صفحة جزء
ومتى نوى بالكتابة الطلاق ، وقع بالظاهرة ثلاث ، وإن نوى واحدة ، وعنه : يقع ما نواه ، وعنه : ما يدل على أنه يقع واحدة بائنة ، ويقع بالخفية ما نواه ، فإن لم ينو عددا ، وقع واحدة ، وأما ما لا يدل على الطلاق نحو : كلي ، واشربي ، واقعدي ، واقربي ، وبارك الله فيك ، وأنت مليحة أو قبيحة - فلا يقع بها طلاق ، وإن نوى ، وكذا قوله : أنا طالق ، فإن قال : أنا منك طالق ، فكذلك ويحتمل أنه كناية ، وإن قال : أنا منك بائن أو حرام ، فهل هو كناية أو لا ؛ على وجهين .


( ومتى نوى بالكتابة الطلاق ) وقع بها رجعي ما لم يقع به الثلاث في ظاهر المذهب ، ويشترط فيها أن تكون مقارنة للفظ ، وقيل : أوله في " الرعاية " أو قبله ، وعنه : مع خصومة وغضب ، قطع به أبو الفرج وغيره ( وقع بالظاهرة ثلاث ، وإن نوى واحدة ) هذا ظاهر المذهب ، روي ذلك عن علي ، وابن عمر ، وزيد بن ثابت ، [ ص: 279 ] وابن عباس ، وأبي هريرة في وقائع مختلفة ، ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة ؛ ولأنه لفظ يقتضي البينونة بالطلاق ، فوقع ثلاثا ، كما لو طلق ثلاثا ، وإفضاؤه إلى البينونة ظاهر ، وظاهره : لا فرق بين المدخول بها وغيرها ؛ لأن الصحابة لم يفرقوا ؛ ولأن كل لفظة أوجبت الثلاث في حق المدخول بها ، أوجبتها في غيرها ، كأنت طالق ثلاثا ، وحديث ركانة ضعفه أحمد وغيره .

( وعنه : يقع ما نواه ) اختاره أبو الخطاب ؛ لما روى ركانة أنه طلق امرأته البتة ، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، فقال : والله ما أردت إلا واحدة ، فقال ركانة : والله ما أردت إلا واحدة ، فردها إليه النبي _ صلى الله عليه وسلم - ، فطلقها الثانية في زمن عمر ، والثالثة في زمن عثمان وفي لفظ قال : هو ما أردت ، رواه أبو داود ، وصححه ابن ماجه ، والترمذي وقال : سألت محمدا - يعني : البخاري - عن هذا الحديث ، فقال : فيه اضطراب ؛ ولأنه - عليه السلام - قال لابنة الجون : الحقي بأهلك وهو لا يطلق ثلاثا .

( وعنه : ما يدل على أنه يقع واحدة بائنة ) نقلها حنبل ؛ لأن لفظه اقتضى البينونة دون العدد ، فوقعت واحدة بائنة كالخلع ، واعلم أن كلام أكثر الأصحاب كالمؤلف ، وخالفهم المجد فجعل الخلاف في قبول قوله في دعوى عدم النية ، فإنه قال : ولا يقع بكناية إلا بنية ، فإن كان في حال خصومة أو غضب ، أو ذكر الطلاق ، وقال : لم أرد بها الطلاق - قبل منه ، وعنه : لا يقبل في الحكم خاصة ، وقيل : يقبل منه في الألفاظ التي يكثر استعمالها في غير الطلاق ، فإذا نوى بالكناية الظاهرة الطلاق لزمه الثلاث ، إلا أن ينوي دونها فيدين فيه ، ويكون رجعيا ، وفي قبوله في الحكم روايتان ، وعنه : يقطع طلقة بائنة .

[ ص: 280 ] فرع : إذا قال : أنت طالق بائن ، أو البتة ، بلا رجعة ، فالخلاف السابق ذكره معظم الأصحاب ، زاد في " الشرح " : أنه لا يحتاج إلى نية ؛ لأنه وصف بها الطلاق الصريح ، فإن قال : أنت واحدة بائنة أو بتة ، فرجعية ، وعنه : بائنة ، وعنه : ثلاث ، كأنت طالق واحدة ثلاثا ، وفي " الفصول " عن أبي بكر في " أنت طالق ثلاثا واحدة " : تقع واحدة ؛ لأنه وصف الواحدة بالثلاث ، وليس كذلك ؛ لأنه إنما وصف الثلاث بالواحدة ، فوقعت الثلاث ، ولغا الوصف .

( ويقع بالخفية ما نواه ) ؛ لأن اللفظ لا دلالة له على العدد ، والخفية ليست في معنى الظاهرة ، فوجب اعتبار النية ، ويكون الواقع رجعيا فيما إذا نواها ، وإن نوى أكثر في غير : أنت واحدة ، قاله القاضي والمؤلف ، وقع ( فإن لم ينو عددا ، وقع واحدة ) ؛ لأنها اليقين ( وأما ما لا يدل على الطلاق - نحو : كلي ، واشربي ، واقعدي ، واقربي ، وبارك الله فيك ، وأنت مليحة أو قبيحة - فلا يقع بها طلاق ) ؛ لأنه ليس بكناية ( وإن نوى ) ؛ لأن اللفظ لا يحتمل الطلاق فيه ، فلو وقع به الطلاق وقع بمجرد النية .

وقيل : كلي واشربي كناية ؛ لأنه يحتمل : كلي ألم الطلاق ، واشربي كأس الفراق ، فوقع كتجرعي ، وجوابه : أن اللفظ لا يستعمل إلا فيما لا ضرر فيه ، نحو قوله تعالى : كلوا واشربوا هنيئا [ الحاقة : 24 ] فكلوه هنيئا مريئا [ النساء : 4 ] فلم تكن كناية ، وفارق تجرعي وذوقي ، فإنه يستعمل في المكاره ؛ لقوله تعالى : ذق إنك أنت العزيز الكريم [ الدخان : 49 ] ( وكذا قوله : أنا طالق ) ؛ لأن الزوج ليس محلا للطلاق .

( فإن قال : أنا منك طالق ، فكذلك ) أي : لا تطلق زوجته ، نص عليه [ ص: 281 ] في رواية الأثرم ، وقاله ابن عباس ، رواه أبو عبيد والأثرم ؛ ولأن الرجل مالك في النكاح ، والمرأة مملوكة ، فلم يقع بإضافة الإزالة إلى المالك كالعتق ( ويحتمل أنه كناية ) تطلق به بالنية ، روي عن عمر وابن مسعود ؛ لأن الطلاق إزالة النكاح ، وهو مشترك بينهما ، فإذا صح في أحدهما صح في الآخر ، والأول أولى ؛ لأنه لا خلاف أن الطلاق المذكور لا يقع من غير نية ، ولو ساوى الرجل المرأة لوقع بغير نية ، كما لو قال لها : أنت طالق ؛ ولأن وقوعه هنا يستلزم وقوعه في : أنا طالق ، إذ لا فرق بينهما .

( وإن قال : أنا منك بائن أو حرام ) أو بريء ( فهل هو كناية أو لا ؛ على وجهين ) كذا أطلقهما في " الفروع " ، وهذه المسألة توقف عنها أحمد ، أشهرهما : أنه لغو ؛ لأن الرجل محل لا يقع الطلاق بإضافة صريحه إليه ، فلم يقع بإضافة كنايته إليه كالأجنبي .

والثاني : كناية ؛ لأن هذا اللفظ يوصف به كل من الزوجين ، يقال : بان منها ، وبانت منه ، وحرم عليها ، وحرمت عليه ، وبرئ منها ، وبرئت منه ، وكذا لفظ الفرقة ، فإن قال : أنا بائن - بحذف منك - ، فذكر القاضي إذا قال : أمرك بيدك ، فقالت : أنت بائن ، ولم تقل : مني - أنه لا يقع ، وجها واحدا ، وإن قالت : أنت مني بائن ، فعلى وجهين ، فيخرج هنا مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية