صفحة جزء
[ ص: 35 ] فصل ويصح من كل زوج يصح طلاقه ، مسلما كان أو ذميا . والأقوى عندي أنه لا يصح من الصبي ظهار ، ولا إيلاء ; لأنه يمين مكفرة ، فلم ينعقد في حقه . ويصح من كل زوجة ، فإن ظاهر من أمته ، أو أم ولد لم يصح وعليه كفارة اليمين . ويحتمل أن تلزمه كفارة ظهار . وإن قالت المرأة لزوجها أنت علي كظهر أبي لم تكن مظاهرة وعليها كفارة ظهار ، وعليها التمكين قبل التكفير . وعنه : كفارة يمين ، وهو قياس المذهب ، وعنه لا شيء عليها . وإن قال لأجنبية : أنت علي كظهر أمي لم يطأها إن تزوجها حتى يكفر ، وإن قال لأجنبية : أنت علي حرام يريد في كل حال فكذلك . وإن أراد في تلك الحال ، فلا شيء عليه ; لأنه صادق . ويصح الظهار معجلا ومعلقا بشرط ومطلقا ومؤقتا نحو أنت علي كظهر أمي شهر رمضان ، أو إن دخلت الدار فمتى انقضى الوقت زال الظهار ، وإن أصابها فيه وجبت عليه الكفارة .


فصل

( ويصح من كل زوج يصح طلاقه ) فكل من صح طلاقه صح ظهاره ; لأنه قول يختص النكاح أشبه الطلاق . قال في " عيون المسائل " : فإن أحمد سوى بينه وبين الطلاق ، وفي " الموجز " مكلف ، وفي " الرعاية " و " الوجيز " من صح طلاقه صح ظهاره إلا الأب ، والسيد ( مسلما كان ، أو ذميا ) على الأصح فيه ; لأنه يجب عليه كفارة إذا حنث فوجب صحة ظهاره كالمسلم ، وكجزاء صيد ، ويكفر بمال فقط . وقال ابن عقيل : ويعتق بلا نية ، وأنه يصح العتق من مرتد . وفي " عيون المسائل " : ويعتق ; لأنه من فرع النكاح ، أو قول لمنكر وزور ، والذمي أهل لذلك . والثانية : لا يصح منه ; لأن الكفارة لا تصح منه ; لأنها عبادة تفتقر إلى النية كسائر العبادات . وجوابه بأنه يبطل بكفارة الصيد إذا قتله في الحرم ويصح منه العتق ، لا الصيام ، ولا تمتنع صحة الظهار بامتناع بعض أنواع الكفارة كما في حق العبد . والنية إنما تعتبر لتعيين الفعل للكفارة ، فلا يمتنع ذلك في حق الكافر كالنية في كنايات الطلاق . واقتضى ذلك صحته من الصبي ، والعبد ، وقيل : لا يصح من العبد ، وإن من لا يصح طلاقه ، وهو الطفل وزائل العقل بجنون ، أو إغماء ، أو نوم ، لا يصح منه بغير خلاف نعلمه .

( والأقوى عندي أنه لا يصح من الصبي ظهار ، ولا إيلاء ; لأنه يمين مكفرة ، فلم ينعقد في حقه ) كاليمين بالله تعالى ، ولأن الكفارة وجبت لما فيه [ ص: 36 ] من قول المنكر والزور ، وذلك مرفوع عن الصبي ; لأن القلم مرفوع عنه . وفي " المذهب " في يمينه وجهان ، وفي " عيون المسائل " يحتمل ألا يصح ظهاره ; لأنه تحريم مبني على قول الزور وحصول التكفير ، والمأثم وإيجاب مال ، أو صوم . قال : وأما الإيلاء ، فقال بعض أصحابنا : تصح ردته وإسلامه وذلك متعلق بذكر الله . وإن سلمنا ، فإنما لم يصح ; لأنه ليس من أهل اليمين بمجلس الحكم لرفع الدعوى . ( ويصح من كل زوجة ) كبيرة كانت ، أو صغيرة مسلمة ، أو ذمية ، أمكن وطؤها أو لا ; لعموم الآية ، وقال أبو ثور : لا يصح ممن لا يمكن وطؤها ; لأن الظهار لتحريم وطئها ، وهو ممتنع منه بغير اليمين ، وجوابه العموم ، ولأنها زوجة يصح طلاقها فصح الظهار منها كغيرها .

( فإن ظاهر من أمته ، أو أم ولد لم يصح ) . وقال عبد الله بن عمر ، وابن عمرو ، ورواه الدارقطني عن ابن عباس لقوله تعالى : الذين يظاهرون منكم من نسائهم [ المجادلة : 2 ] فخصهن به ، ولأنه لفظ تعلق به تحريم الزوجة ، فلا تحرم به الأمة كالطلاق ( وعليه كفارة اليمين ) . نقله الجماعة ، وقدمه في " الكافي " وصححه في " الشرح " كتحريم سائر ماله . وقال نافع : حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جاريته فأمره الله أن يكفر يمينه .

[ ص: 37 ] ( ويحتمل أن تلزمه كفارة ظهار ) ونقله حنبل عن أحمد ; لأنه أتى بالمنكر من القول ، والزور ، ولكن قال أبو بكر : لا يتوجه هذا على مذهبه ; لأنه لو كان عليه كفارة ظهار كان مظاهرا ، ويحتمل ألا يلزمه شيء . قاله أبو الخطاب كما لو قال : أنت علي كظهر أبي . وفي " عمد الأدلة " و " الترغيب " رواية أنه يصح ، قال أحمد : وإن أعتقها ، فهو كفارة يمين ويتزوجها إن شاء .

( وإن قالت المرأة لزوجها أنت علي كظهر أبي ) أو إن تزوجت فلانا ، فهو علي كظهر أبي ( لم تكن مظاهرة ) رواية واحدة . قاله القاضي ، وهو قول أكثر العلماء للآية ، ولأنه قول يوجب تحريم الزوجة ، يملك الزوج رفعه ، فاختص به الرجل كالطلاق . وعنه : ظهار . اختاره أبو بكر ، وابن أبي موسى ، وقاله الزهري ، والأوزاعي فتكفر إن طاوعته ، وإن استمتعت به ، أو عزمت فكمظاهر ( وعليها كفارة ظهار ) قدمه في " المستوعب " و " الفروع " ، وصححه الحلواني ; لأن عائشة بنت طلحة قالت : إن تزوجت مصعب بن الزبير ، فهو علي كظهر أبي ، فاستفتت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأمروها أن تعتق رقبة وتتزوجه . رواه سعيد ، والأثرم ، والدارقطني ، ولأنها زوج أتى بالمنكر من القول والزور كالآخر ، ولأن الظهار يمين مكفرة فاستوى فيها المرأة ، والرجل . [ ص: 38 ] قاله أحمد ، وقال في رواية حرب عن ابن مسعود : الظهار من الرجل ، والمرأة سواء ( وعليها التمكين قبل التكفير ) نص عليه ; لأن ذلك حق عليها ، فلا يسقط بيمينها كاليمين بالله تعالى ، وقيل : لا ، وهو ظاهر كلام أبي بكر كالرجل . والفرق واضح . ونقل صالح له أن يطأ قبل أن تكفر ; لأنه ليس لها عليه شيء ، وفي " المحرر " يحرم عليها ابتداء قبله ، يعني : كمظاهر . ( وعنه : كفارة يمين ، وهو قياس المذهب ) وأشبه بأصوله ; لأنه تحريم لحلال كتحريم الأمة . وما روي عنعائشة يتعين حمله على ذلك لكون الموجود منها ليس بظاهر ، وظاهر كلامه في رواية الأثرم لا يقتضي وجوب كفارة الظهار . إنما قال : الأحوط ، ولا شك أن الأحوط التكفير بأغلظ الكفارات ليخرج من الخلاف . ( وعنه لا شيء عليها ) وهو قول أكثر العلماء ; لأنه قول منكر وزور ، وليس بظهار ، فلم تجب كفارة كالنسب ، وإذا قلنا بوجوب الكفارة عليها لم تجب إلا بوطئها مطاوعة ، فإن طلقها ، أو مات أحدهما قبل وطئها ، أو أكرهها عليه ، فلا كفارة ، ولأنها يمين ، فلم تجب الكفارة قبل الحنث كسائر الأيمان .

فرع : إذا علقته بتزوجها لم تكن مظاهرة في قول الأكثر ، وهو ظاهر نصوصه . ولم يفرق بينهما أحمد ، إنما سئل في رواية أبي طالب ، فقال : ظهار . وقطع به في " المحرر " ، وقيل له في " المفردات " : هذا ظهار قبل النكاح ، وعندكم لا يصح ، قلنا : يصح على رواية ، وإن قلنا : لا يصح ، فالخبر أفاد الكفارة ، وصحته قام الدليل على أنه لا يصح قبله ، بقيت الكفارة ، وذكر ابن [ ص: 39 ] عقيل على المذهب أن قياسه قولها أنا عليك كظهر أمك ، فإن التحريم عليه تحريم عليها .

( وإن قال لأجنبية : أنت علي كظهر أمي ) فهو صحيح مطلقا . نصره في " الشرح " ، وقدمه في " المحرر " ورواه أحمد عن عمر ، ولأنها يمين مكفرة فصح عقدها قبل النكاح كاليمين بالله تعالى . والآية الكريمة خرجت مخرج الغالب ، وقيل : لا يصح ، وقاله الأكثر من العلماء كالطلاق ، والإيلاء . وجوابه أن الطلاق حل قيد النكاح . ولا يمكن حله قبل عقده . والظهار تحريم للوطء ، فيجوز تقديمه على العقد كالحيض ، وإنما اختص حكم الإيلاء بنسائه لكونه يقصد الإضرار بهن . والكفارة وجبت هنا لقول المنكر والزور ، فلا يختص ذلك بنسائه . ( لم يطأها إن تزوجها حتى يكفر ) ، نص عليه ; لأنها إذا تزوجها تحقق معنى الظهار فيها وحيث كان كذلك امتنع وطؤها قبل التكفير ; لأنه شأن المظاهر .

فرع : إذا قال : كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي ، فعلى القول بصحته إذا تزوج نساء وأراد العود فكفارة واحدة سواء تزوجهن في عقد أو عقود نص عليه . وعنه : لكل عقد كفارة ، فإن قال لأجنبية : إن تزوجت فلانة فهي علي كظهر أمي ، وقال : أردت أن مثلها في التحريم في الحال - دين . وفي الحكم وجهان : أحدهما : لا يقبل ; لأنه صريح للظهار ، والثاني : بلى ; لأنها حرام عليه كأمه .

( وإن قال لأجنبية : أنت علي حرام يريد في كل حال فكذلك ) أي : [ ص: 40 ] فهو ظهار ; لأن لفظة الحرام إذا أريد بها ، فهو ظهار من الزوجة ، فكذا الأجنبية ، فعليه لا يطؤها إذا تزوجها حتى يكفر ( وإن أراد في تلك الحال ، فلا شيء عليه ; لأنه صادق ) . وكذا إن أطلق قاله في " الشرح " ، وفي " الترغيب " وجه .

( ويصح الظهار معجلا ومعلقا بشرط ) فإذا وجد فمظاهر ، نص عليه . ( ومطلقا ) إن قصد اليمين واختاره ، ومثل بالحل علي حرام لأفعلن . ( ومؤقتا نحو أنت علي كظهر أمي شهر رمضان ) لحديث سلمة بن صخر ، قال : ظاهرت من امرأتي شهر رمضان وأنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أصابها في الشهر فأمره بالكفارة ، ولم ينكر عليه التقييد ولم يعبه ، ولأنها يمين مكفرة فصح توقيتها كاليمين بالله تعالى ، ولأنه يمنع نفسه بيمين لها كفارة ، فصح أن تكون مؤقتة كالإيلاء . لا يقال : الظهار طلاق في الأصل ، فيجب ألا يصح تقييده كالنكاح ; لأنه تقدم الفرق بينهما في تعليقه ، ولا يكون عائدا إلا بالوطء في المدة . ( أو إن دخلت الدار ) لأنه يمين فجاز تعليقه على شرط كالإيلاء ، ولأنه قول تحرم به الزوجة فصح تعليقه على شرط كالطلاق ( فمتى انقضى الوقت زال الظهار ) لأن التحريم صادف ذلك الزمن دون غيره فوجب أن ينقضي بانقضائه . ( وإن أصابها فيه ) أي : في الوقت ( وجبت عليه الكفارة ) لأنه عليه السلام أوجبها على سلمة .

تنبيه : إذا قال : أنت علي كظهر أمي إن شاء الله - لم يلزمه شيء ، نص [ ص: 41 ] عليه . وقال ابن عقيل : هو مظاهر ، ذكره في " المجرد " . وإن قال : ما أحل الله علي حرام إن شاء الله ، وله أهل ، هي يمين ، ولم يلزمه شيء بغير خلاف نعلمه ; لأنها يمين مكفرة ، فصح الاستثناء فيها كاليمين بالله تعالى . وكذا إن قال : أنت حرام إن شاء الله ، أو عكسه ، فلا ظهار . نص عليه خلافا لابن شاقلا ، وابن بطة ، وابن عقيل ، وإن قال : أنت حرام إن شاء الله وشاء زيد فشاء زيد لم يكن مظاهرا ; لأنه علقه على شيئين ، فلا يحصل بأحدهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية