صفحة جزء
باب صريح الطلاق وكنايته

وصريحه : لفظ الطلاق وما تصرف منه في الصحيح عنه ، وقال الخرقي : صريحه ثلاثة ألفاظ : الطلاق ، والفراق ، والسراح ، وما تصرف منهن ، فمتى أتى بصريح الطلاق وقع - نواه أو لم ينوه ، وإن نوى بقوله : أنت طالق من وثاق ، أو أراد أن يقول : طاهر ، فسبق لسانه ، أو أراد بقوله : مطلقة من زوج كان قبله ، لم تطلق ، وإذا ادعى ذلك ، دين ، وهل تقبل دعواه في الحكم ؛ على روايتين إلا أن يكون في حال الغضب ، أو بعد سؤالها الطلاق - فلا يقبل ، وفيما إذا قال : أردت أنها مطلقة من زوج قبلي ، وجه ثالث أنه يقبل إن كان وجد ، وإلا فلا .


باب

صريح الطلاق وكنايته

إنما انقسم إليها; لأنه لإزالة ملك النكاح ، فكان له صريح ، وكناية كالعتق ، [ ص: 268 ] والجامع بينهما الإزالة ، فالصريح : هو الذي يفيد حكمه من غير انضمام شيء إليه ، وعكسه : الكناية ، ويدل على معنى الصريح ، وعلم منه أن الطلاق لا يقع بغير لفظ ، فلو نواه بقلبه من غير لفظ لم يقع ، خلافا لابن سيرين والزهري ، ورد بقوله عليه السلام : إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ، ما لم تعمل أو تكلم به متفق عليه; ولأنه إزالة ملك ، فلم تحصل بمجرد النية كالعتق ، وكذا إن نواه بقلبه وأشار بأصبعه ، لم يقع ، نص عليه; لأنه ليس بصريح ولا كناية .

( وصريحه : لفظ الطلاق وما تصرف منه ) بغير أمر ومضارع ( في الصحيح عنه ) ; لأنه موضوع له على الخصوص ، ثبت له عرف الشارع والاستعمال ، فلو قال : أنت طالق ، أو الطلاق ، أو طلقتك ، أو مطلقة ، فهو صريح ، وعنه في " أنت مطلقة " : ليس بصريح; لأنه محتمل أن يريد طلاقا ماضيا ، وقيل : وطلقتك كناية ، قال في " الفروع " : فيتوجه أنه يحتمل الإنشاء والخبر ، وعلى الأول : هو إنشاء ، وذكر القاضي في مسألة الأمر : أن العقود الشرعية بلفظ الماضي إخبار ، وقال شيخنا : هذه الصيغ إنشاء من حيث إنها أثبتت الحكم وبها تم ، وهي إخبار لدلالتها على المعنى الذي في النفس ، وهذا الذي ذكره المؤلف اختاره ابن حامد ، وقدمه ابن حمدان والمجد ، وصححه في " الشرح " ، وجزم به المتأخرون; لأن الفراق والسراح يستعملان غير الطلاق كثيرا ، فلم يكونا صريحين فيه كسائر كناياته; لقوله تعالى : واعتصموا الآية [ آل عمران : 103 ] ، وما تفرق الذين أوتوا الكتاب الآية [ البينة : 4 ] وأما قوله : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [ البقرة : 229 ] فليس المراد به الطلاق ، إذ الآية في الرجعية ، وهي إذا قارنت انقضاء عدتها ، فإما أن يمسكها برجعة ، وإما أن تترك حتى تنقضي عدتها فتسرح ، فالمراد بالتسريح في الآية قريب من معناها اللغوي ، وهو الإرسال .

[ ص: 269 ] تنبيه : إذا كان اسمها طالقا ، فقال : يا طالق ، ولم يرد طلاقها ، أو أراد طلاقها ثلاثا ، فماتت بعد قوله : " أنت " ، يقع ، وإن ماتت بعد " طالق " وبعد قوله : ثلاثا ، وقع الثلاث ، وقيل : بل طلقة ، ذكره ابن حمدان .

فرع : إذا فتح تاء أنت ، طلقت ، خلافا لأبي بكر وأبي الوفاء ، ويتوجه على الخلاف لو قال لمن قال لها : كلما قلت لي قولا ولم أقل لك مثله ، فأنت طالق ، فقال لها مثله - طلقت ولو علقه . ولو كسر التاء ، تخلص ، وبقي معلقا ، ذكره ابن عقيل قال : وله جواب آخر بقوله بفتح التاء ، فلا يجب ، قال ابن الجوزي : وله التمادي إلى قبيل الموت ، وقيل : لا يقع شيء; لأن استثناء ذلك معلوم ، فزوجتك بفتح ونحوه يتوجه مثله ، وصححه المؤلف ، وقيل : من عامي ، وفي " الرعاية " : يصح جهلا أو عجزا ، وإلا احتمل وجهين .

( وقال الخرقي ) وأبو بكر ، ونصره القاضي وغيره ، وفي " الواضح " اختاره الأكثر : ( صريحه ثلاثة ألفاظ : الطلاق - إجماعا ، والفراق ، والسراح ) كالطلاق لورودهما في الكتاب العزيز; لقوله تعالى : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [ البقرة : 229 ] ; ولقوله تعالى : فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف [ الطلاق : 2 ] وإن يتفرقا الآية; ولقوله تعالى : فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا [ الأحزاب : 28 ] ; ولأنهما فرقة بين الزوجين ، فكانا صريحين فيه كلفظ الطلاق ( وما تصرف منهن ) كالمتصرف من الطلاق ، والأول أصح; لأنه لا يصح القياس على لفظ الطلاق ، فإنه مختص بذلك سابق إلى الأفهام من غير قرينة ولا دلالة ( فمتى أتى بصريح الطلاق وقع - نواه أو لم ينوه ) بغير خلاف ، ذكره في " الشرح " ; لأن سائر الصرائح لا تفتقر إلى نية ، فكذا صريح الطلاق ، سواء كان ذلك جادا أو هازلا ، حكاه ابن المنذر إجماع من [ ص: 270 ] يحفظ عنه ، وسنده ما روى أبو هريرة مرفوعا : ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح ، والطلاق ، والرجعة رواه أبو داود ، والترمذي ، وقال : حسن غريب .

وعنه : أن الصريح يفتقر إلى نية أو دلالة حال ، من غضب ، أو محاورة في كلام .

( وإن نوى بقوله : أنت طالق من وثاق ) هو بكسر الواو وفتحها : ما يوثق به الشيء من حبل ونحوه ( أو أراد أن يقول : طاهر ، فسبق لسانه ) فقال : طالق; لأن ذلك جار مجرى لفظ الحاكي ( أو أراد بقوله : مطلقة من زوج كان قبله ، لم تطلق ) ; لأنه قصد عدم إيقاع طلاقها ، فوجب ألا يقع ، كما لو اتصل بكلامه : أنت طالق من وثاق ( وإذا ادعى ذلك ، دين ) باطنا; لأنه أعلم بما أراد ، ولا يمكن الاطلاع على ذلك إلا من جهته ، وعنه : كهازل على الأصح ( وهل تقبل دعواه في الحكم ) ولا قرينة ( على روايتين ) إحداهما : تقبل ، وهو ظاهر كلامه; لأنه فسر كلامه بما يحتمله احتمالا غير بعيد ، فقبل ، كما لو كرر لفظ الطلاق ، وأراد بالثانية التأكيد ، والثانية - وهي الأشهر ، وقدمها في " الرعاية " : أنه لا تقبل; لأنه خلاف ما يقتضيه الظاهر في العرف ، فلم يقبل في الحكم ، كما لو أقر بعشرة ، ثم قال : زيوفا ، أو إلى شهر ( إلا ) على الأولى ( أن يكون في حال الغضب ، أو بعد سؤالها الطلاق - فلا يقبل ) ; لأنه خالف الظاهر من جهتين : مقتضى اللفظ ، ودلالة الحال ( وفيما إذا قال : أردت أنها مطلقة من زوج قبلي وجه ثالث أنه يقبل إن كان وجد ) ; لأن كلامه يحتمل الصدق ( وإلا فلا ) أي : لا يقبل إن لم يكن وجد; لأنه لا يحتمله ، وكذا قبل لو قال : طلقتها ، ثم قال : في نكاح آخر ، وقيل : [ ص: 271 ] إن لم يرفع إلى حاكم ، فلو ادعى أنه كان هازلا ، فالأظهر أنه لا يدين هو ، ولا سكران ، كما لا يقبل منهما في الحكم .

فرع : إذا قال : أنت طالق ، ثم قال : أردت إن قمت - قبل ، وقيل : لا ، ويتوجه مثله إن علقه بشرط شهدت به بينة ، وادعى أن معه شرطا آخر ، وأوقعه في " الفنون " وغيره ; لأنه لا يقبل قول الإنسان في رد شاهدين ، كما لو أقر أنه وكيل فلان ببيع ، ثم ادعى عزلا أو خيارا .

التالي السابق


الخدمات العلمية