صفحة جزء
باب في استبراء الإماء : ويجب الاستبراء في ثلاثة مواضع : أحدها : إذا ملك أمة لم يحل له وطؤها ولا الاستمتاع بها بمباشرة ، ولا قبلة حتى يستبرئها إلا المسبية هل له الاستمتاع بها فيما دون الفرج ؛ على روايتين . سواء ملكها من صغير ، أو كبير ، أو رجل ، أو امرأة ، وإن أعتقها قبل استبرائها لم يحل له نكاحها حتى يستبرئها ولها نكاح غيره إن لم يكن بائعها يطؤها . والصغيرة التي لا يوطأ مثلها ، هل يجب استبراؤها ؛ على وجهين ، وإن اشترى زوجته ، أو عجزت مكاتبته ، أو فك أمته من الرهن ، أو أسلمت المجوسية ، أو المرتدة ، أو الوثنية ، أو التي حاضت عنده ، أو كان هو المرتد فأسلم ، أو اشترى مكاتبة ذوات رحمه فحضن عنده ، ثم عجز ، أو اشترى عبده التاجر أمة فاستبرأها ، ثم أخذها سيده حلت من غير استبراء ، وإن وجد الاستبراء في يد البائع قبل القبض أجزأ ، ويحتمل ألا يجزئ ، وإن باع أمته ، ثم عادت إليه بفسخ ، أو غيره بعد القبض وجب استبراؤها ، وإن كان قبله ، فعلى روايتين . وإن اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج قبل الدخول لزم استبراؤها ، وإن كان بعده لم يجب في أحد الوجهين .


باب في استبراء الإماء

الاستبراء - بالمد - طلب براءة الرحم كالاستعطاء ، والاستمناء طلب العطاء والمني ، وخص هذا بالأمة للعمل ببراءة رحمها من الحمل ، والحرة وإن شاركت الأمة في هذا الغرض فهي مفارقة لها في التكرار ، فلذلك يستعمل فيها لفظ العدة ( ويجب الاستبراء في ثلاثة مواضع : أحدها : إذا ملك أمة ) تحل له ، ومثلها يوطأ لمثله ، قاله في " الرعاية " ( لم يحل له وطؤها ) حتى يستبرئها [ ص: 149 ] بكرا كانت أو ثيبا ، صغيرة كانت أو كبيرة ، ممن تحمل أو لا في قول أكثر العلماء ، وقال ابن عمر : لا يجب استبراء البكر ، ذكره البخاري ; لأن الغرض بالاستبراء معرفة براءتها من الحمل ، وهذا معلوم في البكر ، وقال الليث : إن كانت ممن لا تحمل لم يجب استبراؤها ، وجوابه : ما رواه أحمد ، وأبو داود ، والبيهقي بإسناد جيد ، وفيه شريك القاضي ، عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا غير ذات حمل حتى تحيض وعن رويفع بن ثابت مرفوعا : فلا يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها بحيضة رواه أبو داود ، وقوله " بحيضة " ليس بمحفوظ ، ورواه الترمذي وغيره ، ولفظه : لا يسقي ماءه زرع غيره وإسناده حسن ، وقال أحمد : بلغني أن العذراء تحمل ، ولأنه يفضي إلى اختلاط المياه وفساد الأنساب ( ولا الاستمتاع بها بمباشرة ، ولا قبلة ) ونظر لشهوة ( حتى يستبرئها ) رواية واحدة ، قاله في " الشرح " ; لأنه لا يأمن أن تكون حاملا من مالكها الأول فتكون أم ولد ، فيحصل الاستمتاع بأم ولد غيره ، وبهذا فارق الحيض ، وعنه : لا يحرم إلا بالوطء ذكره في " الإرشاد " ، واختاره في " الهدي " واحتج بجواز الخلوة ، والنظر ، وأنه لا يعلم في جواز هذا نزاعا ( إلا المسبية هل له الاستمتاع بها فيما دون الفرج على روايتين ) إحداهما : تحرم مباشرتها ، والنظر إليها لشهوة في ظاهر الخرقي ، وقدمه في " الرعاية " ، و " الفروع " ، قال في " الشرح " : هو الظاهر عن أحمد ; لأنه استبراء يحرم الوطء فحرم دواعيه كالعدة وكالمبيعة ، والثانية : لا يحرم لفعل ابن عمر ، ولأنه لا يخشى انفساخ ملكه لها بحملها ، فلا يكون مستمتعا إلا [ ص: 150 ] بمملوكه ، والأول أصح ، قاله في " المغني " ، وقال حديث ابن عمر : لا حجة فيه ; لأنه ذكره على سبيل العيب على نفسه ; لقوله فقمت إليها فقبلتها ، والناس ينظرون ، فإن كانت غير المسبية آيسة ، أو صغيرة ، لا تحيض فهل له التلذذ بلمسها وتقبيلها في زمان الاستبراء ؛ فيه روايتان ، وإن كانت حاملا حرم ذلك في الصحيح من المذهب ، وظاهره أن فيه قولا آخر أنه يباح ، وعنه لا استبراء لمن لا تحيض لصغر ، أو تأخر حيض ، أو إياس ، قاله في " الرعاية " ( سواء ملكها من صغير ، أو كبير ، أو رجل ، أو امرأة ) أو مجبوب أو من رجل قد استبرأها ، ثم لم يطأها لحديث أبي سعيد ، ولأنه يجب للملك المتجدد ، وذلك موجود في كل واحد منهما ، ولأنه يجوز أن تكون حاملا من غير البائع فوجب استبراؤها كالمسبية من امرأة ، وعنه : لا يلزم مالكا من طفل ، أو امرأة كامرأة على الأصح ، وعنه : وطفل ، وعنه لا يلزم في مسبية ، ذكره الحلواني ، وفي " الترغيب " وجه لا يلزم في إرث ، وخالف الشيخ تقي الدين في بكر كبيرة ، أو آيسة ( وإن أعتقها قبل استبرائها لم يحل له نكاحها حتى يستبرئها ) فلو خالف وفعل لم يصح ; لأن النكاح يراد للوطء ، وذلك حرام ، وقال الحنفية : له ذلك ، ويروى أن الرشيد اشترى جارية فأفتاه أبو يوسف بذلك ، أي : يعتقها ويتزوجها ويطؤها ، قال الإمام أحمد : ما أعظم هذا ! ! أبطلوا الكتاب ، والسنة ، فإن كانت حاملا كيف يصنع ؛ وهذا لا يدري أهي حامل أم لا ؛ ما أسمج هذا ! وعنه : يصح ، ولا يطأ لما ذكرنا ، وعنه : يتزوجها إن كان بائعها استبرأ ، ولم يطأ . صححه في " المحرر " وغيره . ( ولها نكاح غيره [ ص: 151 ] إن لم يكن بائعها يطؤها ) لأنها حرة لم تكن فراشا ، فكان لها نكاح غير معتقها كما لو أعتقها مالكها ، وعبر المؤلف بالبائع ; لأن البيع أغلب من غيره ، وظاهره أنه ليس له ذلك إن كان البائع يطؤها لما فيه من اختلاط المياه واشتباه الأنساب ، والتمكين من وطء امرأة لا يعلم براءة رحمها ، والفرق بين الموطوءة وغيرها أن الموطوءة فراش ، فلم يحل وطؤها حتى يعلم براءة رحمها كزوجة الغير ، وغير الموطوءة ، فإنها ليست فراشا ، فلم يتوقف على ذلك وبين المشتري وغيره أن المشتري لا يحل له وطؤها بملك اليمين ، فكذا النكاح ; لأنه يتخذ حيلة لإبطال الاستبراء ، والحيل كلها خداع باطلة . ( والصغيرة التي لا يوطأ مثلها ، هل يجب استبراؤها ؛ على وجهين ) كذا أطلق الخلاف في " المحرر " ، و " الفروع " وحكياه روايتين : إحداهما : يجب ، وهو ظاهر كلامه في أكثر الروايات عنه ، فإنه قال تستبرأ ، وإن كانت في المهد وتحرم مباشرتها كالكبيرة ; لأن الاستبراء يجب عليها بالعدة ، كذلك هذا ، والثانية : لا يجب ، وجزم به في " الوجيز " وصححه في " الشرح " ، واختاره ابن أبي موسى ; لأن سبب الإباحة متحقق ، وليس على تحريمها دليل ، فإنه لا نص فيه ، ولا هو في معنى المنصوص ، ولا يراد لبراءة الرحم ، ولا يوجد الشغل في حقها . ( وإن اشترى زوجته ) لم يلزمه استبراء ; لأنها فراش له ، لكن يستحب ذلك ليعلم هذا الولد من النكاح ليكون عليه ولاؤه ; لأنه عتق بملكه ، ولا تصير به أم ولد ، وأوجبه بعض أصحابنا لتجدد الملك ، قاله في " الروضة " ، قال : ومتى ولدت لستة أشهر فأكثر فأم ولد ، ولو أنكر الولد بعد أن يقر بوطئها ، لا لأقل [ ص: 152 ] منها ، ولا مع دعوى استبراء ، وكذا لو اشترى مطلقته دون الثلاث لم يجب ، وقيل : يكره ( أو عجزت مكاتبته ) حلت لسيدها بغير استبراء ; لأنه لم تزل ملكه ( أو فك أمته من الرهن ) حلت بغير خلاف ; لأن الاستبراء إنما شرع لمعنى مظنة تجديد الملك ، فلا يشرع مع تخلف المظنة ، والمعنى ( أو أسلمت المجوسية ، أو المرتدة ، أو الوثنية ، أو التي حاضت عنده ) فإنها تحل ، وهذا هو الأصح ; لأن الملك لم يتجدد بالإسلام ، ولا أصاب واحدة منهن وطء غيره ، فلم يلزمه استبراء ، أشبه ما لو حلت المحرمة من إمائه ، والآخر لا تحل له حتى يجدد استبراءها بعد إسلامها ; لأن ملكه تجدد على استمتاعها ، أشبه ما لو تجدد ملكه على رقبتها ، وجوابه : أن الاستبراء إنما وجب كي لا يفضى إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب ، ومظنة ذلك تجديد الملك على رقبتها ، ولم يوجد ، أما إذا ملكهن قبل الاستبراء لم تحل له واحدة منهن حتى يستبرئها ، أو تتم ما بقي من استبرائها ، ومفهوم كلامه أن من ذكر إذا لم يحضن عنده أنه لا يجوز للمشتري الوطء قبل الاستبراء ، وصرح به في " المغني " وغيره لدخوله في عموم الأخبار ، ولأن ذلك تجديد ملك لم يحصل فيه استبراء ، فلم يحل الوطء قبله كالمسلمة ( أو كان هو المرتد فأسلم ) فهي حلال بغير استبراء ; لأن إسلامه لم يتجدد له به ملك ، أشبه إسلام المرتدة ( أو اشترى مكاتبة ذوات رحمه فحضن عنده ، ثم عجز ) حلت للسيد بغير استبراء ذكره أصحابنا ; لأنه يصير حكمها حكم المكاتب إن رق رقت ، وإن عتق عتقت ، والمكاتب عبد ما بقي [ ص: 153 ] عليه درهم ، وفي الوجه يجب الاستبراء صححه في " المحرر " للعموم ، وظاهره أن المكاتب إذا اشترى غير محارمه ، ثم عجز تحل له بغير استبراء ، وصرح به في " الكافي " وغيره ; لأنه ليس للسيد ملك على ما في يد مكاتبه ، ولأنه تجدد له ملك ( أو اشترى عبده التاجر أمة فاستبرأها ، ثم أخذها سيده ) أي : بعد استبرائها ( حلت له من غير استبراء ) لأن ملكه ثابت على ما في يد عبده ، وقيل : إن كان عليه دين قضاه سيده ، ثم استبرأها لنفسه . ( وإن وجد الاستبراء في يد البائع قبل القبض أجزأ ) في أظهر الوجهين ; لأن الملك ينتقل به ( ويحتمل ألا يجزئ ) لأن القصد معرفة براءة رحمها من ماء البائع ، ولا يحصل ذلك مع كونها في يده ، وعنه لا يجزئ إلا في الموروثة ويكفي قبض الوكيل على الأصح ، فلو ملك بعضها ، ثم ملك باقيها لم يحتسب إلا من حين ملك باقيها ، فإن ملكها ببيع خيار فهل يجزئ استبراؤها ، إذا قلنا ينقل الملك ؛ على وجهين ، وإن كان المبيع معيبا فابتداؤه من حين البيع ; لأن العيب لا يمنع نقل الملك بغير خلاف ( وإن باع أمته ، ثم عادت إليه بفسخ ، أو غيره بعد القبض وجب استبراؤها ) أي : حيث انتقل الملك ; لأنه تجديد ملك ، سواء كان المشتري لها رجلا ، أو امرأة ( وإن كان قبله ، فعلى روايتين ) قال ابن هبيرة : أظهرهما أنه يجب ; لأنه تجديد ملك ، والثانية : لا ، وهي قول أكثر العلماء ; لأنه لا فائدة في الاستبراء مع يقين البراءة وكما لو اشتراها منه امرأة ، ولو فسخ كخيار شرط ، وقلنا يمنع نقل الملك لم يلزمه استبراء ، وإن قبضت منه ، قاله في " المحرر " ويكفي استبراء من ملك بشراء ووصية وغنيمة [ ص: 154 ] وغيرها قبل قبض . ( وإن اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج قبل الدخول لزم استبراؤها ) نص عليه ، وقال : هذه حيلة وضعها بعضهم ; لأنه تجديد ملك كما لو لم تكن مزوجة ، ولأن إسقاطه هنا ذريعة إلى إسقاطه في حق من أراد إسقاطه بأن تزوجها عند بيعها ، ثم يطلقها زوجها بعد تمام البيع ، والحيل حرام ، وكذا لو اشترى مطلقة قبل الدخول ، فإن طلقت بعد الدخول ، أو مات زوجها قبله ، أو بعده ، أو اشترى معتدة ففي وجوب الاستبراء بعد العدة وجهان : أحدهما : لا يجب ; لأن براءتها قد علمت بها ، والثاني : بلى كالعدتين من رجلين ( وإن كان بعده لم يجب في أحد الوجهين ) صححه ابن المنجا ، وهو ظاهر " الوجيز " ; لأن الاستبراء لبراءة رحمها ، وذلك حاصل بالعدة كما لو عتقت ، والثاني : يجب لما سبق .

فرع : إذا زوج أمته فطلقت لم يلزمه استبراء إلا إن كان دخل بها ، أو مات ، فإنها تعتد

التالي السابق


الخدمات العلمية