صفحة جزء
ويصح من الزوج البالغ العاقل المختار ، ومن الصبي العاقل وعنه : لا يصح حتى يبلغ ، ومن زال عقله بسبب يعذر فيه كالمجنون ، والنائم ، والمغمى عليه ، والمبرسم - لم يقع طلاقه .

وإن زال بسبب لا يعذر فيه ، كالسكران ، ومن شرب ما يزيل عقله لغير حاجة ، ففي صحة طلاقه روايتان .

وكذلك يخرج في قتله ، وقذفه ، وسرقته ، وزناه ، وظهاره ، وإيلائه .


( ويصح من الزوج البالغ العاقل المختار ) بغير خلاف نعلمه; لأن المصحح لوقوع الطلاق موجود - وهو التكليف ، فظاهره : يقع من كتابي وسفيه ، نص عليهما ( ومن الصبي العاقل ) أي : إذا عقل [ ص: 251 ] الطلاق - في الاختيار الأكثر ، وذكره ابن هبيرة ظاهر المذهب; لقوله عليه السلام : الطلاق لمن أخذ بالساق وقال علي : كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه . ذكره البخاري ، ورواه الترمذي والدارقطني مرفوعا بإسناد فيه ضعف ( وعنه : لا يصح حتى يبلغ ) نقلها أبو طالب ، وقدمها في " المحرر " ، وجزم بها الآدمي ، وابن أبي موسى ، وهو قول أكثر العلماء; لقوله عليه السلام : رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ولأنه غير مكلف فلا يقع طلاقه كالمجنون ، وعنه : لا يقع لدون عشر ، اختاره أبو بكر ، وعنه : اثنتي عشرة سنة ، وقاله إسحاق ، وعنه : لأبي صغير ومجنون فقط الطلاق ، نصره القاضي وأصحابه ، ومن أجاز طلاقه اقتضى مذهبه أن يجوز توكيله فيه وتوكله لغيره - أومأ إليه ونصره في " الشرح " - كالبالغ ، وقال أبو بكر وحكاه عن أحمد : لا يصح أن يوكل حتى يبلغ ، وجوابه : بأنه على الرواية التي لا تجيز طلاقه .

فرع : تعتبر إرادة لفظ الطلاق لمعناه ، فلا طلاق لفقيه يكرره ، وحاك عن نفسه ، حكاه ابن عقيل كغيره .

( ومن زال عقله بسبب يعذر فيه كالمجنون ، والنائم ، والمغمى عليه ، والمبرسم - لم يقع طلاقه ) إجماعا; لقوله عليه السلام : رفع القلم عن المجنون حتى يفيق وعن أبي هريرة مرفوعا أنه قال : كل الطلاق جائز ، إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله رواه النجاد ، قال الترمذي : لا نعرفه إلا من حديث عطاء بن عجلان ، وهو ذاهب الحديث; ولأنه قول يزيل الملك ، فاعتبر له العقل كالبيع ، وسواء [ ص: 252 ] زال بجنون ، أو إغماء ، أو شرب دواء ، أو أكره على شرب الخمر ، أو شرب ما يزيل عقله ، أو لم يعلم أنه مزيل العقل ، لكن لو ذكر المغمى عليه أو المجنون لما أفاق أنه طلق - وقع - نص عليه ، قال المؤلف : هذا فيمن جنونه بذهاب معرفته بالكلية فأما المبرسم ومن به نشاف ، فلا يقع ، وفي " الروضة " : أن المبرسم والموسوس إن عقل الطلاق لزمه ، ويدخل في كلامهم : من غضب حتى أغمي أو غشي عليه . قال الشيخ تقي الدين : بلا ريب ، ويقع من غيره في ظاهر كلامهم; لأن أبا موسى أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستحمله ، فوجده غضبان ، وحلف : لا يحملهم ، وكفر . . . الحديث; ولأنه قول ابن عباس ; ولأنه من باطن كالمحبة الحاملة على الزنا ، وقال الشيخ تقي الدين : إن غيره ولم يزل عقله لم يقع; لأنه ألجأه وحمله عليه ، فأوقعه - وهو يكرهه - ليستريح منه ، فلم يبق له قصد صحيح ، فهو كالمكره; ولهذا لا يجاب دعاؤه على نفسه وماله ، ولا يلزمه نذر الطاعة فيه ، وفي صحة حكمه الخلاف ، وإنما انعقدت يمينه; لأن ضررها يزول بالكفارة ، ولهذا إتلاف .

فرع : لو ادعى أنه طلق وهو زائل العقل ، ينبني على ما إذا أقر وهو مجنون ، هل يقبل ؛ وفيه ثلاثة أقوال ، ثالثها : يقبل إن كان ممن غلب وجوده منه .

( وإن زال بسبب لا يعذر فيه ، كالسكران ، ومن شرب ما يزيل عقله لغير حاجة ، ففي صحة طلاقه روايتان ) إحداهما : يقع ، قال ابن هبيرة : هي أظهرهما ، اختارها الخلال والقاضي والأكثر; لما تقدم من قوله : كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه . وقال معاوية : كل أحد طلق امرأته جائز إلا طلاق المجنون . رواه البيهقي بإسناد [ ص: 253 ] حسن ; ولأن الصحابة جعلوه كالصاحي في الحد بالقذف ، وقال علي بمحضر من عمر وغيره : نراه إذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وعلى المفتري ثمانون . رواه مالك بإسناد جيد; ولأنه مكلف ، فوقع طلاقه كالصاحي ، بدليل القتل والقطع في السرقة .

والثانية : لا يقع ، اختارها أبو بكر والمؤلف ، ورجحه في " الشرح " ، والشيخ تقي الدين ، وقال : المكره لم يأثم في الأصح ، ونقل الميموني : كنت أقول : يقع حتى تبينته ، فغلب علي أنه لا يقع ، ونقل أبو طالب : الذي لا يأمر بالطلاق أتى خصلة ، والذي يأمر به أتى خصلتين ، حرمها عليه ، وأحلها لغيره . وذكره البخاري ، عن عثمان وابن عباس ، وهو قول جمع ، قال ابن المنذر : لا نعلم أحدا من الصحابة خالف عثمان ، وقال أحمد : حديث عثمان أرفع شيء فيه; ولأن العقل شرط للتكليف وكالمجنون ، وعنه : أنه توقف في الجواب ، ويقال : اختلف الصحابة فيه ، وذكر الشيخ تقي الدين : أن الخلاف فيمن يفهم وإلا لم يقع ، قال : وزعم طائفة من العلماء أن الخلاف إنما هو في النشوان الذي يفهم ويغلط ، فأما الذي تم سكره بحيث لا يفهم ما يقول فلا يقع منه - قولا واحدا ، والأئمة الكبار جعلوا النزاع في الكل ، وهو من يخلط في كلامه ، أو لم يعرف ثوبه أو هذى ، ولا يعتبر أن لا يعرف السماء من الأرض; لأن ذلك كان لا يخفى إلا على المجنون ( وكذلك يخرج في قتله ، وقذفه ، وسرقته ، وزناه ، وظهاره ، وإيلائه ) وإقراره ، وإسلامه ، وكل قول أو فعل يعتبر له العقل; لأن المعنى في الجميع واحد ، وعنه : كالمجنون في أقواله ، وكالصاحي في أفعاله ، وعنه : في الحد كالصاحي ، وفي غيره كالمجنون ، وعنه : أنه فيما يستقل به كعتقه وقتله بالصاحي ، وفيما لا يستقل به كبيعه ونكاحه كالمجنون ، قال جماعة : [ ص: 254 ] ولا تصح عبادته ، وقال أحمد : تقبل صلاته أربعين يوما حتى يتوب ; للخبر .

فرع : البنج ونحوه كجنون; لأنه لا لذة به ، نص عليه ، وذكر جماعة : يقع لتحريمه; ولهذا يعزر ، قال الشيخ تقي الدين : قصد إزالة العقل بلا سبب شرعي محرم ، وفي " الواضح " : إن تداوى ببنج فسكر لم يقع ، وهو ظاهر كلام جماعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية