صفحة جزء
فصل

وإن طلقها ثلاثا ، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، ويطؤها في القبل ، وأدنى ما يكفي من ذلك تغييب الحشفة في الفرج وإن لم ينزل ، وإن كان مجبوبا بقي من ذكره قدر الحشفة ، فأولجه ، أو وطئها زوج مراهق أو ذمي ، وهي ذمية - أحلها ، وإن وطئها في الدبر ، أو وطئت بشبهة ، أو بملك يمين - لم تحل ، وإن وطئت في نكاح فاسد ، لم تحل في أصح الوجهين وإن وطئها زوجها في حيض ، أو نفاس ، أو إحرام - أحلها وقال أصحابنا : لا يحلها ، وإن كانت أمة ، فاشتراها مطلقها - لم تحل ، ويحتمل أن تحل ، وإن طلق العبد امرأته طلقتين ، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، سواء عتقا ، أو بقيا على الرق ، وإذا غاب عن مطلقته ثلاثا ، فأتته ، فذكرت أنها نكحت من أصابها ، أو انقضت عدتها ، وكان ذلك ممكنا ، فله نكاحها إذا غلب على ظنه صدقها ، وإلا فلا .


فصل .

( وإن طلقها ) أي : الحر ( ثلاثا ) والعبد اثنتين ، ولو عبر كـ " الفروع " بقوله : من طلق عدد طلاقه لكان أولى ( لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ) إجماعا ، وسنده قوله تعالى : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره [ البقرة : 230 ] ، وحديث امرأة رفاعة القرظي ، وقال سعيد بن المسيب : إذا تزوجها تزويجا صحيحا لا يريد به إحلالا ، فلا بأس أن يتزوجها الأول ، قال [ ص: 404 ] ابن المنذر : لا نعلم أحدا قال بهذا إلا الخوارج ، ولإجماعهم على أن المراد بالنكاح في الآية : الجماع .

وحاصله : أن حلها للأول مشروط بأن تنكح زوجا غيره ، فلو كانت أمة فوطئها السيد فلا ، وأن يكون النكاح صحيحا على المذهب ، فلو كان فاسدا فلا ، وأن يطأها في الفرج لحديث عائشة ، ونبه عليه بقوله : ( ويطؤها في القبل ) ؛ لأنه - عليه السلام - علق الحل على ذواق العسيلة ، ولا تحصل إلا بالوطء في الفرج ( وأدنى ما يكفي من ذلك تغييب الحشفة ) مع الانتشار ( في الفرج وإن لم ينزل ) ؛ لأن أحكام الوطء تتعلق به ، فلو أولج من غير انتشار لم يحلها ؛ لأن الحكم يتعلق بذواق العسيلة ، ولا يحصل من غير انتشار ، وليس الإنزال شرطا فيه ؛ لأنه - عليه السلام - جعل ذواق العسيلة غاية للحرمة ، وذلك حاصل بدون الإنزال ، والذي يظهر أن هذا في الثيب ، فأما البكر فأدناه أن يفتضها بآلته ( وإن كان مجبوبا بقي من ذكره قدر الحشفة ، فأولجه ) أحلها ؛ لأن ذلك منه بمنزلة الحشفة من غيره ، وفي " الترغيب " وجه : بقيته ( أو وطئها زوج مراهق ) أحلها في قولهم ، إلا الحسن ؛ لظاهر النص ؛ ولأنه وطء من زوج في نكاح صحيح ، أشبه البالغ ، وبخلاف الصغير ، فإنه لا يمكنه الوطء ، ولا تذاق عسيلته ، وفي " المستوعب " : يعتبر أن يكون له عشر سنين فصاعدا ، وقال القاضي : يشترط له اثنتا عشرة سنة ، ونقله مهنا ؛ لأن من دون ذلك لا يمكنه المجامعة ، ولا معنى لهذا ، فإن الخلاف في المجامع ، ومتى أمكنه الجماع فقد [ ص: 405 ] وجد منه المقصود ( أو ذمي ، وهي ذمية ، أحلها ) لمطلقها المسلم ، نص عليه ، وقال : هو زوج ، وبه تجب الملاعنة والقسم ؛ ولظاهر النص ؛ ولأنه وطء من زوج في نكاح صحيح ، أشبه وطء المسلم ( وإن وطئها في الدبر ، أو وطئت بشبهة ، أو بملك يمين - لم تحل ) ؛ لأن الوطء في الدبر لا تذوق به العسيلة ، والوطء بشبهة أو ملك يمين وطء زوج ، فلا يدخل في عموم النص ، فيبقى على المنع ( وإن وطئت في نكاح فاسد ، لم تحل في أصح الوجهين ) نص عليه ؛ لأن النكاح المطلق في الكتاب والسنة إنما يحمل على الصحيح ، وقاله الأئمة ، وخرج أبو الخطاب وجها يحلها ؛ لأنه زوج ، فيدخل في عموم النص ، وسماه - عليه السلام - محللا مع فساد نكاحه ، والأول المذهب ونصره في " الشرح " بدليل ما لو حلف : لا يتزوج ، فتزوج تزويجا فاسدا - لا يحنث ؛ ولأن أكثر أحكام التزويج غير ثابتة فيه من الإحصان ، واللعان ، والظهار ونحوها ، وسماه محللا لقصده التحليل فيما لا يحل ، ولو أحل حقيقة لما لعن ، ولا لعن المحلل له ؛ لقوله - عليه السلام - : ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ولأنه وطء في غير نكاح كوطء الشبهة ( وإن وطئها زوجها في حيض ، أو نفاس ، أو إحرام ) أو صوم واجب منهما ، أو من أحدهما ( أحلها ) في اختيار المؤلف ، وصححه في " الشرح " ؛ لدخوله في العموم ؛ ولأنه وطء تام في نكاح تام ، فأحلها ، كما لو وطئها مريضة يضر بها وطؤه ، فإنه لا خلاف في حلها ، قاله في " الكافي " ، وكما لو تزوجها وهو مملوك ووطئها ، وكما لو وطئها وقد ضاق وقت صلاة ومسجد ، وكقبض مهر ونحوه ؛ لأن الحرمة لا لمعنى فيها لحق الله تعالى ، بخلاف وطئها في إحرام ونحوه [ ص: 406 ] فإن الحرمة هناك لمعنى فيها ، وفي " عيون المسائل " و " المفردات " : منع وتسليم ( وقال أصحابنا : لا يحلها ) قدمه في " الفروع " ، وهو المنصوص في الكل ؛ لأنه وطء حرم لحق الله ، فلم يحلها ، كوطء المرتدة ، أو نكاح باطل .

مسائل : الأولى : إذا وطئها في ردتها أو ردته لم يحلها ؛ لأنه إن عاد إلى الإسلام فقد وقع الوطء في نكاح غير تام ؛ لانعقاد سبب البينونة ، وإن لم يسلم في العدة ، فلم يصادف الوطء نكاحا ، وكذا لو أسلم أحد الزوجين فوطئها قبل إسلام الآخر .

الثانية : إذا كانا مجنونين أو أحدهما ، فوطئها ، أحلها على النص ، وكالبالغ العاقل ، وقال ابن حامد : لا يحلها ؛ لأنه لا يذوق العسيلة ، والأول أصح ؛ لأن العقل ليس شرطا في الشهوة بدليل البهائم ، قال في " الشرح " : لكن إن كان المجبوب ذاهب الحس كالمصروع والمغمى عليه ، فلم يحصل الحل بوطئه .

الثالثة : إذا وطئ مغمى عليها ، أو نائمة لا تحس بوطئه - لم تحل ، حكاه ابن المنذر ، ويحتمل حصول الحل للعموم ، ولو وطئها يعتقدها أجنبية ، فإذا هي امرأته - حلت ؛ لأنه صادف نكاحا صحيحا .

الرابعة : إذا استدخلت ذكره وهو نائم حلت ، وقدم في " الشرح " خلافه ؛ لأنه لم يذق عسيلتها ، وإن وطئها مع إغمائه - فوجهان ، وإن كان خصيا ، أو مسلولا ، أو موجوءا - حلت ؛ لدخوله في عموم الآية في قول الأكثر ، وعنه : [ ص: 407 ] لا لعدم ذوقان العسيلة . قال أبو بكر : والعمل على الأول ؛ لأنه يطأ كالفحل ، ولم يفقد إلا الإنزال ، وهو غير معتبر في الإحلال .

( وإن كانت أمة ، فاشتراها مطلقها - لم تحل ) نص عليه ، رواه مالك ، والبيهقي ، عن زيد بن ثابت ، وقاله الأكثر للآية ؛ ولأن الفرج لا يجوز أن يكون محرما مباحا ( ويحتمل أن تحل ) ؛ لأن الطلاق يختص الزوجية ، فأثر في التحريم .

( وإن طلق العبد امرأته طلقتين ، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ) هذا هو المذهب : أن الطلاق معتبر بالرجال ، والتفريع عليه ، فعلى هذا إذا طلقها طلقتين حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ( سواء عتقا ، أو بقيا على الرق ) ؛ لاستواء حالين في السبب المقتضي للتحريم قبل نكاح زوج آخر ، وذلك أن سبب التحريم استكمال العدد ، وهو موجود في حالتي العتق بعد الرق وبقاء الرق .

والمذهب : أنه إذا عتق بعد طلقة ، ملك تمام الثلاث ، وإن كان بعد طلقتين فعلى روايتين ؛ لأنه روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى به ، وقال في رواية أبي طالب : يتزوجها ولا يبالي في العدة عتقا ، أو بعد العدة ، وقال : هو قول ابن عباس وجابر ؛ لأن ابن عباس أفتى به ، وقال : قضى به النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه أحمد وقال : لا أرى شيئا يدفعه ، وأبو داود ، والنسائي من رواية عمر بن معتب ، عن أبي حسن مولى بني نوفل ، ولا يعرفان ، وقال النسائي في عمر : ليس بقوي ، وقال ابن المبارك ، ومعمر : لقد تحمل أبو حسن هذا صخرة عظيمة ، وقال أحمد : حديث عثمان وزيد في تحريمها عليه جيد ، وحديث ابن عباس يرويه عمر بن معتب ، ولا أعرفه ، وأما أبو حسن فهو عندي معروف ، وقال أبو بكر : إن صح [ ص: 408 ] الحديث ، فالعمل عليه ، وإلا فالعمل على حديث عثمان وزيد ، وبه أقول .

فرع : إذا علق ثلاثا في الرق بشرط ، فوجد بعد عتقه - لزمته الثلاث ، وقيل : ثنتان ، ويبقى له واحدة ، كتعليقها بعتقه في الأصح .

( وإذا غاب عن مطلقته ثلاثا ، فأتته ، فذكرت أنها نكحت من أصابها ، أو انقضت عدتها ، وكان ذلك ممكنا ، فله نكاحها إذا غلب على ظنه صدقها ) المطلقة المبتوتة إذا مضى بعد طلاقها زمن يمكن فيه انقضاء عدتين ، بينهما نكاح ووطء ، ولم يرجع قبل العقد ، وأخبرته بذلك ، وغلب على ظنه صدقها ، مثل أن يعرف أمانتها ، أو بخبر غيرها ممن يعرف حالها ، وفي " الترغيب " وجه : إن كانت ثقة ، فله أن يتزوجها في قول عامتهم ؛ لأنها مؤتمنة على نفسها ، وعلى ما أخبرت به عنها ، ولا سبيل إلى معرفة هذه الحال على الحقيقة إلا من جهتها ، فتعين الرجوع إلى قولها ، كما لو أخبرت بانقضاء عدتها ( وإلا فلا ) أي : إذا لم يوجد ما ذكر ، ولم يغلب على ظنه صدقها ، فلا تحل له ؛ لأن الأصل التحريم ، فوجب البقاء على الأصل ، وكما لو أخبره عن حالها فاسق ، فلو كذبها الثاني في وطء ، قبل قوله في تنصيف مهر ، وقولها في إباحتها للأول ، وكذا لو تزوجت حاضرا ، وفارقها ، وادعت إصابته وهو منكرها . ومثل الأولة ، لو جاءت حاكما ، وادعت أن زوجها طلقها ، وانقضت عدتها ، فله تزويجها إن ظن صدقها بمعاملة ، وعبد لم يثبت عتقه ، قاله الشيخ تقي الدين ، لا سيما إن كان الزوج لا يعرف ، وظهر مما سبق أنه طلقها ، وانقضت العدة ، فإنها تزوج .

[ ص: 409 ] فرع : لو شهدا بأن فلانا طلق امرأته ثلاثا ، ووجد معها بعد ، وادعى العقد ثانيا بشروطه - يقبل منه ، وسئل عنها المؤلف ، فلم يجب ، ولو وطئ من طلقها ثلاثا ، حد ، نص عليه ، فإن جحد طلاقها ووطئها ، فشهد بطلاقه ، فلا ؛ لأنا لا نعلم معرفته به وقت وطئه إلا بإقراره به .

التالي السابق


الخدمات العلمية