صفحة جزء
ولو قيل له : طلقت امرأتك ؛ قال : نعم ، وأراد الكذب - طلقت ، ولو قيل له : ألك امرأة ؛ قال : لا ، وأراد الكذب ، لم تطلق ، وإن لطم امرأته أو أطعمها أو سقاها ، وقال : هذا طلاقك - طلقت ، إلا أن ينوي أن هذا سبب طلاقك أو نحو ذلك ، وإن قال : أنت طالق لا شيء ، أو ليس بشيء ، أو لا يلزمك - طلقت ، وإن قال : أنت طالق أو لا ، أو طالق واحدة أو لا - لم يقع ، ويحتمل أن يقع ، وإن كتب طلاق امرأته ، ونوى الإيقاع - وقع ، وإن نوى تجويد خطه ، أو غم أهله ، لم يقع ، وهل تقبل دعواه في الحكم ؛ على روايتين ، فإن لم ينو شيئا ، فهل يقع ؛ على روايتين ، وإن كتبه بشيء لا يتبين ، لم يقع .


( ولو قيل له : طلقت امرأتك ؛ قال : نعم ، وأراد الكذب - طلقت ) وإن لم ينو; لأن " نعم " صريح في الجواب ، والجواب الصريح للفظ الصريح صريح ، ولأنه لو قال : عليك ألف ؛ قال : نعم - وجبت ، فلو قيل له : طلقت امرأتك ؛ فقال : قد كان بعض ذلك ، وقال : أردت الإيقاع - وقع ، وإن قال : أردت أني علقت طلاقها بشرط - قبل ، ولو قيل له : أخليتها ؛ قال : نعم ، فكناية ( ولو قيل له : ألك امرأة ؛ قال : لا ، وأراد الكذب ، لم تطلق ) ; لأن قوله : مالي امرأة كناية تفتقر إلى نية الطلاق ، فإذا نوى الكذب فما نوى الطلاق ، فلم يقع ، وقيل : تطلق في الحكم ، كقوله : كنت طلقتها ، وهكذا إذا نوى أنه ليس لي امرأة تخدمني أو ترضيني ، أو لا امرأة لي ، أو لم ينو شيئا ، لم تطلق لعدم النية المشترطة في الكناية .

فرع : من شهد عليه بطلاق ثلاث ، ثم أفتى بأنه لا شيء عليه ، لم يؤاخذ بإقراره لمعرفة مستنده ، ويقبل بيمينه أن مستنده في إقراره ذلك ممن يجهله مثله ، ذكره الشيخ تقي الدين ، واقتصر عليه في " الفروع " .

( وإن لطم امرأته ) أو أخرجها من دارها ، أو ألبسها ثوبا ، أو قبلها و [ ص: 272 ] قال : هذا طلاقك ، طلقت إن نواه; لأنه كناية ، والمنصوص أنه صريح ، فيقع مطلقا ، قال أصحابنا : وعلى قياسه ( إذا أطعمها أو سقاها ، وقال : هذا طلاقك - طلقت ) اختاره ابن حامد ; لأن تقريره : أوقعت عليك طلاقا هذا الفعل من أجله ، فعلى هذا يكون صريحا ، وقال أكثر الفقهاء : لا يقع به وإن نوى ، والأشهر : أنه كناية; لأنه يحتمل التفسير المذكور ، ويحتمل أن يكون سببا للطلاق; لكون الطلاق معلقا عليه ، فصح أن يعبر به عنه; لأن الكناية ما احتمل الطلاق ، وهذا محتمل ، ويحتمل أنه كناية; لأنه يحتاج إلى تقدير ، والصريح لا يحتاجه ، فإن كان ذلك جوابا عن سؤالها الطلاق ، أو في حال الغضب - وقع ( إلا أن ينوي أن هذا سبب طلاقك أو نحو ذلك ) فيدين; لأنه إذا نوى بالصريح عدم وقوع الطلاق ، لم يقع ، فلأن لا يقع هذا بطريق الأولى ، والأصح : أنه يقبل في الحكم; لأنه يجوز أن يكون سببا له في زمان بعد هذا الزمان ، وفي " الترغيب " : لو أطعمها أو سقاها ففي كونه كالضرب وجهان .

( وإن قال : أنت طالق لا شيء ، أو ليس بشيء ، أو لا يلزمك ) ، أو لا يقع عليك ، أو طالق طلقة لا ينقص بها عدد الطلاق - ( طلقت ) بغير خلاف نعلمه; لأن ذلك رفع لجميع ما تناوله اللفظ ، فلم يصح كاستثناء الجميع ، وفي " الرعاية " - في " أنت طالق لا شيء " - وجه أنه لا يقع ( وإن قال : أنت طالق أو لا ، أو طالق واحدة أو لا - لم يقع ) على الأشهر; لأن هذا استفهام ، فإذا اتصل به ، خرج عن أن يكون لفظا للإيقاع ، وبهذا فارق الأولى; لأنه إيقاع لم يعارضه استفهام ، وظاهره : أنهما سواء ، وهو وجه لاستوائها في الاستفهام ، وفي آخر : تطلق في الثانية . [ ص: 273 ] واحدة دون الأولى ؛ لأن قوله : " أولا " يرجع إلى ما يليه من لفظ واحدة دون لفظ الإيقاع ، فيصير كأنه قال : أنت طالق ، وفرق في " المغني " و " الشرح " بينهما ؛ لأن الواحدة صفة للطلقة الواقعة ، فما اتصل بهما يرجع إليهما ، فصارت كالأولى ( ويحتمل أن يقع ) ؛ لأن الاستفهام يكون بالهمزة ونحوها ، فيقع ما أوقعه ، ولا يرتفع بما ذكر بعده ( وإن كتب طلاق امرأته ) بشيء يبين ( ونوى الإيقاع - وقع ) رواية واحدة ؛ لأن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق ، أشبهت النطق ؛ ولأن الكتابة تقوم مقام الكاتب ، بدليل أنه - عليه السلام - كان مأمورا بتبليغ الرسالة ، فبلغ بالقول مرة ، وبالكتابة أخرى ؛ ولأن كتاب القاضي يقوم مقام نطقه في إثبات الديون . وعنه : أنه صريح ، نصره القاضي وأصحابه ، وذكره الحلواني عن أصحابنا ، ويتخرج أنه لغو ، واختاره ابن حمدان بناء على إقراره بخطه ، وفيه وجهان ، قال في " الفروع " : ويتوجه عليهما صحة الولاية بالخط ، وصحة الحكم به .

( وإن نوى تجويد خطه ، أو غم أهله ، لم يقع ) ؛ لأنه نوى باللفظ غير الإيقاع ، فالكتابة أولى ، وعنه : بلى ؛ لأن تجويد الخط وغم أهله لا ينافي الإيقاع ، وجوابه : بأن نية ذلك يدل على أنه لم يوجد منه الطلاق : فلم يقع لفوات شرطه .

( وهل تقبل دعواه في الحكم ؛ على روايتين ) أصحهما : أنه يقبل ؛ لأن ذلك يقبل في اللفظ الصريح على قول ، فهنا أولى ؛ ولأنه إذا أراد غم أهله بتوهم الطلاق دون حقيقته ، فلا يكون ناويا للطلاق .

والثانية : لا يقبل ؛ لقوله - عليه السلام - : إن الله تجاوز لأمتي الخبر ؛ ولأن غم أهله يحصل بالطلاق ، فيجتمع غم أهله ووقوع طلاقه .

والجواب : أنه يدل على مؤاخذته بما نواه عند العمل به أو الكلام ، فإن قرأ [ ص: 274 ] ما كتبه ففي قبوله حكما الخلاف ، قاله في " الترغيب " ( فإن لم ينو شيئا ، فهل يقع ؛ على وجهين ) وذكر أبو الخطاب أن الشريف خرجها في " الإرشاد " على روايتين إحداهما : يقع ، قاله الشعبي والنخعي والحكم ؛ لأن الكتابة تقوم مقام اللفظ ، والثانية : لا يقع إلا بنية ؛ لأن الكتابة محتملة ، فإنه قد يقصد بها تجربة القلم وتجويد الخط ، فلم يقع من غير نية كالكنايات في الطلاق .

( وإن كتبه بشيء لا يتبين ) كالكتابة على الهواء أو في ماء ( لم يقع ) في ظاهر كلامه ؛ لأن الكتابة بما لا تثبت ، كالهمس بلسانه بما لا يسمع .

( وقال أبو حفص : يقع ) ورواه الأثرم عن الشعبي ، أشبه ما لو كتبه بشيء يبين ، والفرق واضح ، وعلم منه أن الطلاق لا يقع بغير لفظ إلا في موضعين أحدهما : الكتابة بشرطه ، والثاني : الأخرس ، فإنه إذا طلق بالإشارة فإنه يقع بغير خلاف علمناه ، فلو فهمها البعض ، فكناية ، وتأويله مع صريح كالنطق ، وكتابته طلاق ، ويقع من العدد ما أشار إليه ، وفي " الشرح " : إذا أشار بأصابعه الثلاث لم يقع إلا واحدة ؛ لأن إشارته لا تكفي .

التالي السابق


الخدمات العلمية