صفحة جزء
ويؤذن قائما متطهرا ، على موضع عال مستقبل القبلة ، فإذا بلغ الحيعلة ، التفت يمينا وشمالا ، ولم يستدر ، ويجعل أصبعيه في أذنيه ، ويتولاهما معا ، ويقيم في موضع أذانه إلا أن يشق عليه ،


( وأن يؤذن قائما ) لما روى أبو قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال : قم فأذن وكان مؤذنوه عليه السلام يؤذنون قياما ، قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه أنه من السنة ، لأنه أبلغ في الإسماع ، وظاهره أنه إذا أذن قاعدا أنه يصح [ ص: 320 ] لكن مع الكراهة ، صرح به في " الشرح " وغيره ، كالخطبة قاعدا ، وعنه : لا يعجبني ، وبعده ابن حامد ، فإن كان لعذر جاز ، ولم يذكروا الاضطجاع ، ويتوجه الجواز ، لكن يكره لمخالفة السنة ، والماشي كالراكب ، وظاهره الكراهة ، وهو رواية عنه ، وعنه : لا ، وعنه : يكره حضرا ، وقال ابن حامد : إن أذن قاعدا أو مشى فيه كثيرا بطل ، وهو رواية في الثانية .

وأما الإقامة فتكره ماشيا أو راكبا ، نص عليه ، وعنه : لا ، وقال في " الرعاية " : يباحان للمسافر حال مشيه وركوبه في رواية ( متطهرا ) من الحدثين الأصغر والأكبر ، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يؤذن إلا متوضئ رواه الترمذي ، والبيهقي مرفوعا من حديث أبي هريرة ، وموقوفا عليه ، وقالا : هو أصح ، وحكم الإقامة كذلك ، فإن أذن أو أقام محدثا ، فظاهر كلام جماعة ، وصرح به في " الشرح " أنه يصح مع الكراهة ، وقدم ابن تميم ، والجد عدمها ، نص عليه ، وهو المذهب ، كقراءة القرآن ، وفي " الرعاية " وهو ظاهر كلام ابن تميم أنها تكره الإقامة قولا واحدا للفصل بينهما وبين الصلاة ، فإن كان جنبا فإنه يصح على الأصح مع الكراهة ، لأنه أحد الحدثين ، فلم يمنع صحته كالآخر ، والثانية : لا ، اختاره الخرقي ، وقدمه السامري ، لأنه ذكر مشروع للصلاة أشبه القراءة ، وعلى الصحة : إن أذن في مسجد مع جواز لبثه فيه صح ، ومع تحريمه ، فهو كالأذان في مكان غصب ، وفيه روايتان ، أصحهما : الصحة لعدم اشتراط البقعة له ، لكن مع الإثم ، قاله ابن تميم وعدمها ، وهو اختيار ابن عقيل ، [ ص: 321 ] ومقتضى قول ابن عبدوس ، فإنه قطع باشتراط الطهارة له ، وفي " الرعاية " يسن أن يؤذن متطهرا من نجاسة بدنه وثوبه ، وربما يحتمله كلام المؤلف ( على موضع عال ) أي : مرتفع كالمنارة ، ونحوها لحديث رواه أبو داود ، ولأنه أبلغ في الإعلام ، فلو خالف صح وكره ، كالخطبة ( مستقبل القبلة ) لما روى أبو داود مرسلا أن الذي رآه عبد الله بن زيد استقبل ، وأذن ، وحكى ابن المنذر الإجماع على أنه من السنة ، ولأنها أشرف الجهات ، فلو خالف فكالذي قبله ( فإذا بلغ الحيعلة ) وهي كلمة مولدة ليست من كلام العرب ، كما يقال بسمل ، وسبحل ، وهيلل ، ونحوها ( التفت ) برأسه وعنقه وصدره ، وظاهر " المحرر " أنه لا يلتفت بصدره ( يمينا وشمالا ) فيكون يمينا حي على الصلاة ، ثم يعيده يسارا ، ثم كذلك حي على الفلاح ، وقيل : يقول يمينا : حي على الصلاة ، ثم يسارا : حي على الفلاح ، ثم كذلك ثانية ، وهو سهو ، والأولى أن يقول يمينا : حي على الصلاة مرتين ، ويسارا : حي على الفلاح مرتين ( ولم يستدر ) أي : لا يزيل قدميه ، قدمه جماعة ، وهو ظاهر الخرقي ، وجزم به في " الوجيز " لما روى أبو جحيفة قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في قبة حمراء من أدم ، فخرج ، وتوضأ ، فأذن بلال ، فجعلت أتتبع فاه هاهنا ، وهاهنا ، يقول يمينا وشمالا : حي على الصلاة حي على الفلاح متفق عليه ، ورواه أبو داود ، وفيه : فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح ، لوى عنقه يمينا وشمالا ، ولم يستدر وظاهره لا فرق فيه بين المنارة وغيرها ، وهو المشهور ، وكأنه لم يعجبه الدوران في المنارة ، وكما لو كان على وجه الأرض ، وعنه : يزيل قدميه في المنارة ، ونحوها ، نصره في " الخلاف " ، واختاره المجد ، وجزم به في " الروضة " لأنه لا يحصل المقصود بدون ذلك ، زاد [ ص: 322 ] أبو المعالي : مع كبر البلد للحاجة ، وظاهره أنه لا يلتفت في الإقامة ، وهو وجه ، قاله أبو المعالي ، وجزم به الآجري وغيره ، والثاني : يلتفت فيها في الحيعلة ، ويرفع صوته مقدار طاقته ، ولا يجهد نفسه لئلا ينضر ما لم يؤذن لنفسه ، أو لجماعة حاضرين ، وتكره الزيادة ، وعنه : التوسط أفضل .

( ويجعل أصبعيه ) أي : سبابتيه ( في أذنيه ) هذا هو المذهب ، قال الترمذي : والعمل عليه عند أكثر أهل العلم ، لما روى أبو جحيفة : أن بلالا وضع أصبعيه في أذنيه رواه أحمد ، والترمذي ، وصححه ، وأمر عليه السلام بلالا بذلك ، وقال : إنه أرفع لصوتك رواه ابن ماجه ، وعنه : يضم أصابعه إلى راحتيه ، ويجعلهما على أذنيه ، وهو اختيار ابن عبدوس ، وابن البنا ، وصاحب " البلغة " ، رواه أحمد عن أبي محذورة ، وعن ابن عمر : أنه أمر مؤذنا بذلك ، رواه أبو حفص ، وعنه : يبسط أصابعه مضمومة على أذنيه ، جزم به في " التلخيص " زاد السامري عليها دون الإبهام ، والراحة ، وقدمه في " الرعاية " قال في " الشرح " : والأول أصح لصحة الخبر ، وشهرته ، وعمل أهل العلم به ، ليجتمع الصوت ويستدل الأصم على كونه أذانا ، وأيهما فعل فحسن ، ويرفع وجهه إلى السماء فيه كله ، نص عليه في رواية حنبل ، لأنه حقيقة التوحيد ، وفي " المستوعب " عند كلمة الإخلاص ، وقيل : والشهادتين ، قاله في " الرعاية " ( ويتولاهما معا ) لما في حديث زياد بن الحارث الصدائي حين أذن قال : فأراد بلال أن يقيم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : يقيم أخو صداء ، فإن من أذن فهو يقيم رواه أحمد ، وأبو داود ، وقال الترمذي : من حديث الإفريقي ، وهو ضعيف عند أهل الحديث ، ولأنهما ذكران يتقدمان الصلاة ، فسن أن يتولاهما واحد ، كالخطبتين ، وعنه : [ ص: 323 ] لا فرق بينه وبين غيره ، ذكره أبو الحسين ، لقوله عليه السلام لعبد الله بن زيد : ألقه على بلال ، فألقاه عليه فأذن ، ثم قال له : أقم أنت رواه أبو داود ، ولأنه يحصل المقصود منه ، أشبه ما لو تولاهما واحد ، وهو محمول على الجواز ، والأول على الاستحباب ، ولو سبق المؤذن بالأذان ، فأراد المؤذن أن يقيم ، فقال أحمد : لو أعاد الأذان كما صنع أبو محذورة ، فإن أقام من غير إعادة فلا بأس .

( ويقيم في موضع أذانه ) لقول بلال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تسبقني بآمين لأنه لو كان يقيم في المسجد لما خاف أن يسبقه بها ، كذا استنبطه الإمام أحمد ، ولقول ابن عمر : كنا إذا سمعنا الإقامة توضأنا ، ثم خرجنا إلى الصلاة ، ولأنه أبلغ في الإعلام كالخطبة الثانية ( إلا أن يشق عليه ) مثل أن يؤذن في منارة ، أو مكان بعيد من المسجد ، فإنه يقيم في غير موضع أذانه ، لئلا تفوته بعض الصلاة ، لإمكان صلاته لكن لا يقيم إلا بإذن الإمام ، لفعل بلال .

التالي السابق


الخدمات العلمية