صفحة جزء
فصل

في النشوز

وهو معصيتها إياه مما يجب عليها ، وإذا ظهر منها أمارات النشوز ، بألا تجيبه إلى الاستمتاع ، أو تجيبه متبرمة متكرهة - وعظها ، فإن أصرت ، هجرها في المضجع ما شاء ، وفي الكلام ما دون ثلاثة أيام ، فإن أصرت ، فله أن يضربها ضربا غير مبرح ، فإن ادعى كل واحد ظلم صاحبه له ، أسكنهما الحاكم إلى جانب ثقة ، يشرف عليهما ، ويلزمهما الإنصاف ، فإن خرجا إلى الشقاق والعداوة ، بعث الحاكم حكمين حرين مسلمين عدلين ، والأولى أن يكونا من أهلهما برضاهما ، فيكشفان عن حالهما ، ويفعلان ما يريانه من جمع وتفريق بينهما بطلاق أو خلع ، فإن امتنعا من التوكيل ، لم يجبرا ، وعنه : أن الزوج إن وكل في الطلاق بعوض أو غيره ، ووكلت المرأة في بدل العوض برضاهما ، وإلا جعل الحاكم إليهما ذلك ، فإن غاب الزوجان أو أحدهما ، لم ينقطع نظر الحكمين على الأولى ، وتنقطع على الثانية ، وإن جنا انقطع نظرهما على الأولى ، ولم ينقطع على الثانية .


فصل

في النشوز

وهو كراهة كل واحد من الزوجين صاحبه ، وسوء عشرته ، يقال : نشزت المرأة على زوجها فهي ناشزة ، وناشز ، ونشز عليها زوجها : إذا جفاها وأضر بها ( وهو معصيتها إياه مما يجب عليها ) من طاعته ، مأخوذ من النشز وهو الارتفاع ، فكأنها ارتفعت وتعالت عما يجب عليها من طاعته ( وإذا ظهر منها أمارات النشوز ، بألا تجيبه إلى الاستمتاع ، أو تجيبه متبرمة متكرهة - وعظها ) بأن يذكر لها ما أوجب الله تعالى عليها من الحق ، وما يلحقها من الإثم بالمخالفة ، وما يسقط بذلك من النفقة والكسوة ، وما يباح له من هجرها وضربها; لقوله تعالى : واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن [ النساء : 34 ] ( فإن أصرت ) ناشزة ، بأن تعصيه وتمتنع من فراشه ، أو تخرج بغير إذنه ( هجرها في المضجع ) بفتح الجيم ، والمراد : أن يهجر فراشها فلا يضاجعها فيه ( ما شاء ) ; لقوله تعالى : واهجروهن في المضاجع وقال ابن عباس : لا تضاجعها في فراشك; لأن [ ص: 215 ] القرآن مطلق ، فلا يقيد بغير دليل ، وفي " التبصرة " و " الغنية " و " المحرر " : ثلاثة أيام; لأن الهجران فوق ذلك حرام ( وفي الكلام ما دون ثلاثة أيام ) ; لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام وقد هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه فلم يدخل عليهن شهرا - متفق عليه ، وفي " الواضح " : يهجرها في الفراش ، فإن أضاف إليه الهجر في الكلام ودخوله وخروجه عليها - جاز ، مع الكراهة ( فإن أصرت ، فله أن يضربها ضربا غير مبرح ) أي : غير شديد; لقوله تعالى : واضربوهن ولا يبرح بالضرب; للخبر الصحيح ، قال الخلال : سألت أحمد بن يحيى ثعلبا عن قوله : ضربا غير مبرح ، أي : غير شديد ، وهو عشرة أسواط فأقل ، قاله الأصحاب ، وهو حسبه ، ذكره في " الانتصار " ، لكن يمنع منها من علم بمنعه حقها حتى يؤديه ، وعليه اجتناب المواضع المخوفة والمستحسنة ; لأن المقصود التأديب ، وعنه : له ضربها بأول النشوز; للآية والخبر ، وظاهر المذهب : لا; لأن المقصود بهذه العقوبات زجرها عن المعصية في المستقبل ، فيبدأ بالأسهل فالأسهل ، كإخراج من هجم بمنزله ، وظاهره : أن ليس لنا موضع يضرب المستحق من منعه حقه غير هذا ، والعبد يمتنع من حق سيده ، ولا يملك تعزيرها في حق الله ، نقل مهنا : هل يضربها على ترك زكاة ؛ قال : لا أدري ، وفيه ضعف; لأنه نقل عنه يضربها على فرائض الله تعالى ، قاله في " الانتصار " ، وذكر غيره : يملكه ، ولا ينبغي سؤاله لم ضربها ، قاله أحمد; لنهيه عليه السلام عن ذلك ، رواه أبو داود ، وفي " الترغيب " وغيره : والأولى تركه إبقاء للمودة ، والأولى أن لا يتركه عن الصبي لإصلاحه .

[ ص: 216 ] ( فإن ادعى كل واحد ظلم صاحبه له ، أسكنهما الحاكم إلى جانب ثقة ، يشرف عليهما ، ويلزمهما الإنصاف ) ; لأن ذلك طريق إلى الإنصاف ، فتعين فعله كالحكم بالحق ، ويلزمه أن يكشف عنه كما يكشف عن عدالة وإفلاس من خبرة باطنة ، قاله في " الترغيب " ( فإن خرجا إلى الشقاق والعداوة بعث الحاكم حكمين حرين مسلمين عدلين ) مكلفين ; لأن هذه شروط العدالة ، سواء قلنا هما حكمان أو وكيلان; لأن الوكيل إذا كان متعلقا بنظر الحاكم ، لم يجز إلا أن يكون عدلا ، كما لو نصب وكيلا لصبي أو مفلس ، ويشترط ذكوريتهما ، ذكره في " المغني " وغيره; لأنه يفتقر إلى الرأي والنظر ، وصريحه يقتضي اشتراط الحرية ، وهو الأصح; لأن العبودية نقص ، وفي " المغني " : الأولى إن كانا وكيلين لم يعتبر; لأن توكيل العبد جائز بخلاف الحكم ، وظاهره : أنه لا يشترط فيه الفقه ، وهو وجه ، وفي " الكافي " : متى كانا حكمين اشترط كونهما فقيهين ، وإن كانا وكيلين جازا أن يكونا عاميين ، وفي " الترغيب " : لا يعتبر اجتهاد ، وهو ظاهر ، وإن مثله ما يفوضه الحاكم من معين جرى كقسمة ( والأولى أن يكونا من أهلهما برضاهما ) وتوكيلهما; لقوله تعالى : وإن خفتم الآية; ولأنهما أشفق ، وأعلم بالحال ، ويجوز أن يكونا من غير أهلهما; لأن القرابة ليست شرطا في الحكم ولا الوكالة ، وظاهره : بأن الحاكم ليس له أن يبعثهما بغير رضاهما - على المذهب; لأنه حق لهما ، فلم يجز لغيرهما التصرف إلا بالوكالة ( فيكشفان عن حالهما ، ويفعلان ما يريانه من جمع وتفريق بينهما بطلاق أو خلع ) فما فعلا [ ص: 217 ] من ذلك لزمهما ، والأصل فيه الآية الكريمة ، لكن لا يصح منهما إبراء; لأنهما وكيلان فيما يتعلق بالإصلاح لا في إسقاط الحقوق ، وإن أبرأه وكيلهما برئ في الخلع فقط ، وإن شرطا ما لا ينافي نكاحا لزم ، وإلا فلا ، كترك قسم ، أو نفقة ولمن رضي العود ( فإن امتنعا من التوكيل لم يجبرا ) على المشهور ، حتى إن القاضي في " الجامع الصغير " و " الشريف " وغيرهما لم يذكروا خلافا; لأنهما رشيدان ، والبضع حق الزوج ، والمال حق الزوجية ، فلم يجبرا على التوكيل منهما كغيرهما من الحقوق ( وعنه : أن الزوج إن وكل في الطلاق بعوض أو غيره ، ووكلت المرأة في بدل العوض برضاهما وإلا ) إن أبيا ذلك ( جعل الحاكم إليهما ذلك ) اختاره ابن هبيرة ، والشيخ تقي الدين ، وهو ظاهر الخرقي ، وحينئذ لهما فعل ما رأياه بغير رضى الزوجين ، وروي عن علي ، وابن عباس ; لأن الله تعالى سماهما حكمين ، وعن عبيدة السلماني أن رجلا وامرأته أتيا عليا ، مع كل منهما فئام من الناس ، فقال علي : ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ، فبعثوا حكمين ، ثم قال للحكمين : هل تدريان ما عليكما من الحق ؛ إن رأيتما أن تجمعا جمعتما ، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما ، فقالت المرأة : رضيت بكتاب الله لي وعلي ، وقال الرجل : أما الفرقة فلا ، فقال علي : كذبت حتى ترضى بما رضيت به . رواه أبو بكر ، وهذا يدل على أنه أجبره على ذلك ، ولا يمتنع أن تثبت الولاية على الرشيد عند امتناعه من أداء الحق ، كالمدين الممتنع ، وطلاق الحاكم على المؤلي ( فإن غاب الزوجان أو أحدهما لم ينقطع نظر الحكمين على الأولى ) ; لأن [ ص: 218 ] الوكالة لا تبطل بالغيبة ( وتنقطع على الثانية ) ; لأنه لا يجوز الحكم للغائب وكل منهما محكوم عليه ، وقيل : لا ينقطع عليها ، حكاه في " المستوعب " و " المحرر " ( وإن جنا ) أو أحدهما ( انقطع نظرهما على الأولى ) ; لأن الوكالة تبطل بالجنون ( ولم ينقطع على الثانية ) ; لأن الحاكم يحكم على المجنون ، وقيل : ينقطع عليها أيضا ، حكاه في " المغني " و " المحرر " ; لأنه لا يتحقق معه بقاء الشقاق وحضور المتداعيين ، وهو شرط .

التالي السابق


الخدمات العلمية