صفحة جزء
فصل والسنة أن يتلاعنا قياما بحضرة جماعة في الأوقات ، والأماكن المعظمة . وإذا بلغ كل واحد منهما الخامسة أمر الحاكم رجلا فأمسك يده على في الرجل وامرأة تضع يدها على في المرأة ، ثم يعظه ، فيقول : اتق الله ، فإنها الموجبة ، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وأن يكون ذلك بحضرة الحاكم ، فإن كانت المرأة خفرة بعث من يلاعن بينهما . وإذا قذف الرجل نساءه فعليه أن يفرد كل واحدة بلعان . وعنه : يجزئه لعان واحد يقول : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتكن به من الزنا . وتقول كل واحدة : أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا ، وعنه : إن كان القذف بكلمة واحدة أجزأه لعان واحد . وإن قذفهن بكلمات أفرد كل واحدة بلعان .


فصل

( والسنة أن يتلاعنا قياما ) لقوله عليه السلام لهلال بن أمية : قم فاشهد أربع شهادات ولأنه أبلغ في الردع فيبدأ الزوج فيلتعن ، وهو قائم ، فإذا فرغ قامت المرأة ، فالتعنت ( بحضرة جماعة ) ، لحضور ابن عباس ، وابن عمر وسهل بن سعد مع حداثة أسنانهم ، فدل على أنه حضر جمع كثير ، لأن الصبيان إنما يحضرون تبعا للرجال إذ اللعان مبني على التغليظ للردع والزجر . وفعله في الجماعة أبلغ في ذلك . ويستحب ألا ينقصوا عن أربعة ; لأن بينة الزنا التي شرع اللعان من أجل الرمي به أربعة وليس بواجب بغير خلاف نعلمه . ( في الأوقات ، والأماكن المعظمة ) هذا قول أبي الخطاب وجزم به في " المستوعب " و " المحرر " و " الوجيز " ، ففي الزمان بعد العصر لقول الله تعالى تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله [ المائدة : 106 ] . والمراد صلاة العشاء في قول [ ص: 79 ] المفسرين . وقال أبو الخطاب : وبين الأذانين ; لأن الدعاء بينهما لا يرد . وفي المكان بمكة بين الركن الذي فيه الحجر الأسود والمقام ، وهو المسمى بالحطيم . ولو قيل : بالحجر لكان أولى ; لأنه من البيت . وبالمدينة عند المنبر مما يلي القبر الشريف لقوله عليه السلام : ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة . وببيت المقدس عند الصخرة ، وفي سائر البلدان في جوامعها ، وهل يجوز أن يرتقيا على المنابر أو لا ؛ وإن كان في الناس كثرة ، فيه احتمال ، أو وجه ، قاله في " الواضح " . وحائض ونحوها بباب المسجد لتحريم مكثها فيه ، فلو رأى الإمام تأخيره إلى انقطاع الدم وغسلها لم يبعد . والوجه الثاني : لا يستحب التغليظ مطلقا قاله القاضي ، وقدمه في " الكافي " ; لأن الله تعالى أطلق الأمر به ، ولأنه عليه السلام أمر الرجل بإحضار امرأته ، ولم يخصه بزمن ، ولو خصه لنقل . وأطلق الخلاف في " الفروع " وخصهما في " الترغيب " بالذمة . وظاهره على الأول ، ولو كانا كافرين ، فعلى هذا يحضرهم في أوقاتهم المعظمة وبيوت عبادتهم كالكنائس لأهل الكتاب ، وبيوت النار للمجوس . ويحتمل أن يغلظ بالمكان ، فإن كانت المسلمة حائضا ، وقفت على باب المسجد . ( وإذا بلغ كل واحد منهما الخامسة أمر الحاكم رجلا فأمسك يده على في الرجل وامرأة تضع يدها على في المرأة ، ثم يعظه ) ، لما روى ابن عباس قال : تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، ثم أمر به فأمسك على فيه ، فوعظه ، وقال : ويحك كل شيء أهون عليك من لعنة الله ، ثم أرسل ، فقال : لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، ثم دعا بها فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، ثم أمر [ ص: 80 ] بها فأمسكت على فيها فوعظها ، وقال : ويلك ، كل شيء أهون عليك من غضب الله . أخرجه الجوزجاني .

وظاهره أن الواعظ هو الحاكم . وحكاه في " الرعاية " قولا ( فيقول : اتق الله ، فإنها الموجبة ) للعنة والغضب من الله . ( وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ) لما روى ابن عباس قال : لما كانت الخامسة قيل لهلال بن أمية : اتق الله ، فإنها الموجبة ، وفيه فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ; لأن عذاب الدنيا منقطع وعذاب الآخرة دائم ; ليتوب الكاذب منهما ويرتدع عما عزم عليه . ( وأن يكون ذلك بحضرة الحاكم ) أو نائبه . وقد تقدم أن هذا شرط لصحة اللعان ، فإن تحاكما إلى رجل يصلح للقضاء فحكماه بينهما فلاعن لم يصح ; لأن اللعان مبني على التغليظ ، فلم يجز لغير الحاكم كالحد . وحكى المؤلف أنه ينفذ في ظاهر كلام أحمد ، وسواء كان الزوجان حرين ، أو مملوكين في ظاهر كلام الخرقي . وقال الشافعي : للسيد أن يلاعن بين عبده وأمته كالحد . وجوابه : أنه لا يملك إقامته على أمته المزوجة ، ثم لا يشبه اللعان الحد ; لأنه زجر وتأديب ، واللعان إما شهادة ، أو يمين فافترقا . ( فإن كانت المرأة خفرة ) بفتح الخاء وكسر الفاء ، يعني : شديدة الحياء ، وهي ضد البرزة ( بعث من يلاعن بينهما ) يعني : نائبه وعدولا ، فلو اقتصر على نائبه جاز ; لأن الجمع غير واجب كما يبعث من يستحلفهما في الحقوق ، ولأن الغرض يحصل ببعث من يثق الحاكم به ، فلا ضرورة إلى إحضارها وترك عادتها مع حصول الغرض بدونه . وفي " عيون المسائل " : للزوج أن يلاعن مع غيبتها وتلاعن مع غيبته .

[ ص: 81 ] ( وإذا قذف الرجل نساءه فعليه أن يفرد كل واحدة بلعان ) على المذهب سواء قذفهن بكلمة ، أو كلمات ; لأنه قاذف لكل واحدة منهن ، أشبه ما لو لم يقذف غيرها ويبدأ بلعان التي تبدأ بالمطالبة ، فإن طالبن جميعا ، أو تشاححن ، فالقرعة‌‌ ، وإن لم يتشاححن بدأ بمن شاء منهن ، ولو بدأ بواحدة منهن من غير قرعة مع المشاحة جاز . ( وعنه : يجزئه لعان واحد ) لأن اللعان تابع للقذف ، والقذف وإن تعدد فكلمته واحدة ، فعلى هذا ( يقول : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتكن به من الزنا ، وتقول كل واحدة : أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا ) ، لأن حلفهن جملة لا يمكن . ( وعنه : إن كان القذف بكلمة واحدة أجزأه لعان واحد ) لأنه قذف واحد ، فخرج عن عهدته بلعان واحد كما لو قذف واحدة . ( وإن قذفهن بكلمات أفرد كل واحدة بلعان ) كما لو قذف كل واحدة بعد لعان الأخرى . وعنه : إن طالبوا عند الحاكم مطالبة واحدة فحد واحد ، وإلا فحدود حكاها في " المستوعب " .

التالي السابق


الخدمات العلمية