صفحة جزء
فصل

ولها عليه أن يبيت عندها ليلة من أربع ، وإن كانت أمة ، فمن كل ثمان ، وقال أصحابنا : من كل سبع ، وله الانفراد بنفسه فيما بقي ، وعليه أن يطأ في كل أربعة أشهر مرة إن لم يكن عذر ، وإن سافر عنها أكثر من ستة أشهر ، فطلبت قدومه ، لزمه ذلك إن لم يكن عذر ، فإن أبى شيئا من ذلك ، ولم يكن عذر ، فطلبت الفرقة ، فرق بينهما; لأنه لو ضربت له المدة لذلك ، وفرق بينهما ، لم يكن للإيلاء أثر ، وعنه : ما يدل على أن الوطء غير واجب فيكون هذا كله غير واجب .


فصل

( ولها عليه أن يبيت عندها ليلة من أربع ) إذا كانت حرة بطلبها; لما روى كعب بن سور ، أنه كان جالسا عند عمر بن الخطاب ، فجاءت امرأة ، فقالت : يا أمير المؤمنين ، ما رأيت رجلا قط أفضل من زوجي ، والله إنه ليبيت ليله قائما ، ويظل نهاره صائما ، فاستغفر لها ، وأثنى عليها ، واستحيت المرأة ، وقامت راجعة ، فقال كعب : يا أمير المؤمنين ، هلا أعديت المرأة على زوجها ، فقال : وما ذاك ؛ فقال : إنها جاءت تشكوه ، إذا كان هذا حاله في العبادة ، فمتى يتفرغ لها ، فبعث عمر إلى زوجها وقال لكعب : اقض بينهما; فإنك فهمت من أمرها ما لم أفهمه ، قال : فإني أرى كأنها امرأة عليها ثلاث نسوة هي رابعتهن ، فأقضي له بثلاثة أيام ولياليهن يتعبد فيهن ، ولها يوم وليلة ، فقال عمر : والله ما رأيك الأول بأعجب إلي من الآخر ، [ ص: 197 ] اذهب فأنت قاض على البصرة ، وفي لفظ ، قال عمر : القاضي أنت ، رواه سعيد ، ثنا خالد بن عبد الله ، عن حصين ، عن عامر الشعبي ، وهذه قضية اشتهرت ولم تنكر ، فكانت كالإجماع ، يؤيده قوله عليه السلام لعبد الله بن عمرو بن العاص : فإن لجسدك عليك حقا ، ولزوجك عليك حقا متفق عليه; ولأنه لو لم يجب لها حق لملك الزوج تخصيص إحدى زوجاته به ، كالزيادة في النفقة على قدر الواجب ( وإن كانت أمة فمن كل ثمان ) اختاره المؤلف ، وجزم به في " التبصرة " ; لأنها على النصف من الحرة; لأن زيادتها على ذلك تحل بالتنصيف ، وزيادة الحرة على ليلة من أربع زيادة على الواجب ، فتعين ما ذكرناه ( وقال أصحابنا ) منهم صاحب " المحرر " و " الوجيز " وقدمه في " الفروع " ( من كل سبع ) ; لأن أكثر ما يمكن أن يجمع معها ثلاث حرائر لهن ست ، ولها السابعة ، قال في " المغني " و " الشرح " : والأول أولى ، أي : لها ليلة من ثمان لتكون على النصف من الحرة ، فإن حقها من كل ثمان ليلتان ، فلو كان للأمة ليلة من سبع لزاد على النصف ، ولم يكن للحرة ليلتان ، ولها ليلة; ولأنه إذا كان تحته ثلاث حرائر وأمة ، ولم يرد أن يزيد لهن على الواجب فقسم بينهن سبعا ، فما يصنع في الليلة الثامنة إن أوجبنا عليه مبيتها عند الحرة ، فقد زاد على الواجب ، وإن باتها عند الأمة جعلها كالحرة ، ولا سبيل إليه ، وعلى ما اختاره تكون هذه الليلة الثامنة له ، إن أحب انفرد بها فيها ، وإن أحب بات عند الأولى ستا إبقاء للقسم ( وله الانفراد بنفسه فيما بقي ) فإن كان تحته حرة وأمة ، قسم لهن ثلاث ليال من ثمان ، وله الانفراد في خمس ، وإن كان تحته حرتان وأمة فلهن خمس وله ثلاث ، وإن كان تحته [ ص: 198 ] حرتان وأمتان ، فلهن ست وله ليلتان ، وإن كانت أمة فلها ليلة وله سبع ، وعلى قول الأصحاب : لها ليلة وله ست ، ولكن قال أحمد : ما أحب أن يبيت وحده إلا أن يضطر ، وقاله في سفره وحده ، وعنه : لا يعجبني ، وعن أبي هريرة مرفوعا أنه لعن راكب الفلاة وحده والبائت وحده . رواه أحمد ، وفيه طيب بن محمد ، قيل : لا يكاد يعرف ، وله مناكير ، وذكره ابن حبان في الثقات .

( و ) يجب ( عليه أن يطأ في كل أربعة أشهر مرة إن لم يكن عذر ) على المذهب; لأنه لو لم يكن واجبا لم يصر باليمين على تركه واجبا كسائر ما لا يجب; ولأن النكاح شرع لمصلحة الزوجين ورفع الضرر عنهما ، وهو مفض إلى دفع ضرر الشهوة عن المرأة ، كإفضائه إلى رفعه عن الرجل ، ويكون الوطء حقا لهما جميعا; ولأنه لو لم يكن لها فيه حق لما وجب استئذانها في العزل كالأمة ، وشرط المدة ثلث سنة; لأن الله قدر في حق المؤلي ذلك ، فكذا في حق غيره ، وأن لا يكون عذر ، فإن لم يكن لمرض ونحوه لم يجب عليه من أجل عذره ( وإن سافر عنها ) لعذر وحاجة سقط حقها من القسم والوطء ، وإن طال سفره ، بدليل أنه لا يفسخ نكاح المفقود إذا ترك لامرأته نفقة ، وإن لم يكن عذر مانع من الرجوع فإن أحمد ذهب إلى توقيته بستة أشهر ، ونبه عليه بقوله ( أكثر من ستة أشهر فطلبت قدومه لزمه ذلك ) ; لما روى أبو حفص بإسناده [ ص: 199 ] عن زيد بن أسلم ، قال : بينا عمر بن الخطاب يحرس المدينة ، فمر بامرأة في بيتها وهي تقول :

تطاول هذا الليل واسود جانبه وطال على أن لا خليل ألاعبه     فوالله لولا خشية الله والحيا
لحرك من هذا السرير جوانبه

فسأل عنها ، فقيل له : فلانة زوجها غائب عنها في سبيل الله ، فأرسل إليها امرأة تكون معها ، وبعث إلى زوجها ، فأقفله ثم دخل على حفصة ، فقال : يا بنية ، كم تصبر المرأة عن زوجها ، فقالت : سبحان الله ، مثلك يسأل مثلي عن هذا ؛ فقال : لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك ، فقالت : خمسة أشهر ، ستة أشهر ، فوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر ، يسيرون شهرا ، ويقيمون أربعة أشهر ، ويرجعون في شهر ، وسئل أحمد : كم للرجل أن يغيب عن أهله ؛ قال : يروى ستة أشهر ، وقد يغيب أكثر من ذلك لأمر لا بد له منه ، ويلحق بذلك الحج وطلب رزق محتاج إليه ، نص عليه ( إن لم يكن عذر ) يعني : إذا كان له عذر لا يلزمه القدوم; لأن صاحب العذر يعذر من أجل عذره ( فإن أبى شيئا من ذلك ، ولم يكن عذر فطلبت الفرقة ، فرق بينهما ) ولو قبل الدخول ، نص عليه; لأنه في معنى مؤل ، قال أحمد في رواية ابن منصور في رجل تزوج بامرأة ولم يدخل بها - هل يجبر عليه ؛ قال : أذهب إلى أربعة أشهر إن دخل بها ، وإلا فرق بينهما ، وعنه : لا يفرق ، وفي " المغني " : هو ظاهر قول أصحابنا ، وقاله أكثر الفقهاء; ( لأنه لو ضربت له المدة لذلك وفرق بينهما لم يكن للإيلاء أثر ) وقيل : إن غاب أكثر من ذلك لغير عذر راسله الحاكم ، فإن أبى أن يقدم فسخ نكاحه ، ولا يجوز [ ص: 200 ] الفسخ إلا بحكم الحاكم; لأنه مختلف فيه ( وعنه : ما يدل على أن الوطء غير واجب فيكون هذا كله غير واجب ) ; لأنه حق له ، فلم يجب عليه كسائر حقوقه ، والأولى خلافها ، وفي " الترغيب " ذكر القاضي ، وابن عقيل أنه يلزم من البيتوتة بما يزول معه ضرر الوحشة ، ويحصل معه الأنس المقصود بالزوجية ، فلا توقيت ، فيجتهد الحاكم ، وفي " المغني " في امرأة من علم خبره كأسير ومحبوس - لها الفسخ بتعذر النفقة من ماله إجماعا ، وإلا فلا ، وإن تعذر الوطء لعجز كالنفقة ، وأولى للفسخ يتعذر في الإيلاء ، وقاله أبو يعلى الصغير .

التالي السابق


الخدمات العلمية