صفحة جزء
الثاني : أن يرتضع خمس رضعات في ظاهر المذهب . وعنه : ثلاث يحرمن ، وعنه : واحدة . ومتى أخذ الثدي فامتص ، ثم تركه ، أو قطع عليه فهي رضعة فمتى عاد فهي رضعة أخرى بعد ما بينهما أو قرب ، وسواء تركه شبعا ، أو لأمر يلهيه ، أو لانتقاله من ثدي إلى غيره ، أو امرأة إلى غيرها ، وقال ابن حامد : إن لم يقطع باختياره فهما رضعة إلا أن يطول الفصل بينهما . والسعوط والوجور كالرضاع في إحدى الروايتين . ويحرم لبن الميتة واللبن المشوب . ذكره الخرقي ، وقال أبو بكر : لا يثبت التحريم بهما ، وقال ابن حامد : إن غلب اللبن حرم وإلا فلا . والحقنة لا تنشر الحرمة . نص عليه ، وقال ابن حامد : تنشرها .


( الثاني : أن يرتضع خمس رضعات في ظاهر المذهب ) وهو الصحيح ، وهو قول عائشة ، وابن مسعود ، وابن الزبير ، وغيرهم لما روت عائشة ، قالت : كان فيما نزل من [ ص: 167 ] القرآن " عشر رضعات معلومات يحرمن " ثم نسخن بخمس رضعات معلومات ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن . رواه مسلم . ورواه مالك ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، عن سهلة بنت سهيل : " أرضعي سالما خمس رضعات " ( وعنه : ثلاث يحرمن ) وبه قال أبو عبيد ، وأبو ثور لقوله عليه السلام : لا تحرم المصة ، ولا المصتان وفي لفظ لا تحرم الإملاجة ، ولا الإملاجتان رواهما مسلم ، ولأن ما لا يعتبر فيه العدد يعتبر فيه الثلاث كالعادة في الحيض ( وعنه : واحدة ) وهي قول علي ، وابن عباس ، وقاله أكثر العلماء ، وزعم الليث أنهم أجمعوا على ذلك كما يفطر به الصائم . وعموم الكتاب والسنة تشهد لذلك ، ولأنه فعل يتعلق به التحريم المؤبد ، فلم يعتبر تعداد الرضعات كتحريم أمهات النساء ، وعن حفصة : عشر ، رواه البيهقي بإسناد جيد ، ورواه أيضا عن عائشة ، وابن عباس . ورجاله ثقات ، والأول أصح ; لأنه توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه بخلاف غيره ، فإنه ثابت بالعموم ، أو بالمفهوم ، والصريح راجح عليهما ، والمطلق من كلام الله تعالى مقيد بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن المنذر : لم يقف الليث على الخلاف في هذه المسألة ( ومتى أخذ الثدي فامتص ، ثم تركه ، أو قطع عليه فهي رضعة ) كذا قاله أبو بكر في حد الرضعة ، وقدمه في " الفروع " وغيره ; لأن المرجع فيها إلى العرف ; لأن الشرع ورد بها مطلقا ، ولم يحدها بزمن ، ولا مقدار فدل على أنه ردهم إلى العرف ، فإذا ارتضع ، ثم قطع باختياره ، أو قطع عليه فهي رضعة ( فمتى عاد فهي رضعة أخرى ) لأن العود ارتضاع ، فكان رضعة أخرى كالأولى ( بعد ما بينهما [ ص: 168 ] أو قرب ) إذ العبرة بتعداد الرضعات ، وذلك موجود فيهما ، ولأن الشرع ورد بالرضعة ، ولم يحدها بزمان فوجب أن يكون القريب كالبعيد ( وسواء تركه شبعا ، أو لأمر يلهيه ) لأن الفصل موجود في الكل ( أو لانتقاله من ثدي إلى غيره ، أو امرأة إلى غيرها ) اختاره أبو بكر ، وهو ظاهر كلامه في رواية حنبل ، فإنه قال : أما ترى الصبي يرضع من الثدي ، فإذا أدركه النفس أمسك عن الثدي ليتنفس ويستريح ، فإذا فعل ذلك فهي رضعة ، ولأن اليسير من السعوط ، والوجور رضعة ، فكذا هنا ( وقال ابن حامد : إن لم يقطع باختياره فهما رضعة ) لأن القطع لا ينسب إليه ، فلا يحسب عليه ( إلا أن يطول الفصل بينهما ) فيكونا رضعتين لأن جعلهما رضعة يلغي الزمان مع طوله ، أو انتقاله من امرأة إلى غيرها ; لأن الآكل لو قطع الأكل للشرب ، أو عارض وعاد في الحال كان أكلة واحدة ، فكذا الرضاع ، والأول أولى ، وقال ابن أبي موسى : حد الرضعة أن يمص ، ثم يمسك عن الامتصاص لتنفس ، أو غيره ، سواء خرج الثدي من فيه ، أو لم يخرج لقوله عليه السلام لا تحرم المصة ، ولا المصتان فدل على أن لكل مصة أثرا ، ولأن القليل من الوجور ، والسعوط رضعة ، فالامتصاص أولى . ( والسعوط ) هو أن يصب في أنفه اللبن من إناء أو غيره فيدخل حلقه ( والوجور ) هو أن يصبه في حلقه من غير الثدي ، قاله في " الشرح " ( كالرضاع في إحدى الروايتين ) وهي الأصح وفاقا لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا رضاع إلا ما أنشر العظم ، وأنبت اللحم رواه أبو داود وغيره ، ولأن هذا يصل إليه اللبن كما يصل بالارتضاع ، والثانية : لا يحرم ، واختارها أبو بكر ، وقاله عطاء [ ص: 169 ] الخراساني في السعوط ; لأن هذا ليس برضاع ، أشبه ما لو حصل من جرح في بدنه ، وعلى الأولى إنما يحرم من ذلك ما يحرم بالرضاع ، وهو خمس على الأشهر ، فإنه فرع على الرضاع فيأخذ حكمه ، والاعتبار بشرب الطفل له ، فأما إن سقاه جرعة بعد أخرى متتابعة فرضعة في ظاهر قول الخرقي ; لأن المعتبر في الرضعة العرف وهم لا يعدون هذا رضعات ، ويحتمل أن يخرج على ما إذا قطعت عليه الرضاع

( ويحرم لبن الميتة ) وهو كلبن الحية . نص عليه . اختاره أبو بكر ونصره المؤلف ; لأنه ينبت اللحم ، ونجاسته لا تؤثر كما لو حلب في إناء نجس وكما لو حلب منها في حياتها فشربه بعد موتها ، وقال الخلال : لا ينشر الحرمة ، وتوقف عنه أحمد في رواية مهنا ; لأنه لبن ليس بمحل للولادة ، أشبه لبن الرجل ( واللبن المشوب ) بغيره ، سواء اختلط بشراب ، أو غيره ( ذكره الخرقي ) واختاره القاضي ، وهو الأصح ; لأن ما تعلق الحكم به لم يفرق فيه بين الخالص والمشوب كالنجاسة في الماء ، والنجاسة الخالصة ( وقال أبو بكر : لا يثبت التحريم بهما ) وهو قياس قول أحمد ; لأن المشوب ليس بلبن خالص ، فلم يحرم كالماء ( وقال ابن حامد : إن غلب اللبن حرم ) وذكره في " عيون المسائل " الصحيح من المذهب ; لأن الحكم للأغلب في كثير من الصور ، فكذا هنا ( وإلا فلا ) أي : إذا لم يغلب اللبن لم يحرم ; لأنه يزول بذلك الاسم ، والمعنى المراد ، وهذا كله إذا كانت صفات اللبن باقية ، ذكره في " المغني " ، و " الشرح " ، فلو صبه في ماء كثير لم يتغير به لم يثبت التحريم ; لأن هذا ليس بمشوب ، ولا يحصل به التغذي ، ولا إنبات اللحم ، ولا إنشار العظم ، وقال [ ص: 170 ] القاضي : يحرم ; لأن أجزاء اللبن حصل في بطنه ، أشبه ما لو كان ظاهرا ، وجوابه : أن هذا ليس برضاع ، ولا هو في معناه .

فرع : إذا عمل اللبن جبنا حرم في الأصح ; لأنه واصل من الحلق يحصل به إنبات اللحم ، وعنه لا لزوال الاسم ، وإذا قلنا : الوجور لا يحرم فهذا أولى . ( والحقنة لا تنشر الحرمة . نص عليه ) وقدمه في " المستوعب " ، و " الرعاية " ونصره المؤلف ; لأن هذا ليس برضاع ، ولا يحصل به التغذي ، فلم ينشر الحرمة كما لو قطر في إحليله وكما لو وصل من جرح ( وقال ابن حامد ) وابن أبي موسى ( تنشرها ) لأنه سبيل يحصل بالواصل منه الفطر فيتعلق به التحريم كالرضاع ، والأول أولى إذ الفرق بين الفطر ، والرضاع ثابت من حيث إن الرضاع يعتبر فيه إنشار العظم ، وإنبات اللحم ، وهو مفقود في الحقنة موجود في الرضاع ، وهذا كله لبن أنثى تم لها تسع سنين ، وإن ثاب بعدها فقد حاضت وبلغت ، وإن ثاب بدون حمل ووطء ، وقلنا ينشر الحرمة ، صار المرتضع ابنا لها ، وإن شكت المرضعة في الرضاع ، أو كماله في الحولين ، ولا بينة تحريم ، فلا تحريم .

فرع : إذا حلب من نسوة وسقى طفلا ، فهو كما لو رضع من كل واحدة منهن .

التالي السابق


الخدمات العلمية