صفحة جزء
[ ص: 30 ] كتاب الظهار وهو محرم وهو أن يشبه امرأته ، أو عضوا منها بظهر من تحرم عليه على التأبيد - بها ، أو بعضو منها فيقول : أنت علي كظهر أمي ، أو كيد أختي ، أو كوجه حماتي ، أو ظهرك أو يدك علي كظهر أمي أو كيد أختي أو خالتي من نسب أو رضاع . وإن قال : أنت علي كأمي ، كان مظاهرا . وإن قال : أردت كأمي في الكرامة ، ونحوه دين . وهل يقبل في الحكم ؛ يخرج على روايتين . وإن قال : أنت كأمي ، أو مثل أمي فذكر أبو الخطاب فيها روايتين ، والأولى أن هذا ليس بظهار إلا أن ينويه أو يقترن به ما يدل على إرادته . وإن قال : أنت علي كظهر أبي ، أو كظهر أجنبية ، أو أخت زوجتي ، أو عمتها ، أو خالتها ، فعلى روايتين . وإن قال : أنت علي كظهر البهيمة لم يكن مظاهرا . وإن قال : أنت علي حرام ، فهو مظاهر إلا أن ينوي طلاقا ، أو يمينا ، فهل يكون ظهارا ، أو ما نواه ؛ على روايتين .


كتاب الظهار

هو
مشتق من الظهر سمي بذلك لتشبيه الزوجة بظهر الأم ، وإنما خصوا الظهر دون غيره ; لأنه موضع الركوب إذ المرأة مركوبة إذا غشيت ، فقوله : أنت علي كظهر أمي ، أي : ركوبك للنكاح حرام علي كركوب أمي للنكاح فأقام الظهر مقام الركوب ; لأنه مركوب ، وأقام الركوب مقام النكاح ; لأن الناكح راكب . ويقال : كانت المرأة بالظهار تحرم على زوجها ، ولا تباح لغيره فنقل الشارع حكمه لا تحريمها . ووجوب الكفارة بعد العود وأبقى محله ، وهو الزوجية ( وهو محرم ) إجماعا حكاه ابن المنذر . وسنده قوله تعالى : وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا [ المجادلة : 2 ] . وقول المنكر والزور من أكبر الكبائر للخبر . ومعناه أن الزوجة ليست كالأم في التحريم لقوله تعالى : ما هن أمهاتهم [ المجادلة : 2 ] وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم [ الأحزاب : 4 ] ، والسنة حديث أوس بن الصامت حين ظاهر من زوجته خويلة بنت مالك بن ثعلبة فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم تشتكيه فأنزل الله أول سورة المجادلة . رواه أبو داود وصححه ابن حبان ، والحاكم وفيه أحاديث أخر ستأتي ( وهو أن يشبه امرأته ، أو عضوا منها بظهر من تحرم عليه على التأبيد - بها ، أو بعضو منها ) إذا شبه امرأته بظهر من تحرم عليه على التأبيد كقوله : أنت علي كظهر أمي . فهو مظاهر إجماعا ، وإن شبهها بظهر من تحرم من ذوي رحمه كجدته [ ص: 31 ] وخالته فكذلك في قول أكثرهم ; لأنهن محرمات بالقرابة أشبهن الأم ، ( فيقول : أنت علي كظهر أمي ، أو كيد أختي ، أو كوجه حماتي ) الأحماء في اللغة أقارب الزوج ، والأختان أقارب المرأة ، والأصهار لكل واحد منهما ، ونقل ابن فارس أن الأحماء كالأصهار ، فعلى هذا فيقال هذه حماة زيد وحماة هند . ( أو ظهرك ، أو يدك علي كظهر أمي ) على الأصح فيه ( أو كيد أختي ، أو خالتي ) لأنه تشبيه لعضو منها بعضو من تحرم عليه على التأبيد أشبه ما لو قال أنت علي كظهر أمي ، وإنما كان ذلك ظهارا ; لأنه قد أتى بالمنكر من القول ، والزور وذلك موجود في تشبيه عضو منها بذلك . ( من نسب ) كالأمهات ، والجدات ( أو رضاع ) كالأمهات المرضعات ، والأخوات من الرضاعة لاستوائهما في التحريم على التأبيد . وعنه لا يكون ظهارا . قاله الحلواني حتى يشبه جملة امرأته ; لأنه لو حلف بالله ، لا يمس عضوا منها لم يسر إلى غيره . والأول المذهب ; لأن تحريم المحرمات من النسب ، والرضاع ، إنما كان لمعان نظر إليها الشارع فيهن فحرمهن لتلك المعاني وأباح الزوجة لمعنى فيها فإلحاقها في التحريم بمن حرمه الله عز وجل افتراء على الله وتحريم لما أباحه الله منهن . وظاهره ، ولو وقع منه بغير العربية ، فإن قال كشعر أمي ، أو سنها ، أو ظفرها فلغو ; لأنها ليست من الأعضاء الثابتة وكذا الريق والدم والروح . وكوجهي من وجهك حرام وليس بظهار نص عليه وأمي امرأتي ، أو مثلها . وفي " المبهج " أنه كطلاق .

تنبيه : إذا قال : أنت علي ، أو عندي ، أو مني ، أو معي كأمي ، أو مثل [ ص: 32 ] أمي ، وأطلق . فهو ظهار وعنه لا ، اختاره في " الإرشاد " و " المغني " ، وإن نوى في الكرامة ، ونحوها دين ، وفي الحكم روايتان ، وإن قال : جملتك ، أو بدنك ، أو جسمك ، أو ذاتك ، أو كلك علي كظهر أمي كان ظهارا كقوله : أنت ; لأنه أتى بما يقضي تحريمها عليه ، فانصرف الحكم إليه كما لو قال أنت طالق . وإن قال : أنت كظهر أمي طالق ، أو عكسه لزما .

فائدة : يكره أن يسمي الرجل زوجته بمن تحرم عليه لما روى أبو داود : أن رجلا قال لامرأته : يا أخته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أختك هي فكره ذلك ونهى عنه ، ولأنه لفظ يشبه الظهار ، ولا يثبت حكمه .

وإن قال أنت علي كأمي كان مظاهرا ; لأنه شبه امرأته بأمه أشبه ما لو شبهها بعضو من أعضائها ، وهذا إذا نوى به الظهار ، فإن أطلق فروايتان ، قال ابن أبي موسى : أظهرهما أنه ليس بظهار حتى ينويه . وقال أبو بكر : هو صريح في الظهار ، ونص عليه . قال المؤلف : وقياس المذهب عندي أنه إن وجدت قرينة تدل على الظهار مثل أن يخرجه مخرج الحلف ، أو قال ذلك حال الخصومة ، والغضب .

( وإن قال : أردت كأمي في الكرامة ، ونحوه دين ) ، لأنه أعلم بمراده . ( وهل يقبل في الحكم ؛ يخرج على روايتين ) ، أصحهما ، واختاره المؤلف أنه يقبل ; لأنه لما احتمل الظهار وغيره ترجح عدم الظهار بدعوى الإرادة ، والثانية : لا يقبل ; لأنه لما قال أنت علي كأمي اقتضى أن يكون فيها تحريم أشبه ما لو قال أنت علي كظهر أمي .

[ ص: 33 ] ( وإن قال : أنت كأمي ، أو مثل أمي ) بإسقاط علي ، أو عندي . فهو مظاهر إن نواه ; لأنه يحتمله ، ذكره في " الشرح " ( فذكر أبو الخطاب فيها روايتين ) مثل قوله أنت علي كأمي ، وكذا يتخرج في قوله رأسك كرأس أمي ، أو يدك كيدها وما أشبهه ، فلو قال : أمي امرأتي ، أو مثل امرأتي لم يكن ظهارا ; لأنه تشبيه لأمه ووصف لها وليس بوصف لامرأته . ( والأولى أن هذا ليس بظهار ) ، لأن اللفظ ظاهر في الكرامة فتعين حمله عليه عند الإطلاق ، ولأنه ليس بصريح فيه لكونه غير اللفظ المستعمل فيه ، كما لو قال أنت كبيرة مثل أمي ( إلا أن ينويه ، أو يقترن به ما يدل على إرادته ) ، لأن النية تعين اللفظ في المنوي ، والقرينة شبيهة بها . ( وإن قال : أنت علي كظهر أبي ) أو كأبي ، أو مثل أبي ( أو كظهر أجنبية ، أو أخت زوجتي ، أو عمتها ، أو خالتها ، فعلى روايتين ) إذا قال أنت علي كظهر أبي فعنه ظهار ; لأنه شبهها بظهر من يحرم عليه على التأبيد أشبه الأم ، وكذا إن شبهها بالميتة . والثانية : ليس بظهار ، وهي قول أكثر العلماء لأنه تشبيه بما ليس بمحل للاستمتاع أشبه ما لو قال أنت علي كما لزيد ، فعلى هذا عليه كفارة يمين لأنه نوع تحريم أشبه ما لو حرم ماله . وعنه لا شيء عليه أشبه التشبيه بمال غيره . وأما إذا شبه امرأته بظهر من تحرم عليه تحريما مؤقتا كأخت امرأته وعمتها ، أو الأجنبية ، فالأشبه أنه ظهار . اختاره الخرقي وأبو بكر ورجحه في " الشرح " ; لأنه شبهها بمحرمة أشبه تشبيهها بالأم . والثانية : ليس بظهار ; لأنها غير محرمة على التأبيد ، فلا يكون التشبيه بها كافيا كالحائض .

[ ص: 34 ] ( وإن قال أنت علي كظهر البهيمة لم يكن مظاهرا ) لأنه ليس بمحل للاستمتاع ، وفيه وجه كما لو شبهها بظهر أبيه وأطلقهما في " المحرر " و " الفروع " . وذكر في " الرعاية " إذا نوى الظهار فليس مظاهرا . وقيل بلى ( وإن قال : أنت علي حرام ، فهو مظاهر ) إذا لم ينو به طلاقا ، ولا يمينا في قول أكثر العلماء ; لأن اللفظ ظاهر فيه فوجب كونه ظهارا كسائر الألفاظ الظاهرة . فلو زاد إن شاء الله فليس بظهار . نص عليه ( إلا أن ينوي طلاقا ، أو يمينا فهل يكون ظهارا ، أو ما نواه على روايتين ) . إذا نوى به الطلاق ، فالأشهر أنه ظهار ، نص عليه في رواية جماعة . وحكاه إبراهيم الحربي عن عثمان ، وابن عباس وغيرهما ; لأنه تحريم أوقعه في الزوجة ، فكان بإطلاقه ظهارا لشبهها بظهر أمه وكما لو قال أنت علي كظهر أمي ونوى به الطلاق . والثانية : أنه ما نواه ; لأن النية إذا لم تكن موجبة ، فلا أقل من أن تكون صادقة . وعنه : أن التحريم يمين ، وروي عن ابن عباس لقوله تعالى : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك [ التحريم : 1 ] . وأكثر الفقهاء على أن التحريم إذا لم ينو به الظهار فليس بظهار ، وإن نوى الظهار ، والطلاق معا كان ظهارا ; لأن اللفظ الواحد ، لا يكون كذلك .

فرع : إذا قال : ما أحل الله علي حرام من أهل ومال ، فكفارة ظهار ، تجزئه كفارة واحدة في ظاهر كلامه . ونصره المؤلف ; لأنه يمين واحدة ، فلا توجب كفارتين . واختار ابن عقيل أنه يلزمه كفارتان للظهار ولتحريم المال ; لأنه لو انفرد أوجب بذلك فكذا إذا اجتمعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية