صفحة جزء
ويجوز الخلع من كل زوج يصح طلاقه ، مسلما كان أو ذميا ، فإن كان محجورا عليه ، دفع المال إلى وليه ، وإن كان عبدا ، دفع إلى سيده ، وقال القاضي : يصح القبض من كل من يصح خلعه ، وهل للأب خلع زوجة ابنه الصغير أو طلاقها ؛ على روايتين ، وليس له خلع ابنته الصغيرة بشيء من مالها ، ويصح الخلع مع الزوجة ، ومع الأجنبي ، ويصح بذل العوض فيه من كل جائز التصرف فإن خالعت الأمة بغير إذن سيدها على شيء معلوم كان في ذمتها يتبع به بعد العتق ، وإن خالعته المحجور عليها ، لم يصح الخلع ، ووقع طلاقه رجعيا ،


( ويجوز الخلع من كل زوج يصح طلاقه مسلما كان أو ذميا ) ; لأنه إذا ملك الطلاق بغير عوض ، فبالعوض أولى ، وفي المميز وجه ، وجزم ابن المنجا أنه يصح منه ومن السفيه والعبد; لأن كل واحد منهم زوج يصح طلاقه ، فصح خلعه قياسا ، ويصح من أبي صبي ومجنون ، إن صح طلاقه عليهما ( فإن كان محجورا عليه دفع المال إلى وليه ) كسائر حقوقه ( وإن كان عبدا دفع إلى سيده ) ; لأنه للسيد لكونه من أكساب عبده ، وإن كان مكاتبا دفع العوض إليه; لأنه يملك أكسابه ، وهو الذي يتصرف لنفسه ( وقال القاضي : يصح القبض من كل من يصح خلعه ) ; لأنه يصح منه أحد ركني المعاوضة وهو العقد فيصح منه قبض العوض الذي هو الركن الآخر قياسا عليه ، فعلى هذا يصح قبض العبد والمحجور عليه; لأن من صح خلعه صح قبضه العوض ، كالمحجور عليه لفلس ، ونص عليه أحمد في العبد ، قال في " الشرح " : والأولى أنه لا يجوز ، فإن سلمت العوض إلى المحجور عليه لم يبرأ ، فإن أخذه الولي منه برئت ، وإن سلمت العبد برئت مطلقا ، قال صاحب " النهاية " فيها : والأول أصح; لأن النظر له في صحة العقد دون قبضه ( وهل للأب خلع زوجة ابنه الصغير أو طلاقها ؛ على روايتين ) إحداهما : له ذلك ، نصره القاضي وأصحابه; لأنه يصح أن يزوجه بعوض ، فلأن يصح أن يطلق عليه بطريق [ ص: 223 ] الأولى ، لا يقال : التزويج إدخال ملك والخلع عكسه; لأن الأب كامل الشفقة ، فلا يفعله إلا لمصلحة ولده فيه ، وكالحاكم يملك الطلاق على الصغير والمجنون بالإعسار ، والثانية - وهي الأشهر - : لا يملكه وفاقا للأكثر; لقوله عليه السلام : الطلاق لمن أخذ بالساق رواه ابن ماجه والدارقطني بإسناد فيه ضعف; ولأنه إسقاط لحقه ، فلم يملكه كالإبراء وإسقاط القصاص; ولأن طريق الشهوة لا مدخل لها في الولاية ، وحكم المجنون كذلك ، وكذا سيد صغير ومجنون ، والأظهر : جوازه إن رآه مصلحة ( وليس له خلع ابنته الصغيرة بشيء من مالها ) على المذهب; لأن فيه إسقاط نفقتها وكسوتها وبدل مالها ، ولا حظ لها في ذلك ، وقيل : له ذلك ، إذا رأى الحظ فيه ، كتخليصها ممن يتلف مالها ، ويخاف منه على نفسها ، وعقلها ، والأب وغيره في ذلك سواء إذا خالعوا في حق المجنونة والمحجور عليه لسفه أو صغر ، وظاهره : أنه إذا خالع بشيء من ماله أنه يجوز ، صرح به في " الشرح " وغيره; لأنه يجوز مع الأجنبي ، فمن الولي أولى ( ويصح الخلع مع الزوجة ) إذا كانت رشيدة ( ومع الأجنبي ) بغير رضى المرأة - في قول أكثرهم ، وقال أبو ثور : لا يصح فإنه يبذل عوضا في مقابلة ما لا منفعة له فيه ، وجوابه بأنه بذل مال في إسقاط حق عن غيره ، فصح ، كما لو قال : أعتق عبدك وعلي ثمنه; ولأنه لو قال : ألق متاعك في البحر وعلي ثمنه ، صح ، ولزمه ثمنه ، مع أنه لا يسقط حقا عن أحد ، فهنا أولى; ولأنه حق على المرأة يجوز أن يسقط عنها بعوض ، فجاز لغيرها كالدين ، وقيل : إن قلنا : هو فسخ ، فلا .

[ ص: 224 ] فرع : إذا قالت امرأته : طلقني وضرتي بألف ، فطلقهما - وقع بهما بائنا ، واستحق الألف على ما ذكرته ، وإن طلق إحداهما ، فقال القاضي : تطلق بائنا ويلزم الباذلة بحصتها من الألف ، وقياس قول أصحابنا فيما إذا قالت : طلقني ثلاثا بألف ، فطلقها واحدة - أن لا يلزم الباذلة هنا شيء; لأنه لم يجبها إلى ما سألت ، وإن قالت : طلقني بألف على أن تطلق ضرتي ، أو على أن لا تطلق ضرتي - فالخلع صحيح ، والشرط والبدل لازم .

مسألة : يجوز في الحيض وطهر أصابها فيه ; لأن تحريم الطلاق فيه ثبت دفعا لضرر تطويل العدة ، والخلع يندفع به ضرر سوء العشرة ، وهو أعظم وأدوم ، فكان رفعه أولى ، وقيل : لا يجوز وفي " الواضح " فيه روايتان .

( ويصح بذل العوض فيه من كل جائز التصرف ) ; لأنه بذل عوض في عقد معاوضة أشبه البيع .

فرع : إذا قال : طلق بنتي وأنت بريء من صداقها ، فطلق - بانت ، ولم يبرأ ، ويرجع على الأب ، نص عليها; لأنه غره ، وحمله القاضي على أن الزوج كان جاهلا بأن إبراء الأب صحيح .

فإن علم أن إبراء الأب غير صحيح ، لم يرجع ، وطلاقه رجعي ، وقاله في " الشرح " وقدمه في " الرعاية " .

وإن قال : إن أبرأتني أنت منه ، فهي طالق ، فقال : قد أبرأتك منه - طلقت ، نص عليه ، وحمله القاضي على أنه اعتقد أن إبراء الأب صحيح .

فأما إن علم أنه لا يصح فقولان : [ ص: 225 ] فلو قال : طلقتها بألف من مالها ، وعلي دركه فطلقها - بانت ، وغرمه الأب ، ولم يرجع به عليها ( فإن خالعت الأمة بغير إذن سيدها ) فالخلع صحيح ، قطع به المؤلف في كتبه ، وهو قول الخرقي ، والقاضي وعامة أصحابه; لأنه يصح مع الأجنبي ، فمع الزوجة أولى .

والثاني : لا يصح ، وقاله القاضي في " المجرد " ، والمجد; لأن الخلع عقد معاوضة ، فلم يصح منها كالبيع ، والأول أولى .

والخلع يفارق البيع بدليل صحته على المجهول ، وعلى غير عوض على قول ، وقيل : يصح إن خالعته على شيء في ذمتها ، لا على عين في يدها كالبيع ( على شيء معلوم كان في ذمتها ) ; لأنه رضي بذلك ( يتبع به بعد العتق ) وهو اختيار الخرقي ، جزم به في " الهداية " ; لأنه الوقت الذي يملك فيه ، ويرجع بقيمته أو مثله إن كان مثليا ، فإن كان على عين في يدها فكذلك ، وقياس المذهب كما قاله المؤلف : أنه لا شيء له; لأنه يعلم أنها أمة ، فقد علم أنها لا تملك العين ، كما لو قال : خالعتك على هذا الحر ، فيكون راضيا بغير عوض ، ومقتضاه بطلان الخلع على المشهور ، فأما إن كان بإذن السيد فهو صحيح ، كاستدانتها ، فإن أذن لها في قدر من المال فخالعت بأكثر منه - فالزيادة في ذمتها ، وإن أطلق الإذن اقتضى الخلع بالمسمى .

فرع : المكاتبة كالأمة القن ، سواء فيما ذكرنا ( وإن خالعته المحجور عليها ) لسفه أو صغر أو جنون ( لم يصح الخلع ) ; لأنه تصرف في المال ، وليست من أهله ، فلم يصح ، كالهبة ونحوها ، وظاهره : ولو أذن فيه الولي; لأنه لا إذن له [ ص: 226 ] في التبرعات ، والأظهر : الصحة مع الإذن لمصلحة - على ما ذكره ( ووقع طلاقه رجعيا ) ; لأنه طلاق لا عوض له ، فوجب وقوعه رجعيا; لسلامته عما ينافيه ، وهذا إذا وقع الخلع بلفظ الطلاق أو نواه به .

فأما إن وقع بلفظ الفسخ أو المفاداة - ولم ينو به طلاقا - فهو كالخلع بغير عوض ، وفي " المغني " و " الشرح " : يحتمل أن لا يقع الخلع هنا; لأنه إنما رضي به بعوض ، ولم يحصل له ، ولا أمكن الرجوع ببذله ، وهذا إذا كان الطلاق بغير الثلاث ، فإن كان بها لم يقع رجعيا; لأن الثلاث لا رجعة معها ، فأما المحجور عليها لفلس فلا يصح بغير إذن غرمائها; لأنها ممنوعة من التبرع ، ويصح بإذنهم; لأنها من أهل التصرف; ولهذا يصح تصرفها في ذمتها ، بخلاف المحجور عليها لحظ نفسها .

التالي السابق


الخدمات العلمية