صفحة جزء
فصل

في تعليقه بالمشيئة

إذا قال : أنت طالق إن شئت ، أو كيف شئت ، أو حيث شئت ، أو متى شئت ، لم تطلق حتى تقول : قد شئت ، سواء شاءت على الفور أو التراخي ويحتمل أن يقف على المجلس كالاختيار ، وإن قال : أنت طالق إن شئت ، فقالت : قد شئت إن شئت ، فقال : قد شئت - لم تطلق ، وإن قال : أنت طالق إن شئت وشاء أبوك ، لم تطلق حتى يشاءا ، وإن قال : أنت طالق إن شاء زيد ، فمات ، أو جن ، أو خرس قبل المشيئة - لم تطلق ، وإن شاء وهو سكران خرج على الروايتين في طلاقه ، وإن كان صبيا يعقل المشيئة ، فشاء ، طلقت ، وإلا فلا .

وإن قال : أنت طالق إلا أن يشاء زيد ، فمات ، أو جن ، أو خرس - طلقت ، وإن قال : أنت طالق واحدة ، إلا أن يشاء ثلاثا ، فشاء ثلاثا - طلقت ثلاثا في أحد الوجهين ، وفي الآخر : لا تطلق .

وإن قال : أنت طالق إن شاء الله ، طلقت ، وإن قال لأمته : أنت حرة إن شاء الله ، عتقت ، وحكي عنه أنه يقع العتق دون الطلاق ، وإن قال : أنت طالق إلا أن يشاء الله - طلقت .

وإن قال : إن لم يشأ الله ، فعلى وجهين ، وإن قال : إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله ، فدخلت ، فهل تطلق ؛ على روايتين ، وإن قال : أنت طالق لرضى زيد أو مشيئته ، طلقت في الحال ، وإن قال : أردت الشرط ، دين ، وهل يقبل في الحكم ؛ يخرج على روايتين ، وإن قال : إن كنت تحبين أن يعذبك الله بالنار فأنت طالق ، أو قال : إن كنت تحبينه بقلبك ، فقالت : أنا أحبه ، فقد توقف أحمد عنها ، وقال القاضي : تطلق ، والأولى أنها لا تطلق إذا كانت كاذبة .


فصل في تعليقه بالمشيئة

( إذا قال : أنت طالق إن شئت ، أو كيف شئت ، أو حيث شئت ، أو متى شئت ) أو أي وقت شئت ( لم تطلق حتى تقول : قد شئت ) ؛ لأن ما في القلب لا يعلم حتى يعبر عنه اللسان ، فيتعلق الحكم بما ينطق به دون ما في القلب ، فلو شاءت بقلبها دون نطقها لم تطلق ، ولو شاءت وهي كارهة ، طلقت اعتبارا بالنطق ، ولو رجع قبل مشيئتها لم يصح - على الأصح - كبقية التعليق ( سواء شاءت على الفور أو التراخي ) نص عليه في تعليق الطلاق بمشيئة فلان ، وقاله الزهري وقتادة ؛ لأنه تعليق للطلاق على شرط أشبه سائر التعليقات ؛ ولأنه إزالة ملك معلق على المشيئة ، فكان على التراخي [ ص: 361 ] كالعتق ( ويحتمل أن يقف على المجلس كالاختيار ) وهو قول الحسن وعطاء ؛ لأنه تمليك للطلاق ، فكان على الفور كاختاري ، والأول أصح ، وفرق بينهما في " المغني " و " الشرح " من حيث إن " اختاري " ليس شرطا ، وإنما هو تخيير محض ، فيتقيد بالمجلس كخيار المجلس بخلاف المشيئة ، فإنها هنا شرط ، فوجب حملها على " إن " فإن قيد المشيئة بوقت ، تقيد به .

( وإن قال : أنت طالق إن شئت ، فقالت : قد شئت إن شئت ، فقال : قد شئت - لم تطلق ) نص عليه ؛ لأنه لم يوجد منها مشيئة ، وإنما وجد منها تعليق مشيئتها بشرط ، وليس بمشيئة ، لا يقال : إذا وجد الشرط يجب أن يوجد مشروطه ؛ لأن المشيئة أمر حقيقي ، فلا يصح تعليقها على شرط ، ووجه الملازمة إذا صح التعليق ، وكذا إن قالت : قد شئت إن طلعت الشمس ، نص عليه ، وهو قول سائر الفقهاء ، وحكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه .

( وإن قال : أنت طالق إن شئت وشاء أبوك ، لم تطلق حتى يشاءا ) ؛ لأن الصفة بمشيئتهما ، فلا تطلق بمشيئة أحدهما ؛ لعدم وجود الشرط ، وخرج القاضي أنها تطلق بمشيئة أحدهما ، كفعل بعض المحلوف عليه ، وعلى الأول كيف شاءا طلقت ، فإن شاء أحدهما على الفور والآخر على التراخي - وقع ؛ لأن المشيئة وجدت منهما جميعا .

فروع : إذا قال : إذا ضاجعتك على فراش فأنت طالق ، فاضطجعت هي معه ، فقام لوقته ، لم يحنث ، وإلا حنث .

ولو اختصم رجلان ، فقال أحدهما للآخر : زوجة السفلة - بكسر السين مع إسكان الفاء - منا طالق ، فقال الآخر : نعم ، قال أحمد : السفلة الذي لا يبالي بما قال ، [ ص: 362 ] ولا ما قيل فيه ، وقال في رواية عبد الله : هو الذي يدخل الحمام بلا مئزر ، ولا يبالي على أي معصية رئي .

إذا حلف بالطلاق ليفعلن محرما في وقت معين ، لم يحل له فعله ، وتطلق ، نص عليه فيمن حلف بالطلاق ليطأن زوجته في وقت بعينه فإذا هي حائض ، قال : لا يطؤها وتطلق ، فإن فعله فقد عصى الله ، ولم تطلق ، وإن لم يعين وقتا لفعله لم يحنث إلا في آخر وقت الإمكان .

( وإن قال : أنت طالق إن شاء زيد ، فمات أو جن أو خرس قبل المشيئة - لم تطلق ) اختاره ابن حامد ؛ لأن شرط الطلاق لم يوجد ، وقال أبو بكر : يقع ؛ لأنه علقه على شرط تعذر الوقوف عليه ، فوقع ، كقوله : أنت طالق إن شاء الله تعالى ، وليس بصحيح ؛ لأن الطلاق المعلق على شرط لا يقع إذا تعذر شرطه كالمعلق على دخول الدار وعلم منه أنه إذا شاء وهو مجنون لا يقع طلاقه ؛ لأنه لا حكم لكلامه ، ويستثنى منه أنه إذا فهمت إشارة أخرس فهي كنطقه ، وقيل : إن خرس بعد يمينه فلا ، ( وإن شاء وهو سكران خرج على الروايتين في طلاقه ) قاله أصحابنا ؛ لأن قوله : قد شئت ، يترتب عليه وقوع الطلاق ، فوجب كونه بمنزلة نفس الطلاق ، قال في " المغني " : والصحيح أنه لا يقع ؛ لأنه زائل العقل ، أشبه المجنون ، ثم الفرق بين إيقاع طلاقه وبين المشيئة أن إيقاعه عليه تغليظ عليه ، لئلا تكون المعصية سببا للتخفيف عنه ، وهنا إنما يقع الطلاق بغيره ، فلا يصح منه في حال زوال عقله ( وإن كان صبيا ) أي : مميزا ، قاله في " الكافي " وغيره ( يعقل المشيئة ، فشاء ، طلقت ) ؛ لأن له مشيئة بدليل صحة اختياره لأحد أبويه ، والثانية : لا ، لأن شرطه التكليف ( وإلا فلا ) أي : إذا كان صبيا لا يعقل المشيئة - لم تطلق كالمجنون .

[ ص: 363 ]

( وإن قال : أنت طالق إلا أن يشاء زيد ، فمات ، أو جن ، أو خرس - طلقت ) في الحال ؛ لأنه أوقع الطلاق ، وعلقه بشرط ، ولم يوجد ، وقيل : في آخر حياته ، وقيل : يتبين حنثه منذ حلف .

فرع : إذا قال : أنت طالق ، وعبدي حر إن شاء زيد ، ولا نية فشاءهما ، ونقل أبو طالب : أو تعذر بموت ونحوه ، اختاره أبو بكر ، وابن عقيل ، وحكي عنه : أو غاب - وقعا .

( وإن قال : أنت طالق واحدة ، إلا أن يشاء ثلاثا ، فشاء ثلاثا - طلقت ثلاثا في أحد الوجهين ) وكذا عكسه ، قدمه في " الكافي " ، و " الرعاية " ، و " الفروع " ، وجزم به في " الوجيز " ؛ لأن هذا هو السابق إلى الفهم من ذلك ، كما لو قال : له علي درهم إلا أن يقيم بينة بثلاثة ، وخذ درهما ، إلا أن يريد أكثر منه ( وفي الآخر : لا تطلق ) ؛ لأن الاستثناء من الإثبات نفي ؛ ولأنه علق وقوع الواحدة على عدم مشيئتها الثلاث ، ولم يوقع بمشيئتها شيئا ، أشبه قوله : إلا أن يشاء زيد ، فأما إذا لم يشأ زيد ، أو شاء أقل من ثلاث ، فواحدة .

( وإن قال : أنت طالق إن شاء الله ، طلقت ، وإن قال لأمته : أنت حرة إن شاء الله ، عتقت ) نص عليه ، وفي " زاد المسير " : لا تختلف الرواية فيه ، وهو قول سعيد ، والحسن ، ومكحول ، وقتادة ، والزهري ، والأوزاعي ؛ لما روى أبو حمزة قال : سمعت ابن عباس يقول : إذا قال الرجل لامرأته : أنت طالق إن شاء الله ، فهي طالق . رواه أبو حفص ، وروى ابن عمر ، وأبو سعيد [ ص: 364 ] قالا : كنا معشر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - نرى الاستثناء جائزا في كل شيء إلا في الطلاق والعتاق ؛ ولأنه استثناء يرفع جملة الطلاق حالا ومآلا ، فلم يصح كاستثناء الكل ؛ ولأنه تعليق على ما لا سبيل إلى علمه ، أشبه تعليقه على المستحيل ( وحكي عنه أنه يقع العتق دون الطلاق ) وعلله أحمد بأن العتق لله تعالى ، والطلاق ليس هو لله ، ولا فيه قربة إليه ؛ ولأنه لو قال لأمته : كل ولد تلدينه فهو حر ، فهذا تعليق للحرية على الملك ، وهو صحيح ؛ ولأن نذر العتق يلزم الوفاء به ، بخلاف الطلاق ، فافترقا ، قال في " المحرر " : ولا يصح عن أحمد التفرقة بينهما ، لكن حكاها أبو حامد الاسفراييني ، قال أبو الخطاب في " الانتصار " : ولقد أبطل في حكاية ذلك عنه ، وعكس في " الترغيب " هذه الرواية وقال : يا طالق إن شاء الله تعالى أولى بالوقوع ، وعنه : لا يقعان ، اختاره أكثر العلماء ، كما لو علقه على مشيئة زيد ؛ ولقوله - عليه السلام - : من حلف فقال : إن شاء الله ، لم يحنث رواه أحمد ، والنسائي ، والترمذي ، وحسنه من حديث ابن عمر ، وإسناده ثقات . قال الشيخ تقي الدين : ويكون معناه : هي طالق إن شاء الله الطلاق بعد هذا ، والله لا يشاؤه إلا بتكلمه به ، والجواب عنه : أن الطلاق والعتاق ليسا من الأيمان ، قاله أحمد ، وإن سمي بذلك ، فمجاز ، ثم إن الطلاق إنما يسمى يمينا إذا كان معلقا على شرط يمكن فعله وتركه ، ومجرد قوله : أنت طالق ، ليس بيمين حقيقة ولا مجازا ، وكذا إذا قدم الاستثناء ، كقصده تأكيد الإيقاع ، وذكرالخرقي أن أكثر الروايات عن أحمد توقف عن الجواب عنها .

( وإن قال : أنت طالق إلا أن يشاء الله - طلقت ) في المنصوص ؛ لأنه أوقع الطلاق ، وعلق رفعه بمشيئة لم تعلم ، قال أحمد : قال قتادة : قد شاء الله [ ص: 365 ] الطلاق حين أذن فيه . قال ابن حمدان : ويحتمل ألا تطلق كالأول ( وإن قال : إن لم يشأ الله ) أو ما لم يشأ الله ( فعلى وجهين ) أحدهما : تطلق ، قدمه في " الكافي " ، وصححه في " الفروع " ؛ لتضاد الشرط والجزاء ، فلغا تعليقه بخلاف المستحيل . والثاني : لا ؛ لأنه بمنزلة تعليقه الطلاق على المحال ، كقوله : إن جمعت بين الضدين ، أو شربت ماء الكوز ، ولا ماء فيه ، قال في " الرعاية " : وكذا العتق .

( وإن قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ) أو حرة ( إن شاء الله ، فدخلت ، فهل تطلق ؛ على روايتين ) إحداهما : تطلق ، قدمه في " الرعاية " ؛ لما تقدم .

والثانية : لا ؛ لأن الطلاق المعلق بشرط يمين ، فيدخل في عموم الخبر ، وفارق إذا لم يعلقه ، فإنه ليس بيمين ، فلا يدخل في العموم ، قال في " المحرر " و " الفروع " : إلا أن ينوي رد المشيئة إلى الفعل ، فلا تطلق ، كقوله : أنت طالق لا فعلت ، أو لأفعلن إن شاء الله ، وإن أراد بالاستثناء والشرط رده إلى الطلاق فقط ، ففيه الخلاف ، وإن لم تعلم نيته ، والظاهر إلى الفعل .

غريبة : إذا قال : أنت طالق يوم أتزوجك إن شاء الله ، فتزوجها - لم تطلق ، وإن قال : أنت حر يوم أشتريك إن شاء الله ، فاشتراه - عتق .

( وإن قال : أنت طالق لرضى زيد أو مشيئته ) أو لدخول الدار ( طلقت في الحال ) ؛ لأن معناه : أنت طالق لكونه قد شاء ذلك أو رضيه ، وذلك كقوله : هو حر لوجه الله ، أو لرضى الله ، بخلاف قوله : لقدوم زيد ( وإن قال : أردت الشرط ) فيما ظاهره التعليل ( دين ) ؛ لأنه أعلم بمراده ( وهل يقبل في الحكم ؛ [ ص: 366 ] يخرج على روايتين ) أصحهما : يقبل ؛ لأن ذلك يستعمل للشرط ، كقوله : أنت طالق للسنة . والثانية : لا ، وجزم به في " الوجيز " ؛ لأنه خلاف الظاهر .

فرع : إذا قال : إن رضي أبوك ، فأنت طالق ، فقال : ما رضيت ، ثم قال : رضيت ، وقع ؛ لأنه مطلق ، وكان متراخيا ، ذكره في " الفنون " ، وإن قوما قالوا : ينقطع بالأول .

( وإن قال : إن كنت تحبين أن يعذبك الله بالنار ) أو تبغضين الجنة ( فأنت طالق ، أو قال : إن كنت تحبينه بقلبك ، فقالت : أنا أحبه ، فقد توقف أحمد عنها ) ؛ لتعارض الأدلة عنده ، وسئل عنها ، فلم يجب فيها بشيء ( وقال القاضي : تطلق ) قدمه في " الرعاية " ، وجزم به في " الوجيز " ، وفي " الفنون " : هو مذهبنا ؛ لأن ما في القلب لا يوقف عليه إلا من اللفظ ، فاقتضى تعليق الحكم بلفظها به ، صادقة أو كاذبة كالمشيئة ( والأولى أنها لا تطلق إذا كانت كاذبة ) وهو المذهب ، وقاله أبو ثور ؛ لأن المحبة في القلب ، ولا توجد من أحد محبة ذلك ، وخبرها بالمحبة كاذب لا يلتفت إليه ، واختار في " الفنون " أنها لا تطلق لاستحالته عادة ، كقوله : إن كنت تعتقدين أن الجمل يدخل في خرم الإبرة فأنت طالق ، فقالت : أعتقده ، فإن عاقلا لا يجوزه فضلا عن اعتقاده ، ثم إن قال : كذبت ، لم تطلق ، وهي يعتبر نطقها أو تطلق بإقرار الزوج ؛ فيه احتمالان ، وقيل : لا تطلق إن لم يقل : بقلبك .

فرع : إذا قال : إن كنت تحبين زيدا أو تبغضيني فأنت طالق ، فأخبرته به - طلقت وإن كانت كاذبة ، فإذا قال : أنت طالق إن أحببت ، أو [ ص: 367 ] إن أردت ، أو إن كرهت ، احتمل أن يتعلق الطلاق بلسانها كالمشيئة ، واحتمل أن يتعلق الحكم بما في القلب من ذلك ، ويكون اللسان دليلا عليه ، فعلى هذا لو أقر الزوج بوجوده - طلقت ، ولو أخبرت به ثم قالت : كنت كاذبة ، لم تطلق ، ذكره في الشرح .

فرع : إذا قالت : أريد أن تطلقني ، فقال : إن كنت تريدين فأنت طالق ، فيقتضي أنها تطلق بإرادة مستقبلة ، ودلالة الحال على أنه أراد إيقاعه للإرادة التي أخبرته بها ، قاله في " الفنون " قال : ولو قال : إن كان أبوك يرضى بما فعلتيه فأنت طالق ، فقال : ما رضيت ، ثم قال : رضيت - طلقت ؛ لأنه علقه على رضى مستقبل ، وقد وجد ، بخلاف : إن كان أبوك راضيا به ؛ لأنه ماض ، وتعليق كطلاق ، ويصح بالموت .

التالي السابق


الخدمات العلمية