صفحة جزء
فصل الثالث : أن يحلف على أكثر من أربعة أشهر أو يعلقه على شرط يغلب على الظن أنه لا يوجد في أقل منها ، مثل أن يقول : والله لا وطئتك حتى ينزل عيسى ، أو يخرج الدجال ، أو ما عشت ، أو قال : والله لا وطئتك حتى تحبلي ; لأنها لا تحبل إذا لم يطأها ، وقال القاضي : إذا قال حتى تحبلي ، وهي ممن يحبل مثلها لم يكن مؤليا . وإن قال : والله لا وطئتك مدة ، أو ليطولن تركي لجماعك - لم يكن مؤليا حتى ينوي أربعة أشهر ، وإن حلف على ترك الوطء حتى يقدم زيد ، ونحوه مما لا يغلب على الظن عدمه في أربعة أشهر ، أو لا وطئتك في هذه البلدة - لم يكن مؤليا . فإن قال : إن وطئتك فوالله لا وطئتك ، أو إن دخلت الدار فوالله لا وطئتك لم يصر مؤليا حتى يوجد الشرط ويحتمل أن يصير مؤليا في الحال . وإن قال : والله لا وطئتك في السنة إلا مرة لم يصر مؤليا حتى يطأها ، وقد بقي منها أكثر من أربعة أشهر ، وإن قال : إلا يوما ، فكذلك في أحد الوجهين . وفي الآخر يصير مؤليا في الحال . وإن قال : والله لا وطئتك أربعة أشهر ، فإذا مضت فوالله لا وطئتك أربعة أشهر لم يصر مؤليا ، ويحتمل أن يصير مؤليا . وإن قال : والله لا وطئتك إن شئت ، فشاءت صار مؤليا ، وإن قال : إلا أن تشائي ، أو إلا باختيارك ، أو إلا أن تختاري لم يصر مؤليا . وقال أبو الخطاب : إن لم تشأ في المجلس صار مؤليا ، وإن قال لنسائه : والله لا وطئت واحدة منكن صار مؤليا منهن . إلا أن يريد واحدة بعينها فيكون مؤليا منها وحدها ، وإن أراد واحدة مبهمة ، فقال أبو بكر : تخرج بالقرعة ، وإن قال : والله لا وطئت كل واحدة منكن كان مؤليا من جميعهن وتنحل يمينه بوطء واحدة ، وقال القاضي : لا تنحل في البواقي . وإن قال : والله لا أطؤكن فهي كالتي قبلها في أحد الوجهين . وفي الآخر : لا يصير مؤليا حتى يطأ ثلاثا فيصير مؤليا من الرابعة ، فعلى هذا لو طلق واحدة منهن ، أو ماتت انحلت يمينه هاهنا ، وفي التي قبلها لا تنحل في البواقي . وإن آلى من واحدة ، وقال للأخرى : شركتك معها لم يصر مؤليا من الثانية ، وقال القاضي : يصير مؤليا منهما .


( الثالث أن يحلف على أكثر من أربعة أشهر ) قاله ابن عباس ، وهو المشهور عن أحمد ; لأنه لم يمنع نفسه من الوطء باليمين أكثر من أربعة أشهر ، فلم يكن مؤليا كما لو حلف على ترك قبلها ، ولأن الله تعالى جعل له تربص أربعة أشهر فما دونها ، فلا معنى للتربص ; لأن مدة الإيلاء تنقضي قبل ذلك ، أو مع انقضائه . وتقدير التربص بأربعة أشهر يقتضي كونه في مدة تناولها الإيلاء ، ولأن المطالبة إنما تكون بعدها ، فإذا انقضت مدتها فما دون لم [ ص: 10 ] تصح المطالبة من غير إيلاء ، فلو قال : والله لا وطئتك ، كان مؤليا ; لأنه يقتضي التأبيد . وعنه : أنه إذا حلف على أربعة أشهر كان مؤليا . ذكرها القاضي أبو الحسين ، وقاله عطاء ، والثوري ; لأنه يمتنع عن الوطء باليمين أربعة أشهر ، فكان مؤليا كما لو حلف على ما زاد . ( أو يعلقه على شرط يغلب على الظن أنه لا يوجد في أقل منها مثل أن يقول : والله لا وطئتك حتى ينزل عيسى ، أو يخرج الدجال ، أو ما عشت ) أو حتى أموت ، أو تموتي ، أو يموت زيد ; لأن ذلك لا يوجد في أربعة أشهر ظاهرا أشبه ما لو قال : والله لا وطئتك في نكاحي هذا ، ولأن حكم الغالب حكم القطع في كثير من الصور فكذا هنا ، وكذا لو علق الطلاق على مرضها ، أو مرض إنسان بعينه ، أو قيام الساعة .

فرع : إذا علق الإيلاء بشرط مستحيل كقوله : والله لا وطئتك حتى تصعدي السماء ، ونحوه ، فهو مؤل ; لأن معناه ترك وطئها ، فإن ما يراد حالة وجوده تعلق على المستحيل كقوله تعالى في الكفار ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط [ الأعراف : 40 ] وكقول الشاعر :


إذا شاب الغراب أتيت أهلي وصار القار كاللبن الحليب

.

( أو قال : والله لا وطئتك حتى تحبلي ) فهو مؤل ، ( لأنها لا تحبل إذا لم يطأها ) لأن حبلها بغير وطء مستحيل عادة كصعود السماء . وفي " المحرر " و " الفروع " : إذا قال حتى تحبلي ، ولم يكن وطئها ، أو وطئ ونيته حبل متجدد فمؤل ، وإلا فالروايتان ( وقال القاضي ) وأبو الخطاب ( إذا قال حتى تحبلي ، وهي ممن يحبل مثلها لم يكن مؤليا ) لأنه يحتمل أنها تحبل قبل مدة الإيلاء ، قال [ ص: 11 ] المؤلف : لا أعلم لهذا وجها ، وهو صحيح إن كان مقصود الحالف حتى تحبلي من وطء ، فلو كانت صغيرة ، أو آيسة ، فهو مؤل . فإن قال أردت بـ " حتى " السببية ، أي : لا أطؤك لتحبلي قبل منه ; لأنه ليس بحالف على ترك الوطء .

تنبيه : لو علقه على ما يعلم وجوده قبل أربعة أشهر كجفاف بقل ، أو ما يغلب على الظن وجوده قبلها كنزول الغيث في أوانه ، أو ما يحتمل الأمرين كقدوم زيد من سفر قريب ، لم يكن مؤليا ; لأنه يغلب على الظن وجود الشرط ، فلا يثبت حكمه ، وكذا لو قال : والله لا أطؤك حتى أعطيك مالا ، بخلاف ما لو قال : والله لا وطئتك طاهرا ، أو وطئا مباحا ، فإنه يصير مؤليا .

( وإن قال : والله لا وطئتك مدة ، أو ليطولن تركي لجماعك - لم يكن مؤليا ) ، لأن ذلك يقع على القليل ، والكثير ، فلا يصير مؤليا به ( حتى ينوي ) أكثر من ( أربعة أشهر ) ليتمحض اليمين للمدة المعتبرة . وفي قول المصنف " ليطولن تركي لجماعك " صريح في الإيلاء ، وصرح به في " المغني " ; لأن الجماع نص في إدخال الذكر في الفرج ، وذكره أبو الخطاب في الكنايات ; لأن الجماع يطلق ويراد به الجماع دون الفرج ، فعلى هذا فيه نية إدخال الذكر في الفرج كما نية المدة .

( وإن حلف على ترك الوطء حتى يقدم زيد ، ونحوه مما لا يغلب على الظن عدمه في أربعة أشهر ، أو لا وطئتك في هذه البلدة - لم يكن مؤليا ) لأنه لا يعلم حلفه على أكثر من أربعة أشهر ، ولا يمكنه وطؤها في غير البلدة المحلوف [ ص: 12 ] عليها . وقال ابن أبي ليلى وإسحاق : هو مؤل ; لأنه حالف على ترك وطئها . وجوابه أنه يمكن وطؤها بغير حنث ، فلم يكن مؤليا كما لو استثنى في يمينه .

فرع : إذا علقه على فعل مباح ، لا مشقة فيه كقوله : والله لا أطؤك حتى تدخلي الدار - لم يكن مؤليا ، بخلاف ما لو علقه على محرم كقوله : والله لا أطؤك حتى تشربي الخمر ، أو أقتل زيدا ; لأنه علقه بممتنع شرعا أشبه الممتنع حسا ، فإن علقه على ما على فاعله فيه مضرة كقوله : والله لا أطؤك حتى تسقطي صداقك عني ، أو حتى تكفلي ولدي ، فهو مؤل ; لأن أخذه لمالها ، أو مال غيرها عن غير رضا صاحبه محرم أشبه شرب الخمر . ( فإن قال : إن وطئتك فوالله لا وطئتك ، أو إن دخلت الدار فوالله لا وطئتك لم يصر مؤليا ) في الحال ; لأنه لا يلزمه في الوطء حق ( حتى يوجد الشرط ) ونصره في " الشرح " وغيره ; لأنه يصير مؤليا بالوطء ، أو دخول الدار ; لأنها تبقى يمينا بمنع الوطء على التأبيد . ( ويحتمل أن يصير مؤليا في الحال ) لأنه لا يمكنه الوطء إلا بأن يصير مؤليا بالوطء ، أو دخول الدار فيلحقه بالوطء ضرر أشبه ما لو منع نفسه من وطئها في الحال في المدة المعتبرة ، وجوابه بأنه يمكنه الوطء من غير حنث ، فلم يكن مؤليا كما لو لم يقل شيئا . وإن قال : إن وطئتك فوالله لا أطؤك فأولج الحشفة ، ثم زاد حنث بالزيادة ، وقيل : لا كمن نوى .

فرع : إذا قال : والله لا وطئتك إلا برضاك لم يكن مؤليا لإمكان وطئها بغير حنث . وكذا إن قال ، والله لا وطئتك مريضة إلا أن يكون بها مرض ، لا يرجى برؤه ، أو لا يزول في أربعة أشهر فينبغي أن يكون مؤليا ; لأنه حالف على ترك وطئها أربعة أشهر ، فإن قال ذلك وهي صحيحة فمرضت [ ص: 13 ] مرضا يمكن برؤه قبل أربعة أشهر ، لم يصر مؤليا وإلا فلا .

( وإن قال : والله لا وطئتك في السنة إلا مرة لم يصر مؤليا ) في الحال ; لأنه يمكنه الوطء بغير حنث ، فلم يكن ممنوعا من الوطء بحكم يمينه ( حتى يطأها وقد بقي منها أكثر من أربعة أشهر ) فيكون مؤليا ; لأنه صار ممنوعا من وطئها بيمينه . وفيه وجه يصير مؤليا في الحال ; لأنه لا يمكنه إلا بأن يصير مؤليا فيلحقه بالوطء ضرر ، وجوابه بأنه ممنوع فيما إذا وطئ ، وقد بقي من السنة ثلثها فأقل ; لأنه لم تبق المدة الممنوع من الوطء فيها المدة المعتبرة في الإيلاء .

( وإن قال : إلا يوما فكذلك في أحد الوجهين ) جزم في " الوجيز " ، وهو المذهب ; لأن اليوم يتنكر ، فلا يختص يوما دون يوم وحينئذ فيجوز أن يكون اليوم المستثنى في الحال ويجوز أن يكون في المآل ، فلا يتحقق الإيلاء لفوات شرطه ، فعليه إن وطئها . وقد بقي من السنة أكثر من ثلثها صار مؤليا وإلا فلا ، ومثله لو قال صمت رمضان إلا يوما ، أو لا كلمتك في السنة إلا يوما ، فإنه لا يختص بيوم . ( وفي الآخر يصير مؤليا في الحال ) وهو قول القاضي وأصحابه ; لأن اليوم المستثنى يكون في آخر المدة كالتأجيل . ومدة الخيار بخلاف المسألة الأولى ، فإن المدة لا تختص وقتا بعينه ومن نصر الأول قال : التأجيل في مدة الخيار تجب الموالاة فيهما ; لأنه لو جازت له المطالبة لزم قضاء الدين فيسقط التأجيل بالكلية ، ولو لزم العقد في أثناء مدة الخيار لم يعد إلى الجواز . وجواز الوطء في يوم من أول السنة وأوسطها ، لا يمنع حكم اليمين فيما بقي منها .

[ ص: 14 ] ( وإن قال : والله لا وطئتك أربعة أشهر ، فإذا مضت فوالله لا وطئتك أربعة أشهر لم يصر مؤليا ) قدمه في " الكافي " ، و " المستوعب " و " الرعاية " و " المحرر " ; لأن كل واحد من الزمانين لا تزيد مدته على أربعة أشهر . ( ويحتمل أن يصير مؤليا ) صححه في " الشرح " ; لأنه يمتنع بيمينه من وطئها مدة متوالية أكثر من أربعة أشهر . وأطلق في " الفروع " الخلاف . وكذا الحكم في كل مدتين متواليتين يزيد مجموعهما عن أربعة أشهر كثلاثة أشهر وشهرين .

( وإن قال : والله لا وطئتك إن شئت فشاءت صار مؤليا ) بوجوده في قول أكثرهم ; لأنه لا يصير ممتنعا من الوطء حتى تشاء ، ولأنه علق اليمين على المشيئة بحرف " إن " أشبه مشيئة غيرها ، فإن حنث فهل لا يكون مؤليا كقوله : والله لا وطئتك إلا برضاك ، فالجواب الفرق بينهما بأنها إذا شاءت انعقدت يمينه بحيث ، لا يمكنه الوطء بغير حنث : بخلاف : والله لا وطئتك إلا برضاك ، فإنه لم يحلف إلا على وطئها حال سخطها ، فيمكنه وطؤها في حال رضاها بغير حنث . فإن قالت : ما أشاء ، أو سكتت لم يصر مؤليا قاله في " المستوعب " .

فرع : إذا قال : والله لا وطئتك إلا أن يشاء أبوك ، أو فلان لم يكن مؤليا ; لأنه علقه بوجود فعل يمكن وجوده في ثلث سنة إمكانا غير بعيد وليس بمحرم ، ولا فيه مضرة ، أشبه ما لو علقه على دخولها الدار . ( وإن قال : إلا أن تشائي ، أو إلا باختيارك ، أو إلا أن تختاري لم يصر مؤليا ) . اقتصر [ ص: 15 ] عليه في " الكافي " ونصره في " الشرح " ; لأنه منع نفسه من وطئها بيمينه إلا عند إرادتها . أشبه ما لو قال : إلا برضاك ، أو حتى تشائي ، وكما لو علقه على مشيئة غيرها ، وقال القاضي : تنعقد يمينه ، فإن شاءت انحلت وإلا فهي منعقدة . ( وقال أبو الخطاب ) وابن الجوزي وجزم به في " التبصرة " ( إن لم تشأ في المجلس صار مؤليا ) لأنه يصدق بمضي المجلس أنها ما شاءت فوجب تحقق ذلك لفوات الاستثناء ، فظاهره بل صريحه يعتمد أن المشيئة تعتبر في المجلس ، والمذهب : لا فرق بين وجودها في الحال ، أو التراخي .

فرع : إذا حلف لا يطؤها حتى تفطم ولدها ، أو ترضعه كان مؤليا ، إذا كان بينه وبين مدة الفطام والرضاع أكثر من أربعة أشهر ، فإن مات الولد قبل مضي أربعة أشهر سقط الإيلاء .

مسألة : إذا حلف على وطء امرأته عاما ، ثم كفر يمينه انحل الإيلاء ، فإن كان تكفيره قبل مضي أربعة أشهر لم ينحل الإيلاء حين التكفير ، وإن كفر بعد الأربعة قبل الوقت صار كالحالف على أكثر منها إذا مضت يمينه على وفقه .

( وإن قال لنسائه : والله لا وطئت واحدة منكن صار مؤليا منهن ) . جزم به الجماعة ; لأن النكرة في سياق النفي ، فإنها تعم ، ولا يمكنه وطء واحدة منهن إلا بالحنث ، وقال القاضي : يكون مؤليا من واحدة غير معينة ; لأن لفظه تناول واحدة منكرة ، فلا يقتضي العموم . وجوابه مما سبق لقوله تعالى : لم يتخذ ولدا [ الإسراء : 111 ] ولم يكن له كفوا أحد [ الإخلاص : 4 ] [ ص: 16 ] فيجب حمل اللفظ على الإطلاق على مقتضاه في العموم ، فعلى الأول إذا طلق واحدة منهن ، أو ماتت كان مؤليا من البواقي ; لأنه تعلق بكل واحدة منفردة ، وإن وطئ واحدة منهن حنث وسقط الإيلاء من الباقيات ; لأنها يمين واحدة . ( إلا أن يريد واحدة بعينها فيكون مؤليا منها وحدها ) ، لأن اللفظ يحتمله ، وهو أعلم بنيته ، ( وإن أراد واحدة مبهمة ) قبل منه ، ولا يصير مؤليا منهن في الحال ، فإذا وطئ ثلاثا كان مؤليا من الرابعة ( فقال أبو بكر : يخرج بالقرعة ) قدمه في " المحرر " و " الرعاية " وجزم به في " الوجيز " ، وفي " الكافي " هو قياس المذهب . كما إذا طلق واحدة من نسائه ، لا بعينها وكالعتق ، وقيل : يرجع إلى تعيينه .

( وإن قال : والله لا وطئت كل واحدة منكن كان مؤليا من جميعهن ) لأن لفظه صريح في التعميم ، ولا يقبل قوله : نويت واحدة معينة ، أو مبهمة ، ولفظة " كل " أزالت الخصوص . ( وتنحل يمينه بوطء واحدة ) جزم به في " الكافي " ، وقدمه في " الرعاية " ; لأنها يمين واحدة تعلقت بأشياء ، فإذا حنث فيها لم تتبعض . ويسقط حكم المهر في الباقي ( وقال القاضي : لا تنحل في البواقي ) قدمه في " المستوعب " كما لو طلق إحداهن ، أو ماتت ، ولأنه صريح بمنع نفسه من كل واحدة أشبه ما لو حلف على كل واحدة يمينا .

فرع : إذا قال كلما وطئت واحدة منكن فضرائرها طوالق ، وقلنا : هو إيلاء ، فهو مؤل منهن .

[ ص: 17 ] ( وإن قال : والله لا أطؤكن فهي كالتي قبلها في أحد الوجهين ) وهو ينبني على أصل . وهو هل يحنث بفعل البعض ، وفيه روايتان : إحداهما : يحنث فيكون مؤليا في الحال منهن ، وجزم به في " الوجيز " ; لأنه لا يمكنه وطء واحدة منهن إلا بحنث ، فإذا وطئ واحدة انحلت يمينه ; لأنها يمين واحدة فتنحل بالحنث فيها كما لو حلف على واحدة ، والثانية : لا يحنث بفعل البعض ، ولا يكون مؤليا في الحال ; لأنه يمكنه وطء كل واحدة بغير حنث . ( وفي الآخر : لا يصير مؤليا حتى يطأ ثلاثا فيصير مؤليا من الرابعة ) ، لأن المنع حينئذ يصير في الرابعة محققا ضرورة الحنث بوطئها وابتداء المدة حينئذ ، ( فعلى هذا لو طلق واحدة منهن ، أو ماتت انحلت يمينه هاهنا ) لأنه يمكنه وطء الباقيات بغير حنث ، ( وفي التي قبلها ، لا تنحل في البواقي ) لأنه يقتضي كون المحلوف عليه المنع من كل واحدة ، وطلاق واحدة ، أو موتها ، لا يوجب انحلال اليمين في غيرها كما لو حلف بالله : لا وطئت هذه ، ثم حلف : لا وطئت هذه ، ثم ماتت إحداهما ، أو طلقها ، وذكر القاضي أنه إذا قلنا يحنث بفعل البعض فوطئ واحدة حنث ، ولم ينحل الإيلاء في البواقي ونصره في " الشرح " خلاف قوله ، وقيل : إن ماتت لم تبق يمين ، ولا إيلاء على الوجهين ، وعلى الأول إذا قلنا صار مؤليا منهن ، فإذا طالبن بالفيئة ، وقف لهن كلهن ، فإن اختلفت مطالبتهن ، وقف لكل واحدة عند طلبها ، اختاره أبو بكر ; لأنه لا يؤخذ بحقها قبل طلبها ، وعنه : يوقف للجميع وقت مطالبة أولاهن . قال القاضي : هو ظاهر كلام أحمد ; لأنها يمين واحدة ، فكان الوقف لها واحدا ، والكفارة واحدة ، وقيل : تجب [ ص: 18 ] بفيئته إلى كل واحدة كفارة .

( وإن آلى من واحدة ، وقال للأخرى : شركتك معها لم يصر مؤليا من الثانية ) لأن اليمين بالله لا تصح إلا بلفظ صريح من اسم ، أو صفة ، والتشريك بينهما كناية ، فلم تصح به اليمين . ( وقال القاضي : يصير مؤليا منهما ) كالطلاق لكن الفرق بينهما أن الطلاق ينعقد بالكناية ، وليس كذلك اليمين ، فلو آلى رجل من زوجته ، فقال آخر لامرأته : أنت مثل فلانة لم يكن مؤليا . وعلم مما سبق أنه لا يصح إلا من زوجة ، فلو حلف على ترك وطء أمته لم يكن مؤليا للنص ، وكذا لو حلف على ترك وطء أجنبية ، ثم نكحها ، نص عليه ونصره في " الشرح " لأن الإيلاء حكم من أحكام النكاح ، فلم يتقدمه كالطلاق ، وقال الشريف أبو جعفر : قال أحمد : يصح الظهار قبل النكاح فكذا الإيلاء ، وقيل : بشرط إضافته إلى النكاح كما لو قال : إن تزوجت فلانة فوالله لا وطئتها ، ومثله نكاح فاسد .

تنبيه : يصح الإيلاء بكل لغة مطلقا ، فإن آلى بالعجمية ، أو العربية من لا يدري معناها لم يكن مؤليا ، وإن نوى موجبها عند أهلها ، فإن آلى عربي ، أو عجمي بلغته ، ثم قال : جرى على لساني من غير قصد لم يقبل قوله في الحكم ; لأنه خلاف الظاهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية