صفحة جزء
فصل

فيما تخالف المدخول بها غيرها

إذا قال لمدخول بها : أنت طالق ، أنت طالق ، طلقت طلقتين ، إلا أن ينوي بالثانية التأكيد أو إفهامها ، وإن قال لها : أنت طالق فطالق ، أو ثم طالق ، أو بل طالق ، أو طالق طلقة ، بل طلقتين ، أو بل طلقة ، أو طالق طلقة بعدها طلقة ، أو قبل طلقة - طلقت طلقتين ، وإن كانت غير مدخول بها بانت بالأولى ، ولم يلزمها ما بعدها ، وإن قال لها : أنت طالق طلقة قبلها طلقة ، فكذلك عند القاضي ، وعند أبي الخطاب : تطلق اثنتين ، ويقعان معا ، وإن قال : أنت طالق طلقة معها طلقة ، أو مع طلقة ، أو طالق وطالق - طلقت طلقتين ، والمعلق كالمنجز في هذا ، فإن قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ، وطالق ، أو طالق طلقة معها طلقة ، أو مع طلقة ، فدخلت - طلقت طلقتين ، وإن قال : إن دخلت فأنت طالق فطالق ، أو ثم طالق ، فدخلت - طلقت طلقة واحدة إن كانت غير مدخول بها ، واثنتين إن كانت مدخولا بها ، وإن قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ، إن دخلت الدار فأنت طالق ، فدخلت - طلقت طلقتين بكل حال .


فصل

فيما تخالف المدخول بها غيرها

( إذا قال لمدخول بها : أنت طالق ، أنت طالق ، طلقت طلقتين ) بغير خلاف ؛ لأن كل واحد يقتضي وقوعا إذا ، وكذا إذا اجتمع مع غيره ، وإن قاله ثلاثا طلقت ثلاثا ، أشبه ما لو قال : أنت طالق ثلاثا ( إلا أن ينوي بالثانية التأكيد أو إفهامها ) ؛ لأنه قصد بالثاني غير الأول ، فلم يقع به شيء ، وشرطه الاتصال ، فلو قال : أنت طالق ، ثم مضى زمن طويل ، ثم أعاد ذلك لها ، طلقت ثانية ، ولم يقبل منه التأكيد ؛ لأنه تابع للكلام ، فقبل متصلا كسائر التوابع من العطف والصفة والبدل ، فلو نوى بالثانية تأكيد الأولى لم يقبل ، ووقع الثلاث ، وإن أكد الثانية بالثالثة ، ففي قبوله بالحكم روايتان ، قال في " الفروع " : [ ص: 302 ] ويتوجه مع الإطلاق وجه كإقرار ، وقد نقل أبو داود في قوله : اعتدي اعتدي ، فأراد الطلاق ، هي تطليقة .

تنبيه : إذا قال : أنت طالق طالق ، فهي واحدة ؛ لأن اللفظ الثاني لا يصلح للاستئناف ، فيصرف إلى التأكيد ؛ كقوله - عليه السلام - : فنكاحها باطل باطل وإن قصد بالثانية الإيقاع ، طلقت طلقتين ، ويقدر له ما يتم الكلام به ، فلو قال : أنت طالق وطالق وطالق - فثلاث ، نص عليه ، وعنه : تبين قبل الدخول بالأولى بناء على أن الواو للترتيب ، ولو قال : طالق ، وكرره - وقعن ، ولو قصد التأكيد - قبل منه ؛ لأن الطلاق تكرر للتأكيد ، وكان قبل الأخيرة " أنت " ، ومقتضاه أنه إذا لم ينو شيئا لم يقع إلا واحدة ، وصرح به في " المغني " ؛ لأنه لم يأت بحرف يقتضي المغايرة .

فرع : إذا أتى شرط أو استثناء أو صفة عقب جملة ، اختص بها ، بخلاف المعطوف والمعطوف عليه .

( وإن قال لها : أنت طالق فطالق ، أو ثم طالق ، أو بل طالق ، أو طالق طلقة ، بل طلقتين ، أو بل طلقة ، أو طالق طلقة بعدها طلقة ، أو قبل طلقة - طلقت طلقتين ) .

وفيه مسائل : الأولى : إذا قال : أنت طالق فطالق - تقع طلقتان ؛ لأن الثانية صادفت محل النكاح ، فيقع ؛ ولأن الفاء تقتضي الجمع مع التعقيب ، وثم تقتضيه مع التراخي .

الثانية : إذا قال : أنت طالق ، بل طالق ، تطلق طلقتين ؛ لأن الأول اقتضى إيقاع طلقة ، والطلاق لا يرتفع بعد وقوعه ، والثاني : يقتضي إيقاع طلقة ؛ لأن بل لإثبات الثاني ، والإضراب عن الأول ، فإذا لم يصح إضرابه ، وجب وقوعهما جميعا ، [ ص: 303 ] وعنه : في أنت طالق طلقة بل طلقة أو طالق بل طالق واحدة ، كما لو قال : له علي درهم بل درهم .

الثالثة : إذا قال : أنت طالق طلقة ، بل طلقتين ، أو بل طلقة - تقع ثنتان لما ذكرنا ، وأوقع أبو بكر وابن الزاغوني في " طلقة بل طلقتين " ثلاثا ؛ لأن الأول إيقاع واحدة ، والثاني : يقتضي إيقاع طلقتين ، والمنصوص أنه تقع ثنتان ؛ لأن الأولى يصح دخولها في الثنتين ، فلا يكون الإضراب عنها مستدركا ؛ لأن فيه زيادة فائدة ، وهو الوقوع ، والثانية ظاهرة .

الرابعة : إذا قال : أنت طالق طلقة بعدها طلقة ، أو قبل طلقة ، فإنها تطلق اثنتين ؛ لأن ذلك صريح في الجمع ، والمحل يحتمله ، فإن أراد في " بعدها طلقة " : سأوقعها ، ففي الحكم روايتان ، وفي " الروضة " : لا يقبل حكما ، وفي الباطن روايتان ، وقيل : تطلق واحدة ، قطع به في " قبل طلقة " في " المذهب " و " المستوعب " وزاد بعد طلقة .

( وإن كانت غير مدخول بها بانت بالأولى ) ؛ لأنها صادفت محلا ( ولم يلزمها ما بعدها ) ؛ لأنها بائن ، فلم يلحقها طلاق كالأجنبية ( وإن قال لها : أنت طالق طلقة قبلها طلقة ، فكذلك عند القاضي ) أي : تطلق واحدة إذا كانت غير مدخول بها ؛ لأنه طلاق بعضه قبل بعض ، فلم يقع بغير المدخول بها جميعه ، كما لو قال : طلقة بعد طلقة ( وعند أبي الخطاب : تطلق اثنتين ) وقاله أبو بكر ( ويقعان معا ) ؛ لأنه استحال وقوع الطلقة الأخرى قبل الطلقة الموقعة ، فوقعت معها ؛ لأنها لما تأخرت عن الزمن الذي قصد إيقاعها فيه لكونه زمنا ماضيا - وجب إيقاعها في أقرب الأزمنة إليه ، وهو معها ، ولا يلزم تأخيرها إلى ما بعدها ؛ لأن قبله زمنا يمكن الوقوع فيه ، وهو زمن قريب ، فلا يؤخر إلى البعيد .

[ ص: 304 ] ( وإن قال : أنت طالق طلقة معها طلقة ) أو مع طلقة ، طلقت اثنتين ؛ لأن لفظه يقتضي وقوعهما معا ، كما لو قال : أنت طالق اثنتين ، فلو قال : معها اثنتان وقع ثلاث في قياس المذهب ، وكذا إن قال : أنت طالق طلقة تحت طلقة ، أو تحتها ، أو فوق طلقة ، أو فوقها ( أو مع طلقة ، أو طالق وطالق - طلقت طلقتين ) ؛ لأن الواو تقتضي الجمع ولا ترتيب فيها ؛ ولأن الكلام إنما يتم بآخره في الشرط والصفة والاستثناء ، فكذا في العطف ، ويفرق بينها ، فإن الثلاثة مغيرة له بخلاف العطف ، فإنه لا يغير ، وجوابه : أن العطف هنا يبين عدد الواقع فهو كالصفة .

تنبيه : إذا غاير بين الحروف ونوى التأكيد - لم يقبل منه ؛ لأنه إنما يكون بتكرير الأول بصورته ، وإن قال : أنت مطلقة ، أنت مسرحة ، أنت مفارقة ، ونوى التأكيد بالثانية والثالثة - قبل ؛ لأنه لم يغاير بينها بالحروف الموضوعة للمغايرة بين الألفاظ ، بل أعاد اللفظ بمعناه ، ومثل هذا يعاد توكيدا ، فلو عطف فقال : مطلقة ، ومسرحة ، ومفارقة ، وقال : أردت التأكيد - فاحتمالان .

( والمعلق كالمنجز في هذا ) ؛ لأن المعلق على الشرط يجب تحققه عند وجود الشرط ، فيجب أن يقع على الصفة التي كان يقع عليها لو كان منجزا - تقدم الشرط أو تأخر - ( فلو قال لها : إن دخلت الدار فأنت طالق ، وطالق ، أو طالق طلقة معها طلقة ، أو مع طلقة ، فدخلت - طلقت طلقتين ) ؛ لأنه وجد شرط وقوعهما معا ، أشبه ما لو قال : أنت طالق اثنتين ، فلو كرره ثلاثا بالجزاء أو مع طلقتين - طلقت ثلاثا ( وإن قال : إن دخلت فأنت طالق فطالق ، أو ثم طالق ، فدخلت - طلقت طلقة واحدة إن كانت غير مدخول بها ) ؛ لأنها تبين بالأولى ، [ ص: 305 ] فيجب ألا يلحقها ما بعدها ( واثنتين إن كانت مدخولا بها ) ؛ لأنها لا تبين بالأولى ، فيتعين إيقاع الثانية أيضا ، وفي " المغني " عن القاضي : تطلق من لم يدخل بها طلقة منجزا ، كذا قال ، والذي اختاره القاضي وجماعة : أن " ثم " كسكتة لتراخيها ، فيتعلق بالشرط معها طلقة ، فيقع بالمدخول بها ثنتان ، واحدة إذن ، وطلقة بالشرط ، ويقع بغيرها إن قدم الشرط الثانية ، والثالثة لغو ، والأولى معلقة ، وإن أخره فطلقة منجزة والباقي لغو ، وفي " المذهب " فيما إذا تقدم الشرط أن القاضي أوقع واحدة فقط في الحال ، وذكر أبو يعلى الصغير أن المعلق كالمنجز ؛ لأن اللغة لم تفرق ، وأنه إذا أخر الشرط فطلقة منجزة ، وإن قدمه لم يقع إلا طلقة بالشرط ( وإن قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ، إن دخلت الدار فأنت طالق ، فدخلت - طلقت طلقتين بكل حال ) ؛ لأن التعليق يقتضي إيقاع الطلاق بشرط الدخول ، وقد كرر التعليق ، فيتكرر الوقوع ، كما لو قال : إن دخلت الدار فأنت طالق طلقتين ، وإن كرر الشرط ثلاثا طلقت ثلاثا - في قول الجميع - لأن الصفة وجدت ، فاقتضى وقوع الثلاث دفعة واحدة . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية