرف في ذلك لا يبلغ به التحريم ، والأخرى : يحرم ، لما روى الخلال عن علي بن الحسين ، قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تستر الجدر وكما لو كانت الستر حريرا ، واختار في " المغني " الأول; لأنه لم يثبت حديث ، ولو ثبت حمل على الكراهة ، فإن كان ضرورة من حر أو برد فلا بأس; لأنه يستعمله لحاجة ، أشبه الستر على الباب ، وفي جواز [ ص: 186 ] خروجه لأجله وجهان ، فلو كان فيها آنية ذهب أو فضة ، فهو منكر يخرج من أجله ، وكذا ما كان من الفضة مستعملا كالمكحلة .

( ولا يباح الأكل بغير إذن ) صريح أو قرينة ، كدعائه إليه ، نص عليه; لأن أكل مال غيره بغير إذنه محرم ، كلبس ثوبه وركوب دابته ( والدعاء إلى الوليمة إذن فيها ) جزم به في " المغني " وغيره; لقوله عليه السلام : رسول الرجل إلى الرجل إذنه رواه أبو داود بإسناد جيد ، وعن ابن مسعود : إذا دعيت فقد أذن لك . رواه أحمد ، وظاهره ولو من بيت قريبه وصديقه ، ولم يجوزه عنه ، نقله ابن القاسم ، وجزم به جماعة أنه يجوز ، واختاره الشيخ تقي الدين ، وهو أظهر ، وفي " الفروع " : ليس الدعاء إذنا للدخول في ظاهر كلامهم ، وجزم القاضي في " المجرد " وابن عقيل ، فيمن كتب من محبرة غيره يجوز في حق من تنبسط إليه ، ويأذن له عرفا .

( والنثار والتقاطه مكروه ) على المذهب; لأنه عليه السلام نهى عن النهبى والمثلة . رواه أحمد والبخاري من حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري; ولأن فيه تزاحما وقتالا ، وقد يأخذه من غيره أحب إلى صاحبه ، وربما دل على دناءة نفس المنتهب ، لا يقال : ظاهره التحريم; لأنه مردود بالإجماع أنه للإباحة ، ذكره في " المغني " ، ولأنه نوع إباحة لمال ، فلم يكن محرما كسائر الإباحات ( وعنه : لا يكره ) اختارها أبو بكر ، وقاله الحسن ، وقتادة ; لما روى عبد الله بن قرط قال : قرب للنبي - صلى الله عليه وسلم - خمس بدنات أو ست ، فقال : من شاء اقتطع رواه أبو داود ، وقال : هذا جار مجرى النثار ، وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعي [ ص: 187 ] إلى وليمة رجل من الأنصار ، وجعل يزاحم الناس على النهبة ، قالوا : يا رسول الله أوما نهيتنا عن النهبة ؛ قال : إنما نهيتكم عن نهبة العساكر ، ولم أنهكم عن نهبة الولائم رواه العقيلي; ولأنه نوع إباحة ، أشبه إباحة الطعام للضيفان ، وعنه : لا يعجبني ، هذه نهبة لا تؤكل ، وفرق ابن شهاب وغيره بأنه بذبحه زال ملكه ، والمساكين عنده سواء ، والنثر لا يزيل الملك ( ومن حصل في حجره فهو له ) ; لأنه مباح حصل في حجرهن فملكه كما لو وثبت إليه سمكة ، وليس لأحد أخذه ، وفي " المحرر " يملكه مع القصد ، وبدون القصد وجهان .

فرع : إذا قسم على الحاضرين فلا بأس; لقول أبي هريرة : قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أصحابه تمرا ، وقد روى عن أحمد أنه حذق بعض ولده ، فقسم على الصبيان الجوز ، لكل واحد خمسة; ولأن بذلك تنتفي المفسدة ، مع أن فيه إطعام الطعام ، وجبر القلوب وانبساطها ، وهو مصلحة محضة .

( ويستحب إعلان النكاح ، والضرب عليه بالدف ) ; لما روى محمد بن حاطب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : فصل ما بين الحلال والحرام : الصوت والدف في النكاح رواه أحمد ، والنسائي ، والترمذي وحسنه ، قال أحمد : يستحب أن يظهر النكاح ، ويضرب عليه بالدف ، حتى يشهر ويعرف ، قيل : ما الدف ؛ قال : هذا الدف ، قيل له - في رواية جعفر - : يكون فيه جرس ؛ قال : لا ، قال أحمد : يستحب ضرب الدف ، والصوت في الإملاك ، فقيل له : ما الصوت ؛ قال : يتكلم ، ويتحدث ، ويظهر ، ولا بأس بالغزل فيه ، كقوله عليه السلام للأنصار أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم .

[ ص: 188 ] وإنما يستحب الضرب به للنساء ، وجزم به في " الوجيز " ، وظاهر نصه ، وكلام الأصحاب يدل على التسوية ، قيل له : في رواية المروذي ما ترى للناس اليوم تحرك الدف في إملاك أو بناء بلا غناء فلم يكره ذلك ، وختان وقدوم غائب مثله ، نص عليه ، وعلم منه تحريم كل ملهاة سواه ، كمزمار وطنبور ، ورباب ، وجنك ، سواء استعمل لحزن أو سرور ، وسأله ابن الحكم عن النفخ في القصبة كالمزمار ، قال : أكرهه ، وفي القصص وجهان ، وفي " المغني " : لا يكره إلا مع تصفيق أو غناء أو رقص ونحوه ، وكره أحمد الطبل لغير حرب ، واستحبه ابن عقيل; لتنهيض طباع الأولياء ، وكشف صدور الأعداء ، وليس عبثا .

فصل

يتعلق بآداب الأكل وغيره

الأول : يستحب غسل يديه قبل الطعام وبعده - نص عليه - وإن كان على وضوء ، وعنه : يكره قبله ، اختاره القاضي ، واستحبه في المذهب بعد أن قاله عمر ، ويكره بطعام ، ولا بأس بنخالة ، وغسله في الإناء الذي أكل فيه ، نص عليهما ، قال بعضهم : ويكره بدقيق حمص ، وعدس ، وباقل ، ونحوه .

الثاني : أنه إذا قدم إليه الطعام فإنه يحرم أخذه ، فإن علم به بقرينة رضى مالكه ، وفي " الترغيب " : يكره ، وقيل يباح ، وإنه يكره مع ظنه رضاه ، ولا يملكه بتقديمه إليه ، بل يهلك على ملك صاحبه .

الثالث : يلعق أصابعه قبل غسلها أو يلعقها ، ويعرض الماء لغسلهما ، ويقدمه بقرب الطعام وبعده - نص عليه - وإن كان على وضوء ، وعنه : يكره ولا يعرضه - ذكره في " التبصرة " .

[ ص: 189 ] الرابع : يستحب له التسمية في ابتدائه ، ويأكل بيمينه ، ويحمد إذا فرغ ، وقيل : يجب ذلك ، قال الأصحاب : يقول بسم الله ، وفي الخبر المشهور يقول : بسم الله أوله وآخره ، قال الشيخ تقي الدين : لو زاد " الرحمن الرحيم " كان بخلاف الذبح ، ونقل ابن هانئ أنه جعل عند كل لقمة يسمي ويحمد ، قال أحمد : يأكل بالسرور مع الإخوان ، وبالإيثار مع الفقراء ، وبالمروءة مع أبناء الدنيا ، وأكل وحمد خير من أكل وصمت .

الخامس : يستحب الأكل بثلاث أصابع مما يليه ، قال جماعة : والطعام نوع واحد ، قال الآمدي : لا بأس ، وهو وحده ، وقال ابن حامد : ويخلع نعليه .

السادس : يكره عيب الطعام ، وحرمه في " الغنية " ، ونفخه فيه ، وقال الآمدي : لا يكره وهو حار . وأكله حارا ، أو فعل ما يستقذره من غيره ورفع قبلهم بلا قرينة ، ومدح طعامه وتقويمه ، وحرمهما في " الغنية " ، وتنفسه في إنائه ، وأكله من وسطه وأعلاه ، قال أحمد ومتكئا وعلى الطريق قاله في الغنية .

السابع : يكره قرانه في التمر ، وقيل : مع شريك لم يأذن ، قال بعضهم : وكذا قران ما العادة جارية بتناوله مفردا ، ونقل مهنا : أكره أن يستعمل الخبز على المائدة ، ولا بأس بتكسيره ، قال أحمد : لئلا يعرف ما يأكلون .

الثامن : له قطع لحم بسكين ، والنهي عنه لا يصح ، قاله أحمد ، واحتجوا بنهي ضعيف على الكراهة ، ولو على قول ، قال في " الفروع " : فيتوجه هنا مثله بلا حاجة .

[ ص: 190 ] التاسع : يجوز أكله كثيرا حيث لا يؤذيه ، وفي " الغنية " : يكره مع خوف تخمة ، وحرمه الشيخ تقي الدين ، وكذا الإسراف فيه إلى مجاوزة الحد ، ولا بأس بإطعام ما جرت به العادة ، كسائل ، وسنور ، وتلقيم ، وفي تقديم الأظهر جوازه .

العاشر : لا يكره شربه قائما ، نقله الجماعة ، وعنه : بلى ، وسأله صالح عن شربه قائما في نفس ، قال : أرجو ، وفي " الفروع " : ويتوجه كأكل ، وظاهر كلامهم : لا يكره أكله قائما ، ويتوجه كشرب ، قاله شيخنا : وكره أحمد الشرب من في السقاء ، والجلوس بين ظل وشمس ، والنوم بعد العصر وعلى سطح غير محجر ، واستحب القائلة نصف النهار والنوم إذن .

الحادي عشر : لا بأس بالتخليل ، قال في رواية عبد الله ، عن ابن عمر : ترك الخلال يوهن الأسنان ، قال الأطباء : هو نافع للثة وتغير للنكهة .

الثاني عشر : لا بأس أن يخلط المسافرون أزوادهم ويأكلون جميعا ; لأنه فعل السلف نقل أبو داود : لا بأس أن يتناهد في الطعام ويتصدق منه ، لم يزل الناس يفعلونه ، ويتوجه رواية : لا يتصدق منه إلا بإذن .

مسألة : له دخول بيعة وكنيسة والصلاة فيهما ، وعنه : يكره ، وعنه : مع صورة ، وظاهر كلام جماعة : تحريم دخوله معها ، ويحرم شهود عيد ليهود أو نصارى ، نقله مهنا ، وكرهه الخلال ، وفيه تنبيه على المنع أن يفعل كفعلهم ، قاله الشيخ تقي الدين - لا البيع لهم فيها - نقله مهنا ، وحرمه الشيخ تقي الدين ، وخرجه على الروايتين في حمل التجارة إلى دار الحرب وإن مثله مهاداتهم لعيدهم - والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية