صفحة جزء
فصل وإذا صح الإيلاء ضربت له مدة أربعة أشهر فإن كان بالرجل عذر يمنع الوطء احتسب عليه بمدته ، وإن كان ذلك بها لم تحتسب عليه . وإن طرأ بها استؤنفت المدة عند زواله إلا الحيض ، فإنه يحتسب عليه بمدته ، وفي النفاس وجهان ، وإن طلقها في أثناء المدة انقطعت ، فإن راجعها ، أو نكحها إذا كانت بائنا استؤنفت المدة .


فصل

( وإذا صح الإيلاء ضربت له مدة أربعة أشهر ) فالمؤلي يتربص أربعة أشهر كما أمره الله تعالى ، ولا يطالب بالوطء فيهن ، فإذا مضت ورافعته امرأته إلى الحاكم أمره بالفيئة ، فإن أبى أمر بالطلاق ، ولا تطلق بمضي المدة . قال أحمد : يوقف عن أكابر الصحابة ، وقال في رواية أبي طالب : قال ذلك عمر ، [ ص: 21 ] وعثمان ، وعلي ، وابن عمر ، وجعل يثبت حديث علي ، ورواه البخاري عن ابن عمر ، قال : ويذكر عن أبي الدراداء وعائشة واثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال سليمان بن يسار : أدركت بضعة عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يوقف المؤلي . رواه الشافعي ، والدارقطني بإسناد جيد . وقال ابن مسعود وابن عباس : إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة ، وقال مكحول ، والزهري : تطليقة رجعية ; لأن هذه المدة ضربت لاستدعاء الفعل منه أشبه مدة العنة ، وجوابه ظاهر الآية ، والفاء للتعقيب . ثم قال وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم [ البقرة : 227 ] . ولو وقع بمضي المدة لم يحتج إلى عزم عليه . وقوله سميع عليم يقتضي أن الطلاق مسموع ، ولا يكون المسموع إلا كلاما ، ولأنها مدة ضربت تأجيلا ، فلم تستحق المطالبة فيها كسائر الآجال . ومدة العنة حجة لنا ، فإن الطلاق لا يقع إلا بمضيها ، ولأن مدة العنة ضربت ليختبر فيها ، ويعرف عجزه عن الوطء بتركه في مدتها . وهذه ضربت تأخيرا له وتأجيلا ، ولا يستحق المطالبة إلا بمضي الأجل كالدين ، وفي " الوجيز " تضرب للكافر المدة بعد إسلامه ، والمذهب أن ابتداءها من حين اليمين ، ولا يفتقر إلى ضرب ; لأنها تثبت بالنص ، والإجماع كمدة العنة ، ( فإن كان بالرجل عذر يمنع الوطء ) كمرض وصوم . ( احتسب عليه بمدته ) لأن المانع من جهته ، وقد وجد التمكين الذي عليها وكذلك لو أمكنته من نفسها وامتنع وجبت لها النفقة ، وإن طرأ شيء من هذه الأعذار بعد الإيلاء ، أو جن لم تنقطع المدة . ( وإن كان ذلك بها ) كصغرها ومرضها وصيامها واعتكافها المفروضين وإحرامها . ( لم تحتسب عليه ) [ ص: 22 ] أي إذا وجد ذلك حال الإيلاء لم تضرب له المدة حتى تزول ; لأن المدة تضرب لامتناعه من وطئها ، والمنع هنا من قبلها . ( وإن طرأ بها ) هو بالهمز ، وقد يترك . ( استؤنفت المدة عند زواله ) ولم تبن على ما مضى لقوله تعالى : تربص أربعة أشهر [ البقرة : 226 ] يقتضي أنها موالية ، فإذا قطعها وجب استئنافها كمدة الشهرين في صوم الكفارة ، وقيل : تبنى كحيض ( إلا الحيض ، فإنه يحتسب عليه بمدته ) ولا يمنع ضرب المدة إذا كان موجودا وقت الإيلاء ; لأنه لو منع لم يمكن ضرب المدة ; لأن الحيض في الغالب لا يخلو منه شهر فيؤدي ذلك إلى إسقاط حكم الإيلاء . ( وفي النفاس وجهان ) وقيل : روايتان أحدهما هو كالحيض ; لأنه مثله في أحكامه . والثاني : وهو الأشهر أنه كالمرض ; لأنه عذر نادر . وقيل : مجنونة لها شهوة كعاقلة ، وفي " الرعاية " : فإن تعذر الوطء بسبب من جهتها كحيض وحبس ومرض وصغر لم يحتسب عليه في المدة . وقيل : بلى ، وإن طرأ بعض ذلك فيها ، ثم زال استؤنفت ، وقيل : لا كحيض ، قال في " المحرر " : فيخرج أن يسقط أوقات المنع منها ، ويبني على ما مضى ( وإن طلقها في أثناء المدة انقطعت ) لأنها صارت ممنوعة بغير اليمين ، فانقطعت المدة كما لو كان الطلاق بائنا سواء بانت بفسخ ، أو خلع ، أو بانقضاء عدتها من الطلاق الرجعي ; لأنها صارت أجنبية ، ولم يبق شيء من أحكام نكاحها ( فإن راجعها ، أو نكحها إذا كانت بائنا استؤنفت المدة ) لأن الإيلاء يعود حكمه بذلك ، والتربص واجب فوجب استئنافها ضرورة الوفاء بالواجب ، وظاهره أن الطلاق الرجعي كالبائن في انقطاع مدة التربص ، وفي استئنافها بالرجوع إلى زوجته . [ ص: 23 ] وصرح به في " المغني " وأنه لا يحتسب المدة على الزوجة من الرجعة في قول الخرقي ، والقاضي ; لأنها صارت ممنوعة من غير يمين ، فانقطعت كما لو كان الطلاق بائنا . وقال ابن حامد : إذا طلق استؤنفت مدة أخرى من حين طلاقه وتحتسب مدة الإيلاء في زمن عدة الرجعة ، فإذا تمت أربعة أشهر قبل انقضاء عدة الطلاق وقف ، فإن فاء وإلا أمر بالطلاق ، وإن انقضت العدة قبل مدة الإيلاء تربص به تمام أربعة أشهر من حين طلق ، والمذهب أنه إذا طلق رجعيا في المدة لم تنقطع قبل فراغ عدتها ، وقيل : تنقطع وتستأنف كما لو ارتدا ، أو أحدهما بعد الدخول ، أو أسلما في العدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية