صفحة جزء
[ ص: 180 ] فصل إذا شك في الرضاع ، أو عدده بنى على اليقين ، وإن شهد به امرأة مرضية ثبت بشهادتها . وعنه : أنها إن كانت مرضية استحلفت ، فإن كانت كاذبة لم يحل الحول عليها حتى يبيض ثدياها ، وذهب في ذلك إلى قول ابن عباس رضي الله عنهما ، وإذا تزوج امرأة ، ثم قال قبل الدخول : هي أختي من الرضاع انفسخ النكاح ، فإن صدقته فلا مهر ، وإن كذبته فلها نصف المهر ، وإن قال ذلك بعد الدخول انفسخ النكاح ولها المهر بكل حال . وإن كانت هي التي قالت : هو أخي من الرضاع ، وأكذبها فهي زوجته في الحكم ، ولو قال الزوج : هي ابنتي من الرضاع ، وهي في سنه ، أو أكبر منه لم تحرم لتحققنا كذبه ، ولو تزوج رجل بامرأة لها لبن من زوج قبله فحملت منه ، ولم يزد لبنها فهو للأول ، وإن زاد لبنها فأرضعت به طفلا صار ابنا لهما ، وإن انقطع لبن الأول ، ثم ثاب بحملها من الثاني ، فكذلك عند أبي بكر ، وعند أبي الخطاب هو ابن الثاني وحده .


فصل

( إذا شك في الرضاع ، أو عدده بنى على اليقين ) لأن الأصل عدمه ، والأصل عدم وجود الرضاع المحرم ( وإن شهد به امرأة مرضية ثبت بشهادتها ) هذا المذهب ، وهو قول طاوس ، والزهري ، والأوزاعي لما روى عقبة بن الحارث ، قال : تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء ، فقالت : قد أرضعتكما فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : وكيف ، وقد زعمت ذلك فنهاه عنها ، وفي رواية : دعها عنك رواه البخاري ، وقال الزهري : فرق بين أهل أبيات في زمن عثمان بشهادة امرأة واحدة ، ولأن هذه شهادة على عورة فتقبل فيه شهادة النساء منفردات كالولادة ; ولأنه معنى يقبل فيه قول النساء المنفردات ، فتقبل فيه شهادة امرأة ، يؤيده ما روى محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه ، عن ابن عمر ، قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما يجوز في الرضاع من الشهود ، فقال : رجل ، أو امرأة رواه أحمد ، وقال البيهقي : فهذا إسناد ضعيف ، وقد اختلف في متنه ، وظاهره أنها إذا لم تكن مرضية أنه لا يقبل قولها ، وهو كذلك ،وتقبل شهادة المرضعة على فعل نفسها للخبر ، والمتبرعة وغيرها سواء ، قيل : مع اليمين ، قاله ابن حمدان ، ولأنه فعل لا يحصل لها به نفع مقصود ، ولا يدفع عنها ضررا ، لا يقال : إنها تستبيح الخلوة والسفر معه ، وتصير محرما له ; لأن هذا ليس من الأمور المقصودة التي ترد بها الشهادة ، ألا ترى لو أن رجلين شهدا أن فلانا طلق [ ص: 181 ] زوجته وأعتق أمته قبلت شهادتهما ، وإن حل لهما نكاحها بذلك ( وعنه : أنها إن كانت مرضية استحلفت ) مع شهادتها ( فإن كانت كاذبة لم يحل الحول عليها حتى يبيض ثدياها ) أي : يصيبها فيهما برص عقوبة على شهادتها الكاذبة ( وذهب في ذلك إلى قول ابن عباس رضي الله عنهما ) فالظاهر أنه لا يقول ذلك إلا عن توقيف ; لأن هذا لا يقتضيه القياس ، ولا يهتدي إليه رأي ، وعنه لا تقبل إلا شهادة امرأتين ، وهو قول الحكم ; لأن الرجال أكمل من النساء .

تنبيه : قال ابن حمدان : يقبل فيه قول أم المنكر وبنته ، لا المدعي إلا أن يبتدئا حسبة ، ولا يقبل في الإقرار به شهادة النساء فقط حتى أم المرضعة ، وقال ابن حمدان : إن الظئر إذا قالت : أشهد أني أرضعتكما لم يقبل ، وإن قالت : أشهد أنهما ارتضعا مني قبل ( وإذا تزوج امرأة ، ثم قال قبل الدخول : هي أختي من الرضاع انفسخ النكاح ) وحرمت عليه ; لأنه أقر بما يتضمن تحريمها عليه كما لو أقر بالطلاق ، ثم رجع ، أو أقر أن أمته أخته من النسب ، ولو ادعى خطأ ، وهذا في الحكم ، فأما فيما بينه وبين الله تعالى ، فإن علم أن الأمر كذلك فهي محرمة عليه ، وإن علم كذب نفسه ، فالنكاح باق بحاله ( فإن صدقته ، فلا مهر ) لأنهما اتفقا على أنه نكاح باطل من أصله ، لا يستحق فيه مهرا كما لو ثبت ببينة ( وإن كذبته ) قبل قولها ; لأن قوله غير مقبول عليها في إسقاط حقوقها ، وتحريمها عليه حق له ، فقبل ( فلها نصف المهر ) لأنها فرقة قبل الدخول ( وإن قال ذلك بعد الدخول انفسخ النكاح ولها المهر بكل حال ) [ ص: 182 ] لأنه استقر بالدخول ، وهذا ما لم تطاوعه عالمة بالتحريم ، وقيل : إن صدقته سقط ، قال في " الفروع " : ولعل مراده المسمى فيجب مهر المثل ، لكن قال في " الروضة " : لا مهر لها عليه ، وقال ابن حمدان : بل يجب لها مهر المثل مع جهلها بالتحريم ( وإن كانت هي التي قالت هو أخي من الرضاع وأكذبها ) ولا بينة وحلف ، قاله في " الرعاية " ( فهي زوجته في الحكم ) لأنه لا يقبل قولها في فسخ النكاح ; لأنه حق عليه ، ولا مهر لها إن طلقها قبل الدخول ; لأنها تقر بأنها لا تستحقه ، وإن كانت قبضته لم يطلبه الزوج ; لأنه يقر بأنه حق لها ، وإن كان بعد الدخول وجب ، قدمه في " الرعاية " ، وفي " الشرح " ، و " الفروع " إن كانت عالمة بأنها أخته وبتحريمها عليه ، وطاوعته في الوطء ، فلا مهر لإقرارها بأنها زانية مطاوعة ، وإن أنكرت شيئا من ذلك فلها المهر ; لأنه وطء شبهة ، وهي زوجته حكما ; لأن قولها غير مقبول عليه .

تنبيه : إذا علمت صحة ما أقرت به لم يحل لها تمكينه وتفتدي نفسها بما أمكنها وينبغي أن يكون الواجب أقل الأمرين من المسمى ، أو مهر المثل ، فإن كان إقرارها بأخوته قبل النكاح ‌لم يجز لها نكاحه ، ولا يقبل رجوعها عن إقرارها في ظاهر الحكم ، وكذلك الرجل لو أقر أنها أخته من الرضاع ، أو محرمة عليه بغيره وأمكن صدقه لم يحل له تزويجها بعد ذلك في ظاهر الحكم ، أما فيما بينه وبين الله فينبني على علمه بحقيقة الحال ، ويحلف مدعي الرضاع على البت ، ومنكره على نفي العلم به ، وإذا ادعت أمة أخوة سيدها بعد وطء لم يقبل ، وإن كان قبله فوجهان .

( ولو قال الزوج : هي ابنتي من الرضاع [ ص: 183 ] وهي في سنه ، أو أكبر منه لم تحرم ) وجزم به الأصحاب ( لتحققنا كذبه ) كما لو قال : أرضعتني وإياها حواء ، قال ابن المنجا : ولا بد أن يلحظ أن الزوج لو قال ذلك ، وهي في سن لا يولد مثلها لمثله ، وإن كان أصغر كان كما لو قال ذلك ، وهي في سنه لتحقق ما ذكر .

فرع : إذا ادعى أن زوجته أخته من الرضاع فأنكرته فشهد بذلك أمه ، أو ابنته لم يقبل ; لأنها شهادة الوالد لولده ، وإن شهدت أمها ، أو ابنتها قبلت ، وعنه لا ، بناء على شهادة الوالد على ولده ، والولد على والده ، وإن ادعت ذلك المرأة وأنكرها الزوج فشهدت لها أمها ، أو ابنتها لم يقبل ، وإن شهدت لها أم الزوج ، أو ابنته قبل في أصح الوجهين ، قاله في " الشرح " .

( ولو تزوج رجل بامرأة لها لبن من زوج قبله فحملت منه ، ولم يزد لبنها ) أو زاد قبل أوانه ( فهو للأول ) لأن اللبن إذا بقي بحاله لم يزد ، ولم ينقص ، ولم تلد من الثاني فهو للأول ; لأن اللبن كان له ، والأصل بقاؤه ، وعلم منه أنها إذا لم تحمل من الثاني أنه للأول مطلقا ، وأنها إذا ولدت من الثاني فاللبن له خاصة إجماعا ( وإن زاد لبنها ) في أوانه ( فأرضعت به طفلا صار ابنا لهما ) في قول أصحابنا كما لو كان الولد منهما ; لأن زيادته عند حدوث الحمل ظاهر في أنه منه وبقاء لبن الأول يقتضي كون أصله منه فيجب أن يضاف إليهما ( وإن انقطع لبن الأول ، ثم ثاب بحملها من الثاني فكذلك عند أبي بكر ) أي : هو ابن لهما ، اختاره أكثر أصحابنا ، وقدمه في " الفروع " كما لو لم ينقطع ( وعند أبي الخطاب هو ابن الثاني وحده ) [ ص: 184 ] قال الحلواني : وهو الأحسن ; لأن لبن الأول انقطع ، فزال حكمه بانقطاعه ، وحدث بالحمل من الثاني ، فكان له كما لو لم يكن لها لبن من الأول ، وإن لم يزد ، ولم ينقص حتى ولدت ، فهو لهما . نص عليه ، وذكر المؤلف أنه للثاني كما لو زاد .

فائدة : كره أحمد الارتضاع بلبن فاجرة ومشركة لقول عمر بن الخطاب وابنه ، وكذا حمقاء وسيئة الخلق لقوله - عليه السلام - لا تزوجوا الحمقاء ، فإن صحبتها بلاء ، وفي ولدها ضياع ، ولا تسترضعوها ، فإن لبنها يغير الطباع وفي " المجرد " : وبهيمة ; لأنه يكون فيه بلد البهيمة ، وفي " الترغيب " : وعمياء ، وفي " المستوعب " : وزنجية .

التالي السابق


الخدمات العلمية