صفحة جزء
فصل ويجب الإحداد على المعتدة من الوفاة . وهل يجب على البائن ؛ على روايتين . ولا يجب على الرجعية والموطوءة بشبهة ، أو زنا ، أو نكاح فاسد ، أو بملك يمين ، وسواء في الإحداد المسلمة ، والذمية ، والمكلفة وغيرها . والإحداد اجتناب الزينة ، والطيب والتحسين كلبس الحلي والملون من الثياب للتحسين كالأحمر ، والأصفر ، والأخضر الصافي ، والأزرق الصافي ، واجتناب الحناء ، والخضاب والكحل الأسود والحفاف وإسفيداج العرائس وتحمير الوجه ونحوه ، ولا يحرم عليها الأبيض من الثياب ، وإن كان حسنا ، ولا الملون لدفع الوسخ كالكحلي ، ونحوه ، وقال الخرقي : وتجتنب النقاب .


فصل

( ويجب الإحداد ) وهو المنع إذ المرأة تمنع نفسها مما كانت تتهيأ به لزوجها من تطيب وتزين ، يقال : أحدت المرأة إحدادا فهي محدة وحدت تحد بالضم ، والكسر فهي حادة ، سمي الحديد حديدا للامتناع به ، أو لامتناعه على من يحاوله ، ( على المعتدة من الوفاة ) بغير خلاف نعلمه إلا عن الحسن ، فإنه ذهب إلى أنه ليس بواجب ، وهو قول شاذ ، فلا يعرج عليه ، احتج بعضهم بقوله تعالى : فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف [ البقرة : 234 ] فإن ظاهره ما تنفرد به المرأة ، والنكاح لا يتم إلا مع الغير ، فحمل على ما يتم به وحدها من الزينة ، والطيب ، وقد روت أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تحد [ ص: 140 ] امرأة فوق ثلاث إلا على زوج ، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ، ولا تكتحل ، ولا تمس طيبا متفق عليه .

فائدة : العصب بفتح العين وإسكان الصاد المهملتين ، وهو نوع من البرود يصبغ غزله ، ثم ينسج ( وهل يجب على البائن ) كالمطلقة ثلاثا ، والمختلعة ( على روايتين ) كذا أطلقهما في " المستوعب " ، و " الرعاية " إحداهما : لا يجب لما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ، ولا الممشق ، ولا الحلي ، ولا تختضب ، ولا تكتحل رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، ولأن الإحداد في عدة الوفاة لإظهار الأسف على فراق زوجها وموته . فأما البائن ، فإنه فارقها باختياره ، وقطع نكاحها ، فلا معنى لتكلفها الحزن عليه ، ولأن المتوفى عنها لو أتت بولد لحق الزوج به ، وليس له من ينفيه فاحتيط عليها بالإحداد لئلا يلحق بالميت من ليس منه ، بخلاف المطلقة البائن ، والثانية : يجب ، واختاره الأكثر ، والرجعية زوجة ، والحديث مدلوله تحريم الإحداد على ميت غير الزوج ونحن نقول به ، ولهذا جاز الإحداد هاهنا بالإجماع ، لكن لا يسن ، قاله في " الرعاية " مع أنه يحرم فوق ثلاث على ميت غير زوج ، فعلى هذا حكمها حكم المتوفى عنها في توقي الزينة ، والطيب ، والصحيح أنه لا يجب على المختلعة ; لأنها يحل لزوجها الذي خالعها أن يتزوجها في عدتها ، بخلاف البائن بالثلاث ، وفي " الانتصار " لا يلزم بائنا قبل دخول ( ولا يجب على الرجعية ) بغير خلاف نعلمه ; لأنها في حكم الزوجات ( والموطوءة بشبهة ) لأنها ليست معتدة من نكاح ، فلم تكمل الحرمة ( أو زنا ، أو نكاح فاسد ) لأن من ذكر ليس بزوج ، وفي " الجامع " أن المنصوص [ ص: 141 ] يلزم الإحداد في نكاح فاسد ( أو بملك يمين ) كالسرية وأم الولد ، وهي كالحرة وللسيد إمساكها نهارا وإرسالها ليلا ، فإن أرسلها ليلا ونهارا اعتدت زمانها كله في المنزل ، وعلى الورثة إسكانها فيه كالحرة سواء ( وسواء في الإحداد ) أي : وجوبه ( المسلمة ، والذمية ، والمكلفة وغيرها ) لعموم الأحاديث ، ولأن غير المكلفة تساوي المكلفة في اجتناب المحرمات ، وإنما يفترقان في الإثم ، فكذا في الإحداد ( والإحداد اجتناب الزينة ، والطيب ) يجب على الحادة اجتناب ما يدعو إلى جماعها ويرغب في النظر إليها ، ويحسنها ، وذلك أمور : أحدها : الطيب ، ولا خلاف في تحريمه للأخبار الصحيحة ، ولأنه يحرك الشهوة ويدعو إلى المباشرة ، وذلك كزعفران ، ونحوه ، وإن كان بها سقم نقله أبو طالب ، ويلحق به في التحريم الأدهان المطيبة كدهن ورد وبان ; لأنه طيب ، والثاني : اجتناب الزينة في قول عامتهم ، وقالت أم سلمة : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة ، وقد جعلت على عيني صبرا ، فقال : ما هذا يا أم سلمة ؛ فقلت : إنما هو صبر ليس فيه طيب ، قال : إنه يشب الوجه ، فلا تجعليه إلا في الليل وتنزعينه بالنهار رواه أبو داود ، والنسائي ، والبيهقي بإسناد فيه جماعة لا يحتج بهم . ( والتحسين كلبس الحلي ) كالسوار ، والدملج ، والخاتم ، ولا فرق فيه بين أن يكون من فضة ، أو ذهب ، وقال عطاء : تباح حلي الفضة فقط ، وجوابه : عموم النهي ( والملون من الثياب للتحسين كالأحمر ، والأصفر ، والأخضر الصافي ، والأزرق الصافي ) لقوله عليه السلام : ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب وفي حديث أم سلمة ولا تلبس المعصفر من الثياب ، ولا الممشق وفيه تنبيه [ ص: 142 ] على أن الأخضر غير الصافي ، والأزرق غير الصافي ، لا يحرم عليها لبسه ; لأن ذلك لا يلبس للتحسين عادة ، فلم يكن ذلك زينة ، والمذهب أنه يحرم ما صبغ غزله ، ثم نسج كالمصبوغ بعد نسجه ، وقيل : لا ; لقوله - عليه السلام - إلا ثوب عصب وفيه نظر . ( واجتناب الحناء ، والخضاب ) لقوله - عليه السلام - في حديث أم سلمة ولا تختضب ولأنه يدعو إلى الجماع ، أشبه الحلي ، بل أولى ، ولا تمنع من جعل الصبر على غير وجهها ; لأنها إنما منعت منه على الوجه ; لأنه يصفره فيشبه الخضاب ، قال في " الفروع " : فيتوجه ، واليدين ( والكحل الأسود ) لقوله - عليه السلام - في حديث أم عطية ولا تكتحل ولأنه أبلغ في الزينة ، والمراد به الإثمد ، ولا فرق فيه بين البيضاء ، والسوداء ، فإن اضطرت إلى الكحل بالإثمد للتداوي فلها ذلك ليلا وتمسحه نهارا ، وفي " الرعاية " : فإن احتاجت كحلا اكتحلت ، وقيل : ليلا وغسلته نهارا إن لم تكن سوداء ، أو عينها . ( والحفاف ) المحرم عليها إنما نتف شعر وجهها فأما حلقه وحفه فمباح ، ثم أصحابنا ، قاله في " المطلع " وفيه قول ، وهو سهو . ( وإسفيداج العرائس ) وهو شيء معروف يعمل من الرصاص ذكره الأطباء إذا دهن به الوجه يربو ويبرق ( وتحمير الوجه ) بالحمرة ( ونحوه ) أي : ونحو ذلك مما فيه زينة وتحسين .

فائدة : لها التنظيف بغسل وأخذ شعر وظفر وتدهن بدهن غير مطيب ، ولا تدهن رأسها ولها غسله بماء وسدر وخطمي ، لا بحناء ( ولا يحرم عليها الأبيض من الثياب ) سواء كان من قطن ، أو كتان ، أو صوف ، أو إبريسم ( وإن كان حسنا ) لأن حسنه من أصل خلقته ، فلا يلزم تغييره . [ ص: 143 ] وظاهره : ولو كان معدا للزينة وفيه وجه ( ولا الملون لدفع الوسخ كالكحلي ، ونحوه ) كالأسود ; لأن الصبغ لدفع الوسخ ، لا لحسنه ; لأنه ليس بزينة ( وقال الخرقي : وتجتنب النقاب ) وما في معناه كالبرقع ، ونحوه ; لأن المعتدة شبيهة بالمحرمة ، فإن احتاجت إليه سدلته على وجهها كمحرمة ، والمذهب المنصوص عليه أن لها أن تنتقب ; لأنه ليس في معنى المنصوص ، وإنما منعت المحرمة ; لأنها ممنوعة من تغطية وجهها ، بخلاف الحادة ، ولأن المحرمة يحرم عليها لبس القفازين ويجوز لها لبس سائر الثياب ، بخلاف الحادة ، ولأن المبتوتة لا يحرم عليها النقاب ، وإن وجب عليها الإحداد ، فكذا المتوفى عنها ، وظاهره : أن الزينة تباح في غير ذلك من الفرش وآلة البيت وأثاثه ، وإن تركت الواجب أتمت وتمت عدتها بمضي الزمن كالصغيرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية