صفحة جزء
فصل السادس : امرأة المفقود الذي انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله ، أو في مفازة ، أو بين الصفين إذا قتل قوم ، أو من غرق مركبه ، ونحو ذلك ، فإنها تتربص أربع سنين ثم تعتد للوفاة . وهل يفتقر إلى رفع الأمر إلى الحاكم ليحكم بضرب المدة وعدة الوفاة ؛ على روايتين . وإذا حكم الحاكم بالفرقة نفذ حكمه في الظاهر دون الباطن فلو طلق الأول صح طلاقه ويتخرج أن ينفذ حكمه باطنا فينفسخ نكاح الأول ، ولا يقع طلاقه . وإذا فعلت ذلك ثم تزوجت ، ثم قدم زوجها الأول ردت إليه إن كان قبل دخول الثاني بها ، وإن كان بعده خير الأول بين أخذها منه وبين تركها مع الثاني ويأخذ صداقها منه ، وهل يأخذ صداقها الذي أعطاها أو الذي أعطاها الثاني ؛ على روايتين ، والقياس أن ترد إلى الأول . ولا خيار إلا أن يفرق الحاكم بينهما ، ونقول بوقوع الفرقة باطنا فتكون زوجة الثاني بكل حال ، فأما من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة كالتجارة والسياحة ، فإن امرأته تبقى أبدا حتى نتيقن موته . وعنه : أنها تتربص لتسعين عاما مع سنة يوم ولد ثم تحل وكذلك امرأة الأسير ومن طلقها زوجها ، أو مات عنها ، وهو غائب عنها فعدتها من يوم مات ، أو طلق ، وإن لم تجتنب ما تجتنبه المعتدة . وعنه : إن ثبت ذلك ببينة ، فكذلك وإلا فعدتها من يوم بلغها الخبر وعدة الموطوءة بشبهة عدة مطلقة . وكذلك عدة المزني بها . وعنه : أنها تستبرأ بحيضة .


فصل

( السادس امرأة المفقود ) حرة كانت ، أو أمة ( الذي انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك كالذي يفقد من بين أهله ) ليلا ، أو نهارا ( أو في مفازة ) مهلكة كبرية الحجاز ( أو بين الصفين إذا قتل قوم ، أو من غرق مركبه ، ونحو ذلك ) كالذي يخرج إلى الصلاة فلا يرجع ، أو يمضي إلى مكان قريب ليقضي حاجته ثم يرجع ، ولا يظهر له خبر ، ( فإنها تتربص أربع سنين ) أكثر مدة الحمل ، ( ثم تعتد للوفاة ) هذا المذهب ، قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : تذهب إلى حديث عمر ، وهو أن رجلا فقد ، فجاءت امرأته إلى عمر فذكرت ذلك له ، فقال : [ ص: 128 ] تربصي أربع سنين ففعلت ، ثم أتته ، فقال : تربصي أربعة أشهر وعشرا ففعلت ، ثم أتته ، فقال : أين ولي هذا الرجل ؛ فجاءوا به ، فقال : طلقها ، ففعل ، فقال عمر : تزوجي من شئت . رواه الأثرم ، والجوزجاني ، والدارقطني ، قال أحمد : هو أحسنها يروى عن عمر من ثمانية وجوه ، ثم قال : زعموا أن عمر رجع عن هذا ، هؤلاء الكذابين ، وقال من ترك هذا ، أي شيء يقول ؛ هو عن خمسة من الصحابة عمر وعثمان ، وعلي ، وابن عباس ، وابن الزبير . ونقل عنه أبو الحارث : كنت أقول ذلك ، وقد ارتبت فيه اليوم وهبت الجواب لاختلاف الناس ، وكأني أحب السلامة ، قال أصحابنا : هذا توقف يحتمل الرجوع عما قاله أولا وتكون زوجته حتى يثبت موته ، أو يمضي زمن لا يعيش في مثله ، ويحتمل التورع عما قاله أولا . قال القاضي : أكثر أصحابنا أن المسألة رواية واحدة ، وعندي أنها على روايتين ، وقال أبو بكر : إن صح الاختلاف ألا يحكم بحكم ثان إلا بدليل على الانتقال ، وإن ثبت الإجماع ، فالحكم فيه على ما نص عليه . وعنه : لا يحل حتى تمضي مدة لا يعيش في مثلها غالبا ، قدمه الحلواني . وعنه : حتى يعلم خبره فيقف ما رأي الحاكم ، وعنه : يعتبر أن يطلقها الولي بعد تربصها اختاره ابن أبي موسى فتعتد عدة طلاق لقول عمر وعلي وجابر . والمذهب أنه لا يعتبر ذلك ، وهو قول ابن عمر ، وابن عباس ، وهو القياس ، وقال ابن عقيل : لا يعتبر فسخ النكاح الأول على الأصح ( وهل يفتقر إلى رفع الأمر إلى الحاكم ليحكم بضرب المدة وعدة الوفاة ؛ على روايتين ) كذا في " المحرر " و " الفروع " . [ ص: 129 ] إحداهما : يفتقر . قدمها في " الرعاية " وجزم بها في " الوجيز " ; لأنها مدة مختلف فيها ، أشبهت مدة العنة ، فعلى هذا يكون ابتداء المدة من حين ضربها الحاكم ، وقيل : منذ انقطع خبره ، جزم به في " الرعاية " .

والثانية : وهي الأصح أنه لا يفتقر ، فلو مضت المدة والعدة تزوجت بلا حكم ، ولأن هذا ظاهر في موته ، أشبه ما لو قامت به بينة فيكون ابتداء المدة من حين انقطع خبره وبعد أثره .

فرع : إذا اختارت المقام فلها النفقة مدة حياته ، وإن رفعت أمرها إلى الحاكم فضرب لها المدة فلها النفقة مدة التربص ، والعدة وبعدها حتى يحكم بالفرقة ، وإن حكم بفراقها ، انقطعت نفقتها ، وذكر ابن الزاغوني أنها إذا شرعت في عدة الوفاة لا نفقة لها

( وإذا حكم الحاكم بالفرقة ) وفي " المستوعب " ، و " الرعاية " : أو انقضت المدة ( نفذ حكمه في الظاهر ) لأن عمر لما حكم بالفرقة نفذ ظاهرا ، ولو لم ينفذ لما كان في حكمه فائدة ( دون الباطن ) لأن حكم الحاكم لا يغير الشيء عن صفته في الباطن ( فلو طلق الأول صح طلاقه ) لأنا حكمنا بالفرقة بناء على أن الظاهر هلاكه ، فإذا ثبتت حياته انتقض الظاهر ، ولم يبطل طلاقه كما لو شهدت به بينة كاذبة ، وكذا إن ظاهر ، أو آلى ، أو قذف ; لأن نكاحه باق بدليل تخييره في أخذها ( ويتخرج أن ينفذ حكمه باطنا ) هذا رواية ، قال أبو الخطاب : وهو القياس ; لأنه ينفذ باطنا في العقود والفسوخ في قول ، وهذا فسخ فتكون زوجة الثاني ، ولا خيار للأول ( فينفسخ نكاح الأول ، ولا يقع طلاقه ) لأنها بانت بفرقة الحاكم في محل مختلف فيه كما لو فسخ [ ص: 130 ] نكاحها لعسرته ، أو عنته فلهذا لم يقع طلاقه ، ويتوجه عليهما الإرث ( وإذا فعلت ذلك ) أي : تربصت أربع سنين واعتدت للوفاة ( ثم تزوجت ، ثم قدم زوجها الأول ردت إليه ) لأنا تبينا حياته ، أشبه ما لو شهدت بينة بموته فبان حيا ، ولأنه أحد الملكين ، أشبه ملك المال وعلم منه أنها إذا لم تتزوج ، فإنها ترد إليه مطلقا ، وكذا إن كان بعد أن تزوجت ( إن كان قبل دخول الثاني بها ) فتكون زوجة الأول رواية واحدة ; لأن النكاح كان باطلا ; لأنه صادف امرأة ذات زوج وتعود إليه بالعقد الأول ، وليس على الثاني صداق لبطلان نكاحه ، ولم يتصل به دخول ، وعنه : يخير ، حكاها القاضي وأخذها من قول أحمد : إذا تزوجت امرأته فجاء خير بين امرأته وبين الصداق ( وإن كان بعده ) أي : بعد دخول الثاني بها ووطئه ( خير الأول بين أخذها منه ) فتكون امرأته بالعقد الأول ( وبين تركها مع الثاني ) لقول عمر ، وعثمان ، وعلي ، وقضى به ابن الزبير ، ولم يعرف لهم مخالف ، فكان كالإجماع ، فعلى هذا إن أمسكها الأول فهي زوجته بالعقد السابق ، ولا يحتاج الثاني إلى طلاق في المنصوص ; لأن نكاحه كان باطلا في الباطن ، وقال القاضي : قياس قوله أنه يحتاج إلى طلاق كسائر الأنكحة الفاسدة ، ويجب اعتزالها حتى تنقضي عدتها ، وإن لم يخترها كانت عند الثاني من غير تجديد عقد في الأشهر ، قاله في " الرعاية " ; لأن الصحابة لم ينقل عنهم تجديد عقد ، والقياس : بلى ، وصححه المؤلف ; لأنا تبينا بطلان عقده بمجيء الأول ، ويحتمله قول الصحابة ( ويأخذ صداقها منه ) أي : من الثاني لقضاء الصحابة ، ولأنه حال بينه وبين زوجته بعقد ودخول ( وهل يأخذ صداقها الذي أعطاها [ ص: 131 ] أو الذي أعطاها الثاني ؛ على روايتين ) كذا في " المحرر " ، و " الفروع " . إحداهما : يرجع بالصداق الذي أعطاها هو . اختارها أبو بكر ، وقدمها في " الكافي " لقضاء عثمان ، وعلي ، ولأن الثاني أتلف المعوض فرجع عليه بالعوض كشهود الطلاق إذا رجعوا فعليها إن لم يكن دفع إليها الصداق لم يرجع بشيء وإلا رجع في قدر ما قبض منه ، والأشهر أنه يرجع بالمهر الذي أصدقها الثاني ; لأنه بذله عوضا عما هو مستحق للأول ، فكان أولى ، ويرجع الثاني عليها بما أخذ منه في رواية ، وجزم بها في " الوجيز " ، وقال ابن عقيل : والقياس لا رجوع ، ثم قال المؤلف وجمع ( والقياس أن ترد إلى الأول ، ولا خيار ) له ; لأنه زوجها ، ولم ينفسخ نكاحه فردت إليه كما لو تزوجت لبينة قامت بوفاته ، ثم تبين كذبها بقدومه حيا ( إلا أن يفرق الحاكم بينهما ، ونقول بوقوع الفرقة باطنا فتكون زوجة الثاني بكل حال ) لأن نكاحه وقع بعد بطلان نكاح الأول ، وقضاء عدتها ، أشبه ما لو طلقها الأول ، ونقل أبو طالب : لا خيار للأول مع موتها ، وقال الشيخ تقي الدين : هي زوجة الثاني ظاهرا وباطنا وترثه ، ذكره أصحابنا ، وهل ترث الأول ؛ قال أبو جعفر : ترثه ، وخالفه غيره وأنه متى ظهر الأول ، فالفرقة ، ونكاح الثاني موقوفا ، فإن أخذها بطل نكاح الثاني حينئذ ، وإن أمضى ثبت نكاح الثاني ( فأما من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة كالتجارة ) في غير مهلكة ( والسياحة ) في الأرض للتعبد ، والترهب ، وقيل : هو الغازي ، وقيل : طالب العلم ( فإن امرأته تبقى أبدا حتى [ ص: 132 ] نتيقن موته ) روي عن علي ، وابن شبرمة ، والثوري ، وهو قول أكثرهم وصححه في " الكافي " فيجتهد الحاكم كغيبة ابن تسعين ذكره في " الترغيب " ، ولأن النكاح ثابت ، فلا يزول بالشك ، وقدم في " الرعاية " أنها تبقى ما رأى الحاكم ، ثم تعتد للوفاة ، وفي " المستوعب " تبقى إلى أن يثبت موته ، أو يمضي عليه زمان ، لا يعيش مثله في الغالب ، واختاره أبو بكر ( وعنه : أنها تتربص لتسعين عاما مع سنة يوم ولد ) نقلها عنه أحمد بن أصرم ، وجزم بها في " المحرر " ، و " الوجيز " ، وقدمها في " الفروع " ; لأن الظاهر أنه لا يعيش أكثر منها ، وقال ابن عقيل : مائة وعشرين سنة منذ ولد ; لأنه العمر الطبيعي ، قلنا : التحديد لا يصار إليه إلا بالتوقيف ، ولأن تقديره بذلك يفضي إلى اختلاف العدة في حق المرأة ، ولا نظير له ، وخبر عمر ورد فيمن ظاهر غيبته الهلاك ، فلا يقاس عليه غيره ( ثم تحل ) لأنه قد حكم بموته ، أشبه امرأة المفقود الذي غيبته ظاهرها الهلاك ، ولكن بعد أن تعتد عدة الوفاة ، قال في " المغني " ، و " الشرح " : والمذهب الأول ; لأن هذه غيبة ظاهرها السلامة ، فلم يحكم بموته كما قبل التسعين ، ومتى ظهر موته باستفاضة ، أو بينة فكمفقود ، وتضمن البينة ما تلف من ماله ومهر الثاني ( وكذلك امرأة الأسير ) وكذا في " الوجيز " وغيره ، أي : حكمها حكم امرأة المفقود لغيبة ظاهرها السلامة ; لأنهما يتساويان فوجب تساويهما حكما ، لكنهم أجمعوا أنها لا تتزوج حتى تتيقن وفاته .

فرع : إذا كانت غيبته غير منقطعة يعرف خبره ويأتي كتابه فليس لامرأته أن تتزوج في قولهم أجمعين إلا أن يتعذر عليها الإنفاق من ماله فلها أن تطلب [ ص: 133 ] فسخ النكاح فيفسخ نكاحه ، وفي " الرعاية " : وإن غاب وعلم خبره بقيت الزوجة مع النفقة وعدم الإضرار بترك الوطء الواجب .

مسألة : إذا أبق العبد فزوجته باقية حتى يعلم موته ، أو ردته ، فإن تعذر الإنفاق عليها من ماله فحكمه في الفسخ ما ذكرنا إلا أن العبد نفقة زوجته على سيده ، أو في كسبه فيعتبر تعذر الإنفاق من محل الوجوب .

( ومن طلقها زوجها ، أو مات عنها ، وهو غائب عنها فعدتها من يوم مات ، أو طلق ) هذا هو المشهور وصححه في " الكافي " ، وقدمه في " المحرر " ، و " الفروع " ، وجزم به في " الوجيز " ، وهو قول ابن عمر ، وابن عباس ، وابن مسعود رواه عنهم البيهقي ; لأنها لو كانت حاملا ، فوضعت غير عالمة بفرقة زوجها ; لانقضت عدتها ، فكذا سائر أنواع العدد كما لو كان حاضرا ، ولأن القصد غير معتبر في العدة بدليل الصغيرة ، والمجنونة ( وإن لم تجتنب ما تجتنبه المعتدة ) لأن الإحداد الواجب ليس بشرط في العدة لظاهر النصوص ( وعنه : إن ثبت ذلك ببينة فكذلك ) كوضع الحمل لتحقق السبب فوجب أن تعتد به ( وإلا فعدتها من يوم بلغها الخبر ) روي عن علي ، والحسن ; لأن العدة اجتناب أشياء ، ولم تجتنبها ، وجوابه : بأنه ينتقض بما إذا ثبت ببينة وحكى البيهقي عن علي كالأول ، وما ذكرناه عنه أشهر ، قاله البيهقي ( وعدة الموطوءة بشبهة ) أو نكاح فاسد ( عدة المطلقة ) ذكره في " الانتصار " إجماعا ; لأن الوطء في ذلك في شغل الرحم ولحوق النسب كالوطء في النكاح الصحيح ، لكن عدة الأولى منذ وطئت ، وعكسه [ ص: 134 ] الثانية ( وكذلك عدة المزني بها ) قدمه في " الكافي " ، و " المستوعب " ، و " المحرر " ، و " الفروع " ; لأنه وطء يقتضي شغل الرحم كوطء الشبهة ، ولأنه لو لم تجب العدة لاختلط ماء الواطئ والزوج ، فلم يعلم لمن الولد منهما ( وعنه : أنها ) لا عدة عليها ، بل ( تستبرأ بحيضة ) اختاره الحلواني ، وابن رزين ; لأن المقصود معرفة البراءة من الحمل كأمة مزوجة ، واختاره الشيخ تقي الدين في الكل ، وفي كل فسخ وطلاق ثلاث ، وعنه : تستبرأ بثلاث حيض ، وهي كالأولى إلا أن يريد تسميتها عدة فيجب فيها الإحداد ، ولا تتداخل في عدة مطلقها بخلاف الاستبراء كما إذا اشترى أمة فطلقها زوجها بعد الدخول بها ، فتعتد عن طلاقها ، ويدخل الاستبراء في العدة .

فرع : إذا وطئت زوجته ، أو سريته بشبهة ، أو زنا - حرمت عليه حتى تعتد وفيما دون الفرج وجهان .

التالي السابق


الخدمات العلمية