صفحة جزء
والخلع طلاق بائن ، إلا أن يقع بلفظ الخلع ، أو الفسخ ، أو المفاداة ، ولا ينوي به الطلاق ، فيكون فسخا لا ينقص به عدد الطلاق في إحدى الروايتين ، وفي الأخرى هو طلاق بائن بكل حال ، ولا يقع بالمعتدة من الخلع طلاق ، ولو واجهها به ، وإن شرط الرجعة في الخلع ، لم يصح الشرط في أحد الوجهين ، وفي الآخر : يصح الشرط ، ويبطل العوض .


( والخلع ) له صريح ، وهو لفظ الخلع ، والمفاداة وكذا الفسخ في الأشهر ، وكناية : وهو الإبانة والتبرئة ، وفي " الروضة " : صريحه الخلع ، أو الفسخ ، أو الفداء ، أو بارئتك ( طلاق ) أي : إذا وقع بغير الألفاظ المذكورة بغير خلاف لوجود صريحه أو كنايته مقترنة بالنية ( بائن ) ; لقوله تعالى : فلا جناح عليهما فيما افتدت به [ البقرة : 229 ] وإنما يكون فداء إذا خرجت من قبضته وسلطانه ، ولو لم يكن بائنا لكانت له الرجعة ، وكانت تحت حكمه وقبضته; لأن القصد إزالة الضرر عنها ، فلو جازت الرجعة لعاد الضرر ( إلا أن يقع بلفظ الخلع أو الفسخ أو المفاداة ، ولا ينوي به الطلاق فيكون فسخا لا ينقص به عدد الطلاق في إحدى الروايتين ) اختارها أبو بكر ، وقال ابن هبيرة : وهي أظهرهما ، وصححها في [ ص: 227 ] " المحرر " ، وجزم بها في " الوجيز " ، وروي عن ابن عباس ، وطاوس ، وعكرمة ، وإسحاق ، واحتج ابن عباس بقوله تعالى : الطلاق مرتان ثم قال : فلا جناح عليهما فيما افتدت به ثم قال : فإن طلقها فلا تحل له فذكر طلقتين ، والخلع ، وتطليقه بعدهما ، فلو كان الخلع طلاقا لكان أربعا; ولأنها فرقة خلت عن صريح الطلاق ونيته ، فكانت فسخا كسائر الفسوخ ، قال الشيخ تقي الدين : وعليه دل كلام أحمد وقدماء أصحابه ، ومراده : ما قال عبد الله : رأيت أبي كان يذهب إلى قول ابن عباس ، وابن عباس صح عنه : ما أجازه المال فليس بطلاق ، وصح عنه أن الخلع تفريق وليس بطلاق .

( وفي الأخرى هو طلاق بائن بكل حال ) رواه الشافعي عن عثمان ، وروي عن علي ، وابن مسعود ، وقاله سعيد بن المسيب ، وعطاء ، والأكثر ، لكن ضعف أحمد الحديث عنهم ، وقال : ليس في الباب أصح من حديث ابن عباس أنه فسخ; ولأنها بذلت العوض للفرقة ، والفرقة التي يملك الزوج إيقاعها هي الطلاق دون الفسخ; ولأنه أتى بكناية الطلاق قاصدا فراقها ، فكان طلاقا كغير الخلع ، وفائدة الخلاف : أنه إذا قلنا بأنه طلاق ، حسب ونقص به عدد طلاقه ، وإن قيل : هو فسخ لم تحرم عليه ، وإن خالعها بمائة مرة ، وتعتبر الصيغة منهما ، فيقول : خلعتك على كذا ، وتقول : هي قبلت أو رضيت ، وتصح ترجمة خلع بكل لفظ طلاق من أهلها .

فرع : لا يحصل الخلع بمجرد بذل المال وقبوله من غير لفظ الزوج ، قال القاضي : ذهب إليه شيوخنا البغداديون ، وأومأ إليه أحمد ، وذهب أبو حفص [ ص: 228 ] العكبري وابن شهاب إلى وقوع الفرقة بقبول الزوج العوض ، وأفتى به ابن شهاب بعكبرا ، واعترض عليه أبو الحسين بن هرمز ، نقل إسحاق بن منصور قال : قلت لأحمد : كيف الخلع ؛ قال : إذا أخذ المال فهي فرقة ، وعن علي : من قبل مالا على فراق فهي تطليقة بائنة ، وجوابه : بأنه تصرف في البضع بعوض ، فلم يصح بدون اللفظ ، كالنكاح والطلاق; ولأن أخذ المال قبض لعوض ، فلم يقم بمجرده مقام الإيجاب ، كقبض أحد العوضين في البيع ، ولعل أحمد وغيره استغنى عن ذكر اللفظ; لأنه معلوم .

( ولا يقع بالمعتدة من الخلع طلاق ، ولو واجهها به ) بأن يقول : أنت طالق ، قال الشافعي : أنا مسلم ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، وابن الزبير أنهما قالا : لا يلحق المختلعة الطلاق في العدة ، ولم يعرف لهما مخالف في الصحابة ، فكان كالإجماع; ولأنها لا تحل له إلا بنكاح جديد ، فلا يلحقها طلاقه ، كالمطلقة قبل الدخول ، وفي " الترغيب " : إلا إن قلنا : هو طلقة ، ويكون بلا عوض ، وهو ظاهر ( وإن شرط الرجعة في الخلع لم يصح الشرط ، في أحد الوجهين ) جزم به في " الوجيز " ، وقدمه في " الفروع " كشرط الخيار; ولأن الخلع لا يفسد بالعوض الفاسد ، فلا يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح ( وفي الآخر : يصح الشرط ، ويبطل العوض ) أي : فيقع رجعيا بلا عوض; لأن شرط العوض والرجعة يتنافيان ، فيسقطان ، ويبقى مجرد الطلاق ، فتثبت الرجعة بالأصل لا بالشرط .

وعلى الأول قال القاضي : يسقط المسمى في العوض; لأنه لم يرض به عوضا حتى ضم إليه الشرط ، فإذا سقط الشرط ، فيصير مجهولا ، فيسقط ، ويجب [ ص: 229 ] المسمى في العقد ، ويحتمل أن يجب المسمى في الخلع; لأنهما تراضيا به عوضا ، فلم يجب غيره ، كما لو خلا عن شرط الرجعة .

فرع : إذا شرط الخيار في الخلع ، بطل الشرط ، وصح الخلع; لأن الخيار في البيع لا يمنع وقوعه ، ومتى وقع فلا سبيل إلى رفعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية