صفحة جزء
فصل وتجب عدة الوفاة في المنزل الذي وجبت فيه إلا أن تدعو ضرورة إلى خروجها منه بأن يحولها مالكه ، أو تخشى على نفسها فتنتقل ولا تخرج ليلا . ولها الخروج نهارا لحوائجها ، وإن أذن لها زوجها في النقلة إلى بلد للسكنى فيه فمات قبل مفارقة البنيان لزمها العود إلى منزلها ، وإن مات بعده فلها الخيار بين البلدين ، وإن سافر بها فمات في الطريق ، وهي قريبة لزمها العود ، وإن تباعدت خيرت بين البلدين ، وإن أذن لها في الحج فأحرمت به ، ثم مات فخشيت فوات الحج مضت في سفرها ، وإن لم تخش ، وهي في بلدها ، أو قريبة يمكنها العود ، أقامت لتقضي العدة في منزلها وإلا مضت في سفرها ، وإن لم تكن أحرمت ، أو أحرمت بعد موته فحكمها حكم من لم يخش الفوات .


فصل

( وتجب عدة الوفاة في المنزل الذي وجبت فيه ) روي عن عمر وابنه ، وابن مسعود وأم سلمة وغيرهم لقوله - عليه السلام - لفريعة : امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله فاعتددت أربعة أشهر وعشرا ، فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني ، عن ذلك فأخبرته فاتبعه ، وقضى به . رواه مالك ، وأحمد وأبو داود وصححه الترمذي ، وقال جابر بن زيد ، والحسن ، وعطاء : تعتد حيث شاءت . ورواه البيهقي ، عن علي ، وابن عباس وعائشة ، وجوابه : ما سبق ، وسواء كان المنزل لزوجها ، أو غيره ، فإن أتاها الخبر في غير مسكنها رجعت إليه فاعتدت فيه ، وقال ابن المسيب ، والنخعي : لا تبرح من مكانها الذي أتاها [ ص: 144 ] فيه نعي زوجها ، وجوابه : " امكثي في بيتك " ، واللفظ الآخر قضية في عين ، ولا عموم لها ، ولا يمكن حمله على العموم ، فإنه قد يأتيها الخبر ، وهي في السوق ، والطريق ، والبرية ، ولا يلزمها الاعتداد فيه ، قال أحمد في رواية ابن هانئ : وسئل عن امرأة مات زوجها ، وهي مريضة أتتحول إلى بيت أمها ؛ قال : لا يجوز ( إلا أن تدعو ضرورة إلى خروجها منه بأن يحولها مالكه ، أو تخشى على نفسها ) أو لم تجد ما تكتري به إلا من مالها ، أو طلب به أكثر من أجرة مثله ، ذكره في " المغني " ( فتنتقل ) لأنها حالة عذر ، فإن تعذرت السكنى سكنت حيث شاءت اختاره القاضي ، والمؤلف ، وذكر أبو الخطاب أنها تنتقل إلى أقرب ما يمكنها النقلة إليه ، وقطع به في " المحرر " ، و " المستوعب " ، و " الوجيز " ، وقدمه في " الفروع " كنقل الزكاة في موضع لا يجد فيه أهل السهمان ، وجوابه : أن الواجب سقط كما لو سقط الحج للعجز عنه ويفارق أهل السهمان ، فإن القصد نفع الأقرب ، فلو اتفق الوارث ، والمرأة على نقلها لم يجز ; لأن السكنى هنا حق لله تعالى ، بخلاف سكنى النكاح ، لكن لهم نقلها لطول لسانها وأذاهم بالسب ، ونحوه ، وهو قول الأكثر لقوله تعالى : لا تخرجوهن من بيوتهن [ الطلاق : 1 ] الآية ، وهي اسم للزنا وغيره من الأقوال الفاحشة ، وقيل : ينتقلون هم ، وفي " الترغيب " : وهو ظاهر كلام جماعة إن قلنا لا سكنى لها فعليها الأجرة وأنه ليس للورثة تحويلها منه ، وظاهر " المغني " وغيره خلافه ( ولا تخرج ليلا ) لما روى مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ ص: 145 ] تحدثن عند إحداكن حتى إذا أردتن النوم فلتأت كل واحدة إلى بيتها ولأن الليل مظنة الفساد . وظاهره : ولو لحاجة ، وهو وجه ، وقيل : بلى ، وظاهر " الواضح " مطلقا ( ولها الخروج نهارا لحوائجها ) لأنه موضع حاجة ، قال الحلواني : مع وجود من يقضيها ، وقيل : مطلقا . نص عليه ، نقل حنبل : تذهب بالنهار ، ونقل أبو داود : لا تخرج ، قلت : بالنهار ؛ قال : بلى ، لكن لا تبيت ، قلت : بعض الليل ، قال : تكون أكثره ببيتها ( وإن أذن لها زوجها في النقلة إلى بلد للسكنى فيه فمات قبل مفارقة البنيان لزمها العود إلى منزلها ) لأنها مقيمة بعد ، والاعتداد في الزوج واجب ( وإن مات بعده فلها الخيار بين البلدين ) على المذهب لتساويهما ، ولأن في وجوب الرجوع مشقة ، وقيل : بلى في الثاني كما لو وصلته ، وهكذا حكم ما لو أذن لها في النقلة من دار إلى أخرى ، وسواء مات قبل نقل متاعها من الدار ، أو بعده ; لأنه مسكنها ما لم تنتقل عنه ( وإن سافر بها فمات في الطريق ، وهي قريبة لزمها العود ) لأنها في حكم الإقامة ( وإن تباعدت ) أي : بعد مسافة القصر ( خيرت بين البلدين ) لتساويهما ، وكل موضع يلزمها السفر ، فهو مشروط بوجود محرم يسافر معها للخبر ( وإن أذن لها في الحج ) نقول : المعتدة ليس لها الخروج لحج ، ولا غيره ، روي عن عمر ، وعثمان ، وقاله الأكثر ، فإن خرجت فمات في الطريق رجعت إن كانت قريبة ; لأنها في حكم الإقامة ، وإن تباعدت مضت في سفرها ، ولأنه أمكنها الاعتداد في منزلها قبل أن تبعد فلزمها كما لو لم تفارق البنيان ، [ ص: 146 ] فإن اختارت البعيدة الرجوع فلها ذلك إذا كانت تصل إلى منزلها في عدتها ومتى كان عليها في الرجوع خوف ، أو ضرر فلها المضي في سفرها كالبعيدة ومتى رجعت ، وقد بقي عليها شيء من عدتها لزمها أن تأتي به في منزل زوجها بغير خلاف بينهم ; لأنه أمكنها الاعتداد ، فهو كما لو لم تسافر منه ( فأحرمت به ، ثم مات فخشيت فوات الحج مضت في سفرها ) سواء كان حجة الإسلام ، أو غيرها ، إذا أحرمت بها قبل موته ، فإن لم يمكن الجمع لزمها المضي فيه ، وذكره في " التبصرة " عن أصحابنا ، ولأنهما عبادتان استوتا في الوجوب وضيق الوقت فوجب تقديم الأسبق منهما كما لو سبقت العدة ، ولأن الحج آكد ; لأنه أحد أركان الإسلام ، والمشقة بتفويته تعظم فوجب تقديمه ، وفي " المحرر " هل تقدم العدة ، أو أسبقهما ؛ فيه روايتان ، وإن أمكن لزمها العود ذكره المؤلف وغيره ، وفي " المحرر " تخير مع البعد وتتم تتمة العدة في منزلها إن عادت بعد الحج ، وتتحلل لفوته بعمرة ، وإن أحرمت بعد موته وخشيت فواته فاحتمالان ( وإن لم تخش ، وهي في بلدها ، أو قريبة يمكنها العود ، أقامت لتقضي العدة في منزلها ) لأنه أمكنها الجمع بين الحقين من غير ضرر الرجوع ، فلم يجز إسقاط أحدهما ( وإلا مضت في سفرها ) أي : إذا لم تكن في بلدها ، ولا قريبة منه ; لأن في الرجوع عليها مشقة وحرجا ، وهو منتف شرعا ( وإن لم تكن أحرمت ، أو أحرمت بعد موته فحكمها حكم من لم يخش الفوات ) لأن العدة سابقة على الإحرام ، والسابق هو المقدم .

فرع : لا سكنى للمتوفى عنها إذا كانت حائلا رواية واحدة ، وإن كانت [ ص: 147 ] حاملا فروايتان ; لأن الله جعل لها ثمن التركة ، أو ربعها وجعل باقيها للورثة ، والمسكن من التركة فوجب ألا تستحق منه أكثر من ذلك ، وأما إذا كانت حاملا ، وقلنا لها السكنى فلأنها حامل من زوجها قياسا على المطلقة ، وإن قلنا لا سكنى لها فتبرع الوارث ، أو غيره بسكناها لزمها السكنى به ، وإن قلنا : لها السكنى ضربت بقدر أجرته مع الغرماء ، والحامل تضرب بأقل مدته ، وإن رجعت فله دون الفضل على الغرماء ، وإن وضعت لأكثرها رجعت عليهم بالنقص

التالي السابق


الخدمات العلمية