صفحة جزء
باب

الطلاق في الماضي والمستقبل

إذا قال : أنت طالق أمس ، أو قبل أن أنكحك ، ينوي الإيقاع - وقع ، فإن لم ينو ، لم يقع في ظاهر كلامه وقال القاضي : يقع ، وحكي عن أبي بكر : لا يقع إذا قال : أنت طالق أمس ، ويقع إذا قال : قبل أن أنكحك ، فإن قال : أردت أن زوجا قبلي طلقها ، أو طلقتها في نكاح قبل هذا - قبل منه ، إذا احتمل الصدق في ظاهر كلام أحمد ، فإن مات ، أو جن ، أو خرس قبل العلم بمراده ، فهل تطلق ؛ على وجهين ، وإن قال : أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر ، فقدم قبل مضي شهر لم تطلق ، وإن قدم بعد شهر وجزء يقع الطلاق فيه ، تبينا وقوعه فيه ، فإن خالعها بعد اليمين بيوم ، وكان الطلاق بائنا ، ثم قدم زيد بعد الشهر بيومين ، صح الخلع ، وبطل الطلاق ، وإن قدم بعد شهر وساعة ، وقع الطلاق دون الخلع ، وإن قال : أنت طالق قبل موتي ، طلقت في الحال ، فإن قال : بعد موتي ، أو مع موتي - لم تطلق ، وإن تزوج أمة أبيه ، ثم قال : إذا مات أبي أو اشتريتك فأنت طالق ، فمات أبوه أو اشتراها - لم تطلق ، ويحتمل أن تطلق ، وإن كانت مدبرة فمات أبوه - وقع الطلاق والعتق .


باب

الطلاق في الماضي والمستقبل

( إذا قال : أنت طالق أمس ، أو قبل أن أنكحك ، ينوي الإيقاع - وقع ) ؛ لأنه اعترف على نفسه بما هو أغلظ ( فإن لم ينو ، لم يقع في ظاهر كلامه ) وجزم به في " الوجيز " وغيره ؛ لأنه أضافه إلى زمن يستحيل وقوعه فيه ، وهو الزمن الماضي وقبل نكاحه ، فلم يقع ، كما لو قال : أنت طالق قبل قدوم زيد بيومين ، فقدم [ ص: 310 ] اليوم ، فإنه لا خلاف عند أصحابنا أنه لا يقع ( وقال القاضي : يقع ) ولو لم ينوه ، وهو رواية ؛ لأنه وصف الطلقة بما لا تتصف به ، فلغت الصفة ، ووقع الطلاق ، كما لو قال لآيسة : أنت طالق للبدعة ( وحكي عن أبي بكر : لا يقع إذا قال : أنت طالق أمس ) ؛ لعدم إمكان وقوع الطلاق فيه ( ويقع إذا قال : قبل أن أنكحك ) ؛ لأنه يمكن أن يتزوجها ثانيا ، وهذا الوقت قبله ، فيقع فيه بخلاف الأولى ، قاله القاضي ، وعنه : في الأولى إن كانت زوجته أمس ، فإن قال : أردت أني طلقتها أمس - طلقت بإقراره ، ولزمتها العدة في يومها ؛ لاعترافها أن أمس لم يكن من عدتها ( فإن قال : أردت أن زوجا قبلي طلقها ، أو طلقتها في نكاح قبل هذا - قبل منه ، إذا احتمل الصدق في ظاهر كلام أحمد ) ؛ لأنه فسر كلامه بما يحتمله ، وقوله : إذا احتمل الصدق مشعر بأنه يشترط أن يكون قد وجد ؛ لأنه إذا لم يوجد ، لم يكن كلامه محتملا للصدق ، وفي " المغني " : إن لم يكن وجد ، وقع طلاقه ، ذكره أبو الخطاب ، وقال القاضي : يقبل ظاهر كلامه ، ولم يشترط الوجود ، فإذن فيه وجهان ، وعلى الأول ما لم تكذبه من غضب ، أو سؤالها الطلاق ونحوه ( فإن مات ) القائل ( أو جن ، أو خرس قبل العلم بمراده ، فهل تطلق ) المقول لها ؛ ( على وجهين ) بناء على الخلاف في اشتراط النية في وقوع الطلاق المتقدم ذكره ، فإن قيل باشتراطه ، لم تطلق ؛ لأن شرط الطلاق النية ، ولم يتحقق وجودها ، وإن قيل بعدم اشتراطها ، طلقت ؛ لأن المقتضي للوقوع قد وجد ، فوجب العمل به .

( وإن قال : أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر ) فلها النفقة ( فقدم قبل مضي [ ص: 311 ] شهر لم تطلق ) بغير خلاف بين أصحابنا ؛ لأنه تعليق للطلاق على صفة ممكنة الوجود ، فوجب اعتبارها ، ذكره في " الشرح " وغيره ، وفيه وجه : تطلق بناء على قوله : أنت طالق أمس ، وجزم به الحلواني ، فلو قدم مع مضي الشهر لم تطلق ؛ لأنه لا بد من جزء يقع الطلاق فيه ( وإن قدم بعد شهر وجزء يقع الطلاق فيه ، تبينا وقوعه فيه ) ؛ لأنه أوقع الطلاق في زمن على الصفة ، فإذا حصلت ، وقع ، كما لو قال : أنت طالق قبل شهر رمضان بشهر ، أو قبل موتك بشهر ، فلو وطئها ، كان محرما ، ولها المهر ( فإن خالعها بعد اليمين بيوم ) فأكثر ( وكان الطلاق بائنا ، ثم قدم زيد بعد الشهر بيومين ، صح الخلع ) ؛ لأنه وقع مع زوجه ( وبطل الطلاق ) ؛ لأنه صادفها بائنا ، ولا إرث لها ؛ لعدم التهمة ( وإن قدم بعد شهر وساعة ) فأقل ( وقع الطلاق ) ؛ لأنها طلقت في الساعة وهي زوجة ، ( دون الخلع ) ؛ لأنه صادفها بائنا ، وخلع البائن غير صحيح ، وحينئذ لها الرجوع بالعوض إلا أن يكون الطلاق رجعيا ؛ لأن الرجعية يصح خلعها .

فرع : إذا قال لعبده : أنت حر قبل قدوم زيد بشهر ، ثم باعه بعد عقد الصفة ، فأعتقه المشتري ، ثم قدم زيد بعد عقدها بشهر ويوم ، نحكم بوقوع عتق البائع وبطلان البيع وما ترتب عليه ، ونقل مهنا عنه إذا قال : أنت طالق ثلاثا قبل موتي بشهر أنها تطلق في الحال ، وهذه تعطي أنه علقه بشرط يأتي لا محالة أنه يقع في الحال ، والأول أصح .

( وإن قال : أنت طالق قبل موتي طلقت في الحال ) ؛ لأنه قبل موته ، وكذا إن قال : قبل موتك أو موت زيد ، فإن قاله بالتصغير لم يقع إلا في الجزء الذي يليه الموت ؛ لأن ذلك تصغير يقتضي الجزء اليسير ( فإن قال : بعد موتي ، أو [ ص: 312 ] مع موتي - لم تطلق ) نص عليه ، وكذا إن قال : بعد موتك ، أو مع موتك - بغير خلاف علمناه ؛ لأنها تبين بموت أحدهما ، فلم يصادف الطلاق نكاحا يزيله ، فإن قال : مع موتي ، فوجهان .

فرع : إذا قال : إن مت فأنت طالق قبله بشهر ونحو ذلك - لم يصح ، ذكره في " الانتصار " ؛ لأنه أوقعه بعده ، فلا يقع قبله لمضيه ، وإن لم يقل بشهر وقع إذن ، وفي " التبصرة " : في جزء يليه موته كقبل موتي ، وإن قال : أطولكما حياة طالق ، فبموت إحداهما يقع بالأخرى إذن ، وقيل : وقت يمينه ، فإن قال : أنت طالق قبل موت زيد وعمرو بشهر ، تعلقت بالصفة بأولهما موتا .

( وإن تزوج أمة أبيه ، ثم قال : إذا مات أبي أو اشتريتك فأنت طالق ، فمات أبوه أو اشتراها - لم تطلق ) اختاره القاضي ، وقدمه في " الكافي " ، وجزم به في " الوجيز " ؛ لأنه بالموت والشراء يملكها ، فينفسخ نكاحها بالملك وهو زمن الطلاق ، فلم يقع ، كما لو قال : أنت طالق مع موتي ، وكقوله : إذا ملكتك فأنت طالق - في الأصح ( ويحتمل أن تطلق ) اختاره في " الجامع " ، والشريف ، وأبو الخطاب ، وقدمه في " المحرر " و " الفروع " ، وهو رواية في التبصرة ؛ لأن الموت سبب ملكها وطلاقها ، وفسخ النكاح يترتب على الملك ، فيوجد الطلاق في زمن الملك السابق على الفسخ ، فيثبت حكمه ، وفي " المستوعب " : إذا علق طلاقها على الشراء ، لم تطلق حتى يتفرقا في أظهر الوجهين ، وفي الآخر : تطلق ، وهو احتمال في " عيون المسائل " بناء على انتقال الملك زمن الخيار .

( وإن كانت مدبرة ) أي : دبرها أبوه ( فمات أبوه وقع الطلاق ) ؛ لأن الحرية [ ص: 313 ] تمنع ثبوت الملك له ، فلا ينفسخ نكاحه ، فيقع طلاقه ( والعتق ) ؛ لأنه معلق بالموت وقد وجدا معا ؛ لأن كل واحد منهما معلق بالموت ، وهذا إذا كانت تخرج من الثلث ، فإن أجاز الابن ، وقلنا : إجازته عطية مبتدأة - فهل يقع الطلاق ؛ على وجهين ، وإن قلنا : تنفيذ ، وقعا معا ، فإن كان على الأب دين يستغرق تركته لم يعتق ، والأصح : أن ذلك لا يمنع نقل التركة إلى الورثة ، فهو كما لو لم يكن عليه دين في فسخ النكاح ، وإن كانت تخرج من الثلث بعد أداء الدين ، وقعا ، وإلا حكمها في فسخ النكاح ومنع الطلاق ، كما لو كان مستغرقا لها ، فإن أسقط الغريم الدين بعد الموت لم يقع الطلاق ؛ لأن النكاح انفسخ قبل إسقاطه .

التالي السابق


الخدمات العلمية