صفحة جزء
وإن حلف لا يفعل شيئا ، ففعل بعضه ، لم يحنث ، وعنه : يحنث إلا أن ينوي جميعه ، وإن حلف ليفعلنه ، لم يبر حتى يفعل جميعه ، وإذا حلف لا يدخل دارا ، فأدخلها بعض جسده ، أو لا يلبس ثوبا من غزلها ، فلبس ثوبا فيه منه ، أو لا يشرب ماء هذا الإناء ، فشرب بعضه - خرج على الروايتين ، وإن حلف : لا شربت ماء هذا النهر ، فشرب منه ، حنث ، وإن حلف : لا يلبس ثوبا اشتراه زيد ، أو نسجه ، أو لا يأكل طعاما طبخه زيد ، فلبس ثوبا نسجه هو وغيره ، أو اشترياه ، أو أكل من طعام طبخاه ، فعلى روايتين ، فإن اشترى غيره شيئا ، فخلطه بما اشتراه ، فأكل أكثر مما اشتراه شريكه - حنث ، وإن أكل مثله ، فعلى وجهين .


( وإن حلف لا يفعل شيئا ، ففعل بعضه ، لم يحنث ) نص عليه في رواية صالح وحنبل ، اختاره أبو الخطاب كالإثبات ؛ ولأنه - عليه السلام - كان يخرج رأسه وهو معتكف إلى عائشة لترجله ، وهي حائض ، والمعتكف ممنوع من الخروج من المسجد ، والحائض عكسه ( وعنه : يحنث ) اختاره الخرقي ، وصححه في " المغني " ؛ لأن اليمين تقتضي المنع من المحلوف عليه ، فاختص المنع بشيء منه كالنهي ( إلا أن ينوي جميعه ) فعلم منه أن الخلاف إنما هو في اليمين المطلقة ، فإن نوى الجميع أو البعض ، عمل بنيته ، وكذا إن كانت قرينة ، وعلى الأولى : [ ص: 372 ] لو حلف على من يمتنع بيمينه ، كزوجة وقرابة ، وقصد منعه ، ولا نية ، ولا سبب ولا قرينة - لم يحنث بفعل بعضه .

( وإن حلف ليفعلنه ، لم يبر حتى يفعل جميعه ) ؛ لأن ذلك حقيقة اللفظ ؛ ولأن مطلوبه تحصيل الفعل ، فهو كالأمر ، ولو أمر الله تعالى بشيء ، لم يخرج عن العهدة إلا بفعل جميعه ، فكذا هنا ( وإذا حلف لا يدخل دارا ، فأدخلها بعض جسده ، أو لا يلبس ثوبا من غزلها ، فلبس ثوبا فيه منه ، أو لا يشرب ماء هذا الإناء ، فشرب بعضه - خرج على الروايتين ) في فعل بعض المحلوف عليه ، والمذهب : أنه لا يحنث ، كما لو حلف لا يبيع عبده ، ولا يهبه ، فباع أو وهب بعضه .

( وإن حلف : لا شربت ماء هذا النهر ، فشرب منه ، حنث ) وجها واحدا ؛ لأن فعل الجميع ممتنع ، فلا تصرف اليمين إليه ، وكذلك إن قال : والله لا آكل الخبز ، ولا أشرب الماء ، مما علق على اسم جنس أو جمع كالمسلمين ، فإنه يحنث بفعل البعض ، فإن نوى فعل الجميع ، أو كان في لفظه ما يقتضي ذلك - لم يحنث إلا بفعل الجميع بلا خلاف .

فرع : إذا حلف : لا شربت من ماء الفرات ، فشرب منه - حنث ، سواء كرع منه ، أو اغترف منه فشربه ، وإن شرب من نهر يأخذ منه حنث في وجه ، اقتصر عليه في " المستوعب " ، كما لو حلف لا يشرب من شيء فاستقى ، أو لا يشرب من شاة فحلب وشربه .

والثاني : لا يحنث ؛ لأنه يضاف إلى النهر لا إلى الفرات ، وكغيره ، فلو حلف لا يأكل من هذه النخلة ، فلقط من تحتها [ ص: 373 ] وأكل - حنث ، بخلاف أكل ورقها وأطراف أغصانها .

مسألة : إذا قال : إن قربت - بكسر الراء - دار أبيك فأنت طالق ، لم يقع حتى تدخلها ، فلو قاله - بضم الراء - وقع بوقوفها تحت فنائها ولصوقها بجدارها ؛ لأن مقتضاهما كذلك ، ذكرهما في " الروضة " ، ولم يذكر الجوهري قرب بالكسر بمعنى دخل ، ولعله عرف خاص .

( وإن حلف : لا يلبس ثوبا اشتراه زيد ، أو نسجه ، أو لا يأكل طعاما طبخه زيد ، فلبس ثوبا نسجه هو وغيره ، أو اشترياه ، أو أكل من طعام طبخاه ، فعلى روايتين ) أشهرهما : يحنث ، جزم به في " الوجيز " ، كما لو حلف لا يلبس شيئا من غزل فلانة ، فلبس ثوبا من غزلها وغزل غيرها . والثانية : لا يحنث ؛ لأنه لم يلبس ثوبا كاملا ، كما لو حلف لا يلبس ما خاطه زيد ، فإنه يحنث بكل ثوب خاطاه جميعا ، بخلاف ما لو قال : ثوبا خاطه زيد ، وإذا حلف لا يأكل طعاما اشتراه زيد ، فأكل طعاما اشتراه هو وغيره - حنث ، إلا أن يكون أراد أن لا ينفرد أحدهما بالشراء .

وذكر أبو الخطاب احتمالا : لا حنث ؛ لأن كل جزء لم ينفرد أحدهما بشرائه ، كما لو حلف لا يلبس ثوبا اشتراه زيد ، فلبس ثوبا اشتراه هو وغيره ( فإن اشترى غيره شيئا ، فخلطه بما اشتراه ، فأكل أكثر مما اشتراه شريكه - حنث ) وجها واحدا ؛ لأنه يعلم بالضرورة أنه أكل مما اشتراه زيد ، وهو شرط الحنث ( وإن أكل مثله ، فعلى وجهين ) أحدهما : يحنث ؛ لأنه يستحيل في العادة انفراد ما اشتراه زيد من غيره ، فيكون الحنث ظاهرا .

[ ص: 374 ] والثاني : لا يحنث ، وجزم به في " الوجيز " ؛ لأن الأصل عدم الحنث ، ولم نتيقنه ، فعلى هذا : كل موضع لا يحنث ، فحكمه حكم ما لو حلف : لا يأكل تمرة ، فوقعت في تمر ، فأكل منه واحدة على ما نذكره ، وإن قايل زيد في مأكول كان باعه شيئا ، فأكل منه ، فهل يحنث ؛ على وجهين ، فإن كان اشترى شيئا سلما ، أو أخذه على وجه الصلح ، فأكل منه - حنث .

التالي السابق


الخدمات العلمية