صفحة جزء
فصل

وإن قال : أنت طالق لأشربن الماء الذي في الكوز ، ولا ماء فيه ، أو لأقتلن فلانا الميت ، أو لأصعدن السماء ، أو لأطيرن ، أو إن لم أصعد السماء ونحوه - طلقت في الحال ، وقال أبو الخطاب في موضع : لا تنعقد يمينه ، وإن قال : أنت طالق إن شربت ماء الكوز - ولا ماء فيه - أو صعدت السماء ، أو شاء الميت ، أو البهيمة ، لم تطلق في أحد الوجهين ، وتطلق في الآخر ، وإن قال : أنت طالق اليوم إذا جاء غد ، فعلى الوجهين ، وقال القاضي : لا تطلق .


فصل

( وإن قال : أنت طالق لأشربن الماء الذي في الكوز ، ولا ماء فيه ، أو لأقتلن فلانا الميت ، أو لأصعدن السماء ، أو لأطيرن ، أو إن لم أصعد السماء ونحوه - طلقت في الحال ) هذا المذهب ، كما لو قال : أنت طالق إن لم أبع عبدي ، فمات العبد ؛ ولأنه علق الطلاق على نفي فعل المستحيل ، وعدمه معلوم في الحال ، وفي الثاني : فإنه يوقع الطلاق ( وقال أبو الخطاب في موضع : لا تنعقد يمينه ) وحكاه عن القاضي ؛ لأن اليمين المنعقدة هي التي يمكن فيها البر والحنث ، وهو منتف هنا .

قال في " الشرح " : والصحيح أنه يحنث ، فإن الحالف على فعل الممتنع كاذب حانث ، قال الله تعالى : وأقسموا بالله جهد أيمانهم [ النحل : 38 ] ؛ ولأنه لو حلف على فعل متصور [ ص: 314 ] فصار ممتنعا - حنث ، فهذا أولى ، وقيل : لا تطلق في المحال لذاته ، وإن المحال عادة كالممكن في تأخير الحنث إلى آخر حياته ، وقيل : إن وقته كقوله : لأطيرن اليوم ، لم تطلق إلا في آخر الوقت ، وإن أطلق ، طلقت في الحال ، وذكره أبو الخطاب اتفاقا .

فرع : إذا حلف ليقتلن فلانا ، وهو ميت ، فقيل : يحنث ، وهو الأشهر ، وقيل : لا ، وقيل : إن كانت يمينه بطلاق أو عتاق - حنث ، وإن كان بغيرهما فلا ، وفرق القاضي في " الجامع " ، فقال : إن لم يعلم بموته لم يحنث ، وإلا حنث .

( وإن قال : أنت طالق إن شربت ماء الكوز - ولا ماء فيه - أو صعدت السماء ، أو شاء الميت ، أو البهيمة ) أو إن قلبت الحجر ذهبا ، أو إن جمعت بين الضدين ، أو إن رددت أمس ( لم تطلق في أحد الوجهين ) صححه في " الشرح " ، وقدمه في " المحرر " ، و " الرعاية " ، و " الفروع " ؛ لأنه علق الطلاق بصفة لم توجد ؛ لأن ما يقصد تبعيده يعلق على المحال ، كقوله تعالى : ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط [ الأعراف : 40 ] ؛ ولقول الشاعر :

إذا شاب الغراب أتيت أهلي وعاد القار كاللبن الحليب

.

وكحلفه بالله عليه ( وتطلق في الآخر ) ويلغى الشرط ؛ لأنه أردف الطلاق بما يرفع جملته ، ويمنع وقوعه في الحال ، وفي الثاني : فلم يصح كاستثناء الكل ، وكما لو قال : أنت طالق طلقة لا تقع عليك ، وقيل : إن علقه على مستحيل عقلا وقع في الحال ؛ لأنه لا وجود له ، وإن علقه على مستحيل - عادة - كالطيران [ ص: 315 ] وصعود السماء ، لم يقع ؛ لأن له وجودا ، وقد وجد في معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء .

تذنيب : العتق والظهار ، والحرام والنذر كالطلاق ، واليمين بالله تعالى قيل كذلك ، وقيل : لا كفارة فيها كالغموس ، وفي " المستوعب " : تعليقه كقوله : لأفعلن ، أو لا فعلت ، نحو : لأقومن ، أو لا قمت - يصح بنية جاهل بالعربية ، وإن نواه عالم فروايتا أنت طالق ثم يريد إن قمت ، وإلا لم يصح ؛ لأنه لم يأت بحرف الشرط ، وتبعه في " الترغيب " ، وذكر الشيخ تقي الدين أنه خلاف الإجماع القديم ، وجزم به في " المغني " وغيره .

( وإن قال : أنت طالق اليوم إذا جاء غد ، فعلى الوجهين ) ؛ لأن الطلاق إذا علق على شرط مستحيل ، فهل يقع ؛ فيه وجهان ؛ لأنه جعل وقوع الطلاق مظروفا لليوم ومشروطا للغد ، والجمع بينهما محال ، والمذهب : عدم الوقوع ( وقال القاضي : لا تطلق ) ؛ لأن شرط الطلاق لم يتحقق ؛ لأن مقتضاه وقوع الطلاق إذا جاء في اليوم ، ولا يجيء غد إلا بعد فوات اليوم وذهاب محل الطلاق .

وفي " المغني " : إن اختيار القاضي أنها تطلق في الحال ؛ لأنه علقه بشرط محال ، فلغا الشرط ووقع الطلاق ، كما لو قال لآيسة : أنت طالق للبدعة ، وقال في " المجرد " : إنها تطلق في غد .

تنبيه : إذا قال : أنت طالق لأقومن ، وقام - لم تطلق ، وإن لم يقم في الوقت الذي عينه حنث في قول أكثرهم ، وإن قال : أنت طالق إن أخاك لعاقل ، وكان كذلك - لم يحنث ، كقوله : والله إن أخاك لعاقل ، وإن شك في عقله لم يقع [ ص: 316 ] وإن قال : أنت طالق لا أكلت هذا الرغيف ، فأكله - حنث ، وإن قال : ما أكلته ، لم يحنث إن كان صادقا ، وحنث إن كان كاذبا ، كقوله : والله ما آكله ، وإن قال : أنت طالق لا دخلت الدار ولا ضربتك ، ونوى به التعليق - صح إن كان جاهلا ، وإلا فروايتان ، وإن قال : أنت طالق ثلاثا على مذهب السنة والشيعة واليهود والنصارى - طلقت ثلاثا لاستحالة الصفة ؛ لأنه لا مذهب لهم ، وكقصده التأكيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية