صفحة جزء
فصل

في تعليقه بالكلام

إذا قال : إن كلمتك فأنت طالق ، فتحققي ذلك أو زجرها ، فقال : تنحي أو اسكتي ، أو قال : إن قمت فأنت طالق - طلقت ، ويحتمل ألا يحنث بالكلام المتصل بيمينه ؛ لأن إتيانه به يدل على إرادته الكلام المنفصل عنها وإن قال : إن بدأتك بالكلام فأنت طالق ، فقالت : إن بدأتك به فعبدي حر - انحلت يمينه ، إلا أن ينوي ، ويحتمل أن يحنث ببداءته إياها بالكلام في وقت آخر ؛ لأن الظاهر أنه أراد ذلك بيمينه ، وإن قال : إن كلمت فلانا ، فأنت طالق ، فكلمته ، فلم يسمع لتشاغله أو غفلته ، أو كاتبته ، أو راسلته - حنث ، وإن أشارت إليه ، احتمل وجهين ، وإن كلمته سكران أو أصم بحيث يعلم أنها تكلمه ، أو مجنونا يسمع كلامها - حنث ، وقيل : لا يحنث .

وإن كلمته ميتا ، أو غائبا ، أو مغمى عليه ، أو نائما ، لم يحنث ، وقال أبو بكر : يحنث ، وإن قال لامرأتيه : إن كلمتما هذين فأنتما طالقتان فكلمت كل واحدة واحدا منهما - طلقتا ، ويحتمل ألا يحنث حتى يكلما جميعا كل واحد منهما ، وإن قال : إن أمرتك فخالفتني فأنت طالق ، فنهاها ، فخالفته - لم يحنث ، إلا أن ينوي مطلق المخالفة ، ويحتمل أن تطلق ، وقال أبو الخطاب : إن لم يعرف حقيقة الأمر والنهي - حنث .


فصل

في تعليقه بالكلام

( إذا قال : إن كلمتك فأنت طالق ، فتحققي ذلك ، أو زجرها ، فقال : تنحي أو اسكتي ، أو قال : إن قمت فأنت طالق - طلقت ) ؛ لأنه علق طلاقها على كلامها ، وقد وجد ؛ لأن قوله : تحققي ، وتنحي ، واسكتي ، وإن قمت فأنت طالق - كلام لها بعد عقد اليمين إلا أن ينوي كلاما ( ويحتمل ألا يحنث بالكلام المتصل بيمينه ) وعلله بقوله : ( لأن إتيانه به يدل على إرادته الكلام المنفصل عنها ) ؛ لأن القرينة تصرف عموم اللفظ إلى خصوصه ، إذ الحال تجعل المطلق كالمقيد بالمقال ، [ ص: 354 ] وإن سمعها تذكره ، فقال : الكاذب عليه لعنة الله - حنث ، نص عليه ؛ لأنه كلمها .

فرع : إذا قال : إن كلمتك فأنت طالق ، إن قمت فأنت طالق - طلقت في الحال طلقة ، وأخرى بالقيام إن كان دخل بها ، فلو قال : إن كلمتك فأنت طالق وأعاده ثانية - فواحدة ، وإن ثالثا ، فثانية ، وإن رابعا ، فثالثة ، وتبين غير المدخول بها بطلقة ، ولا ينعقد ما بعدها .

ذكر القاضي ، وجزم به في " المغني " ، وقدمه في " المحرر " ، ثم قال : وعندي تنعقد الثانية بحيث إذا تزوجها وكلمها ، طلقت ، إلا على قول التميمي : تحل الصفة مع البينونة ، فإنها قد انحلت بالثالثة ؛ لأنه قد كلمها ، ولا يجيء مثله في الحلف بالطلاق ؛ لأنه لا ينعقد لعدم إمكان إيقاعه ، قال في " الفروع " : ويتوجه أنه لا فرق بينها وبين مسألة الحلف السابقة .

( وإن قال : إن بدأتك بالكلام فأنت طالق ، فقالت : إن بدأتك به فعبدي حر - انحلت يمينه ) في الأصح ؛ لأنها كلمته ، فلم يكن كلامه لها بعد ذلك ابتداء ( إلا أن ينوي ) أنه لا يبدؤها في مرة أخرى ، وبقيت يمينها معلقة ، فإن بدأها بكلام انحلت يمينها ، وإن بدأته هي عتق عبدها ، ذكره الأصحاب ( ويحتمل أن يحنث ببداءته إياها بالكلام في وقت آخر ) وعلله بقوله ( لأن الظاهر أنه أراد ذلك بيمينه ) ؛ لأن الحلف بمثل ذلك يفهم منه قصد هجران بداءته كلامها ، وذلك يقتضي تعميم البداءة في المجلس وغيره .

( وإن قال : إن كلمت فلانا ، فأنت طالق ، فكلمته ، فلم يسمع لتشاغله وغفلته ) أو لفظه ، أو ذهوله حنث ، نص عليه ؛ لأنها كلمته ، وإنما لم يسمع لشغل قلبه وغفلته ( أو كاتبته أو راسلته ، حنث ) ؛ لأن [ ص: 355 ] الكلام يطلق ، ويراد به ذلك بدليل صحة استثنائه منه في قوله تعالى : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا [ الشورى 15 ] ؛ لأن القصد بيمينه هجرانه ، ولا يحصل ذلك مع مواصلته بالكتابة والرسول إلا أن يكون قصد أن تشافهه ، نص عليه ، ويحتمل ألا يحنث إلا أن ينوي ترك ذلك ؛ لأن هذا ليس بكلام حقيقة بدليل الحلف بالله .

فرع : إذا أرسلت إنسانا ليسأل أهل العلم عن حديث أو مسألة ، فجاء الرسول ، فسأل المحلوف عليه - لم يحنث ( وإن أشارت إليه ) برمز ( احتمل وجهين ) كذا في " الفروع " أولهما : لا تطلق ؛ لأنه لم يوجد الكلام ، والثاني : بلى ؛ لأنه يحصل به مقصود الكلام .

( وإن كلمته سكران أو أصم بحيث يعلم أنها تكلمه ، أو مجنونا يسمع كلامها - حنث ) ؛ لأن الطلاق معلق على الكلام ، وقد وجد ، فإن كان السكران أو المجنون مصروعا - لم يحنث ، وكذا إذا كانا لا يعلم واحد منهما أنها تكلمه ، والمجنون إذا لم يسمع كلامها ، صرح به في " المغني " ( وقيل : لا يحنث ) اختاره القاضي وغيره ؛ لأن السكران والمجنون لا عقل لهما ، والأصم لا سمع له ، فلم يحنث بكلامها ، وقيل : لا السكران .

فرع : إذا جنت هي وكلمته ، لم يحنث ؛ لأن القلم رفع عنها ، وإن كلمته سكرانة ، فقال في " الشرح " : يحنث ؛ لأن حكمها حكم الصاحي ، وإن كلمت صبيا يسمع ويعلم أنها تتكلم - حنث ، وكذا إن سلمت عليه ؛ لأنه كلام ، فإن [ ص: 356 ] كان تسليم الصلاة ، فلا حنث ؛ لأنه للخروج منها إلا أن ينوي بتسليمه على المأمومين ، فيكون كما لو سلم عليهم في غير الصلاة ، ويحتمل لا حنث بحال ؛ لأن هذا يعد تكليما ، ولا يريده الحالف .

( وإن كلمته ميتا ، أو غائبا ، أو مغمى عليه ، أو نائما ، لم يحنث ) في الأصح ؛ لأن التكلم فعل يتعدى المتكلم ، وقيل : هو مأخوذ من الكلم ، وهو الجرح ؛ لأنه يؤثر فيه كتأثير الجرح ، ولا يكون ذلك إلا باستماعه ( وقال أبو بكر ) وحكاه رواية ( يحنث ) ؛ لأن إشعاره بالكلام غير معتبر ؛ لقوله : كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها ، وجوابه بأن تكليمه لهم كانت من معجزاته - عليه السلام - ، فإنه قال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولم يثبت هذا لغيره ، مع أن قول الصحابة له حجة لنا ، فإنهم قالوا ذلك استبعادا ، وسؤالا عما خفي عليهم سببه ، حتى كشف لهم حكمة ذلك بأمر مختص به ، فبقي الأمر فيمن سواه على النفي .

تتمة : إذا حلف لا يكلم إنسانا ، فكلم غيره وهو يسمع ، يقصد بذلك إسماعه كما يقال : إياك أعني واسمعي يا جارة - حنث ، نص عليه ، وعنه : لا ، كنية غيره ، والأول أصح ؛ لأنه أسمعه كلامه ، يريده به ، أشبه ما لو خاطبه به ؛ ولأن مقصود تكليمه قد حصل بإسماعه كلامه ، وإن حلف لا يكلم امرأته ، فجامعها ، لم يحنث إلا أن تكون نيته هجرانها .

فرع : إذا حلف لا يقرأ كتاب زيد ، فقرأه في نفسه ، ولم يحرك شفتيه به ، حنث ؛ لأن هذا قراءة الكتب في عرف الناس ، إلا أن ينوي حقيقة القراءة .

( وإن قال لامرأتيه : إن كلمتما هذين فأنتما طالقتان ) وقلنا : لا يحنث ببعض [ ص: 357 ] المحلوف عليه ( فكلمت كل واحدة واحدا منهما - طلقتا ) ؛ لأن تكليمهما وجد منهما ، وكما لو قال : إن ركبتما هاتين الدابتين ، فأنتما طالقتان ، فركبت كل واحدة دابة ( ويحتمل ألا يحنث حتى يكلما جميعا كل واحد منهما ) ؛ لأنه علق طلاقهما بكلامه لهما ، فلا تطلق واحدة بكلام الأخرى وحدها ، كقوله : إن كلمتما زيدا ، وكلمتما عمرا ، وهذا أظهر الوجهين ، وهو أولى - إن شاء الله تعالى - إذا لم يكن له نية .

قال في " المغني " : هذا معنى الخلاف فيما لم تجر العادة بانفراد الواحدة به ، فأما ما جرى العرف فيه بانفراد الواحدة به ، كلبس ثوبيهما ، وتقليد سيفيهما ونحوه ؛ لأن اليمين تحمل على العرف ، فأما إن قال : إن أكلتما هذين الرغيفين ، فأكلت كل واحدة منهما رغيفا ، فإنه يحنث ؛ لأنه يستحيل أن تأكل واحدة منهما الرغيفين .

مسألة : إذا قال : لا أكلت هذا الخبز وهذا اللحم ، فكقوله : لا أكلتهما ، هل يحنث بأحدهما ؛ فيه وجهان ، وكذا لو قال : ولا هذا اللحم ، وقيل : يحنث كما لو قال : لا آكل شيئا منهما .

( وإن قال : إن أمرتك فخالفتني فأنت طالق ، فنهاها ، فخالفته - لم يحنث ، إلا أن ينوي مطلق المخالفة ) وهو المذهب ؛ لأنها خالفت نهيه لا أمره ؛ ولأنه يحنث إذا نوى مطلق المخالفة بغير خلاف ؛ لأن مخالفة النهي مخالفة ( ويحتمل أن تطلق ) قدمه في " الرعاية " ؛ لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده ، والنهي عنه أمر بضده ، فإذا تكون خالفت أمره ( وقال أبو الخطاب : إن لم يعرف حقيقة الأمر والنهي - حنث ) ؛ لأنه إذا كانت كذلك ، فإنما يريد نفي المخالفة ، فلو قال : إن [ ص: 358 ] نهيتني عن نفع أمي فأنت طالق ، فقالت له : لا تعطها شيئا من مالي - لم يحنث ؛ لأنه نفع محرم ، فلا يتناوله يمينه ، وقيل : يحنث ؛ لأن لفظه عام .

فرع : إذا قال : أنت طالق إن كلمت زيدا ومحمد مع خالد - لم تطلق حتى تكلم زيدا في حال كون محمد مع خالد ؛ لأنها حال من الجملة الأولى ، وقال القاضي : تطلق بكلام زيد ؛ لأن الجملة الثانية استئناف لا تعلق لها بالأولى ، والأول أصح كما لو تقدم الشرط ؛ ولأنه متى أمكن جعل الكلام متصلا كان أولى ، فلو قال : أنت طالق إن كلمت زيدا إلى أن يقدم فلان ، فكلمته قبل قدومه - طلقت ، وإلا فلا ؛ لأن الغاية رجعت إلى الكلام لا إلى الطلاق ، بخلاف ما لو قدم الشرط ، فإنها تطلق بكلامه قبل قدوم فلان أو بعده ؛ لأن الغاية عادت إلى الطلاق ، والطلاق لا يرتفع بعد وقوعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية