صفحة جزء
ومن جحد وجوبها كفر ، فإن تركها تهاونا لا جحودا ، دعي إلى فعلها ، فإن أبى حتى تضايق وقت التي بعدها ، وجب قتله ، وعنه : لا يقتل حتى يترك ثلاثا ، ويضيق وقت الرابعة ، ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثا ، فإن تاب قبل منه ، وإلا قتل بالسيف ، وهل يقتل حدا أو لكفره ؛ على روايتين .


( ومن جحد وجوبها كفر ) إذا كان ممن لا يجهله كالناشئ بين المسلمين في الأمصار ، زاد ابن تميم : وإن فعلها ، لأنه لا يجحدها إلا تكذيبا لله ورسوله ، وإجماع الأمة ، ويصير مرتدا بغير خلاف نعلمه ، وإن ادعى الجهل كحديث الإسلام ، والناشئ ببادية عرف وجوبها ، ولم يحكم بكفره ، لأنه معذور فإن قال أنسيتها قيل : له صل الآن ، وإن قال : أعجز عنها لعذر ، أعلم أنه يجب عليه أن يصلي على حسب حاله ( فإن تركها تهاونا ) وكسلا ( لا جحودا ( دعي إلى فعلها ) لاحتمال أنه تركها لعذر يعتد سقوطه بمثله كالمرض ، ونحوه ، والداعي له الإمام ، ومن في حكمه ، ويهدد فيقول له : إن صليت وإلا قتلناك ، وذلك في وقت كل صلاة ( فإن أبى حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله ) نص عليه ، واختاره الأكثر لقوله تعالى فاقتلوا المشركين إلى قوله فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم [ التوبة 5 ] فمتى ترك الصلاة لم يأت بشرط التخلية فيبقى على إباحة القتل ، ولقوله عليه السلام : من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله ورسوله رواه أحمد بإسناده عن مكحول ، وهو مرسل جيد ، ولأنها من أركان الإسلام ، لا تدخلها النيابة ، فقتل تاركها كالشهادتين ، ومراده حتى [ ص: 306 ] تضايق وقت الثانية عنها ، صرح به في " الوجيز " وقيل : عنهما ، قاله في " الرعاية " وعنه : يجب قتله بدخول وقت الثانية ، وإن لم يضق ، قدمه ابن تميم ، واختاره المجد قال في " الفروع " وهي أظهر لمفهوم النهي عن قتل المصلين ، قال ابن حمدان : إن وجب القضاء على الفور ، واختاره أبو إسحاق بن شاقلا إلا الأولى من المجموعتين ، لأن وقتهما مع العذر واحد ، وحسنه في " المغني " وظاهره : أنه إذا لم يدع إليها لم يكفر ، ولم يقتل بحال .

( وعنه : لا يقتل حتى يترك ثلاثا ) أي : ثلاث صلوات ( ويضيق وقت الرابعة ) قدمه في " التلخيص " لأنه قد يترك الثلاث لشبهة ، فإذا ترك الرابعة انتفت فيقتل ، والأصح حتى يضيق وقت الرابعة عنها ، وقيل : بل عنهن ، وفي " المبهج " و " الواضح " و " تبصرة الحلواني " ورواية : ثلاثة أيام قتل وجوبا بضرب عنقه ( ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثا ) أي : ثلاثة أيام وجوبا في الأشهر ، ويضيق عليه ، لأنه يقتل لترك واجب ، فتقدمته الاستتابة كالمرتد ، وذكر القاضي أنه يضرب ، وينبغي الإشاعة عنه بتركها حتى يصلي ، ولا ينبغي السلام عليه ، ولا إجابة دعوته ، قاله الشيخ تقي الدين ( فإن تاب قبل منه ) كغيره ويصير مسلما بالصلاة ، نقل صالح : توبته أن يصلي ، وصوبه الشيخ تقي الدين ، لأن كفره بالامتناع كإبليس ، وتارك الصلاة ، وصحتها قبل الشهادتين ، كمرتد ، وظاهره أنه متى راجع الإسلام لم يقض مدة امتناعه كغيره من المرتدين لعموم الأدلة ، وقدم في " الفروع " وهو ظاهر كلام جماعة منهم خلافه ( وإلا قتل بالسيف ) يضرب به عنقه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا قتلتم فأحسنوا القتلة رواه مسلم أي : الهيئة من القتل .

[ ص: 307 ] ( وهل يقتل حدا أو لكفره ؛ على روايتين ) أشهرهما أنه يقتل كفرا ، وهي ظاهر المذهب ، واختارها الأكثر لما روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : بين الرجل والكفر ترك الصلاة رواه مسلم ، وروى بريدة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من تركها فقد كفر رواه الخمسة ، وصححه الترمذي ، وروى عبادة مرفوعا : من ترك الصلاة متعمدا فقد خرج من الملة رواه الطبراني بإسناد جيد ، وقال عمر : لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة .

ولأنه يدخل بفعلها في الإيمان ، فيخرج بتركها منه ، كالشهادتين ، فعليها حكمه حكم الكفار من أنه لا يغسل ، ولا يصلى عليه ، ولا يدفن في مقابر المسلمين ، وذكر القاضي : يدفن منفردا ، وذكر الآجري : من قتل مرتدا ترك بمكانه ، ولا يدفن ، ولا كرامة ، وتبين منه زوجته قبل الدخول ، وكذا بعده إن لم يتب ويصلي في الأشهر ، والثانية : يقتل حدا قدمها في " المحرر " وابن تميم ، واختارها ابن بطة ، وذكر أنها المذهب ، قال في " المغني " : وهي أصوب القولين ، وجزم بها في " الوجيز " للعمومات ، منها قوله عليه السلام : أسعد الناس بشفاعتي من قال : لا إله إلا الله مخلصا من قلبه رواه البخاري ، وقال : إني اختبأت دعوتي شفاعتي لأمتي يوم القيامة ، فهي إن شاء الله تعالى نائلة من مات لا يشرك بالله شيئا رواه مسلم ، وحديث عبادة رواه أحمد وغيره ، وصححه ابن حبان ، وابن عبد البر ، ولأنها عبادة تحكم بإسلام الكافر ، فلم يكفر بتركها ، كالزكاة ، والحج ، وهو إجماع حكاه في " الشرح " وفيه نظر ، وأجيب عما تقدم : على كفر النعمة أو على معنى قارب الكفر ، فعليها حكمه كأهل الكبائر ، فتنعكس الأحكام السابقة ، لأنه مسلم ، قال بعضهم : وإذا دفن مع المسلمين طمس قبره ، حتى ينسى ، [ ص: 308 ] وحكى النووي في شرح البخاري عن بعضهم : أنه لا يرفع قبره ، ولا يدفن في مقابر المسلمين تحقيرا له ، وزجرا لأمثاله ، وهو غريب .

فرع : الجمعة كغيرها ، وقيل : إن اعتقد وجوبها ، وصلى ظهرا أربعا ، وقلنا : هي ظهر مقصورة ، لم يكفر .

تنبيه : إذا ترك شرطا أو ركنا مجمعا عليه ، كالطهارة فكتركها ، وكذا مختلفا فيه يعتقد وجوبه ، ذكره ابن عقيل ، وخالف فيه المؤلف ، وأنه لا يكفر بترك غيرها من زكاة ، وصوم ، وحج يحرم تأخيره تهاونا ، وكسلا ، اختاره الأكثر ، وذكر ابن شهاب أنه ظاهر المذهب ، ويقتل على الأصح ، وسيأتي .

التالي السابق


الخدمات العلمية