صفحة جزء
والصلوات المفروضة : الظهر ، وهي الأولى ، ووقتها من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد الذي زالت عليه الشمس ، إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد الذي زالت عليه الشمس ، والأفضل تعجيلها ، إلا في شدة الحر والغيم لمن يصلي جماعة .


( والصلوات المفروضات خمس ) في اليوم والليلة ، وأجمع المسلمون على ذلك ، وأن غيرها لا يجب إلا لعارض كالنذر ، وأما الوتر فسيأتي ، والأصل فيه أحاديث منها ما في الصحيحين عن أبي ذر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فرض الله على أمتي ليلة الإسراء خمسين صلاة ، فلم أزل أراجعه ، وأسأله التخفيف حتى جعلها خمسا في كل يوم وليلة ، وقال : هي خمس ، وهي خمسون في أم الكتاب وكان قيام الليل واجبا ، فنسخ في حق الأمة ، وكذا في حقه عليه السلام على الأصح ، قال القفال في " محاسن الشريعة " في الأربع لطيفة حسن معها عدم الزيادة في الفرض عليها ، وهي أنك إذا ذكرت آحادها فقلت واحد ، واثنان ، وثلاثة ، وأربعة جمعت كل الأعداد ، وجدتها عشرة ، ولا شيء من الأعداد يخرج أصله عن عشرة ، وأراد بالمفروضات العينية ، ولهذا لم يذكر صلاة الجنازة ، لكونها فرضا على الكفاية ، نعم ترد عليه الجمعة ، فإنها من المفروضات العينية ، ولم يدخل في كلامه .

( الظهر ) واشتقاقها من الظهور ، إذ هي ظاهرة في وسط النهار ، والظهر لغة : الوقت بعد الزوال ، وشرعا اسم للصلاة من باب تسمية الشيء باسم وقته .

[ ص: 336 ] فقولنا : صلاة الظهر أي : صلاة هذا الوقت ، وبدأ بها المؤلف تبعا للخرقي ومعظم الأصحاب ، لبداءة جبريل بها لما صلى بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبدأ ابن أبي موسى ، والشيرازي ، وأبو الخطاب بالفجر لبداءته عليه السلام بها السائل ، ولأنها أول اليوم ، ويعضده أن إيجابها كان ليلا ، وأول صلاة تحضر بعد ذلك هي الفجر ، فلم لا بدأ بها جبريل .

وجوابه : أنه يحتمل أنه وجد تصريح بأن أول وجوب الخمس من الظهر ، ويحتمل أن الإتيان بها متوقف على بيانها ، لأن الصلوات مجملة ، ولم تبين إلا عند الظهر ، والحكمة أنه بدأ بها إشارة منه إلى أن هذا الدين ظهر أمره ، وسطع نوره من غير خفاء ، ولأنه لو بدأ بالفجر لختم بالعشاء في ثلث الليل ، وهو وقت خفاء فلذلك ختم بالفجر ، لأنه وقت ظهور ، لكن فيه ضعف ، إشارة إلى أن هذا الدين في آخر الأمر يضعف ( وهي الأولى ) قال عياض : هو اسمها المعروف ، لأنها أول صلاة صلاها جبريل بالنبي عليهما السلام معلما له في اليومين ، وتسمى أيضا الهجير لفعلها في وقت الهاجرة .

( ووقتها من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد الذي زالت عليه الشمس ) أجمع العلماء على أن أول وقت الظهر إذا زالت الشمس لحديث جابر : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءه جبريل فقال : قم فصله فصلى الظهر حين زالت الشمس ، ثم جاءه من الغد للظهر ، فقال : قم فصله ، فصلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله ، ثم قال : ما بين هذين وقت إسناده ثقات ، رواه أحمد ، والترمذي ، [ ص: 337 ] وقال البخاري : هو أصح شيء في المواقيت ، وصححه ابن خزيمة ، والترمذي ، وحسنه من حديث ابن عباس نحوه ، وفيه : فصلى الظهر حين زالت الشمس ، وكانت قدر الشراك وهو بشين معجمة مكسورة ، وراء مهملة ، وبالكاف ، وهو أحد سيور النعل ، ثم اعلم أن الشمس إذا طلعت ، رفع لكل شاخص ظل طويل في جانب المغرب ، ثم ما دامت الشمس ترتفع ، فالظل ينقص ، فإذا انتهت الشمس إلى وسط السماء ، وهي حالة الاستواء انتهى نقصانه ، فإذا زاد الظل أدنى زيادة فهو الزوال ، فهو إذا ميلها عن وسط السماء ، ويختلف فيء الزوال فيطول في الشتاء ، ويقصر في الصيف ، لكن لا يقصر ظله وقت الزوال في بعض بلاد خراسان لمسير الشمس ناحية عنها ، ذكره ابن حمدان ، وذكر السامري ، وغيره : أن ما كان من البلاد تحت وسط الفلك مثل مكة وصنعاء في يوم واحد ، وهو أطول أيام السنة لا ظل ، ولا فيء ، كوقت الزوال ، بل يعرف الزوال هناك بأن يظهر للشخص فيء من نحو المشرق ، للعلم بكونها قد أخذت مغربة ، ويختلف باختلاف الشهر ، والبلد ، فأقل ما تزول في إقليم الشام والعراق على ما نقله أبو العباس الشيحي على قدم وثلث في نصف حزيران ، ويتزايد إلى أن يبلغ عشرة أقدام وسدس في نصف كانون الأول ، وهو أكثر ما تزول عليه الشمس ، فإذا أردت معرفة ذلك ، فقف على مستو من الأرض ، وعلم الموضع الذي انتهى إليه ظلك ، ثم ضع قدمك اليمنى بين يدي قدمك اليسرى ، وألصق عقبك بإبهامك ، فإذا بلغت مساحة هذا القدر بعد انتهاء النقص فهو وقت زوال الشمس ، وتجب به الظهر ، وعلم منه أن الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا ، نص عليه في رواية أبي طالب ، [ ص: 338 ] وشرط ابن بطة ، وابن أبي موسى مضي زمن يتسع لأدائها حذارا من تكليف ما لا يطاق ، وجوابه أنه لا يكلف بالفعل قبل الإمكان حتى يلزم تكليف ما لا يطاق ، وإنما يثبت في ذمته بفعله إذا قدر ، كالمغمى عليه ، وأما آخره فقال : ( إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد الذي زالت عليه الشمس ) وهو المراد بقولهم سوى الزوال ، نص عليه لما سبق ، وصلاها عليه السلام في حديث أبي موسى حين سأله السائل حين زالت الشمس ، ثم أخرها في اليوم الثاني : حتى كان قريبا من وقت العصر بالأمس ، وقال :الوقت فيما بين هذين رواه مسلم ، وعن عبد الله بن عمرو مرفوعا : وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس ، وكان ظل الرجل كطوله ، ما لم تحضر العصر رواه مسلم ، قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله : متى يكون الظل مثله ؛ قال : إذا زالت الشمس فكان الظل بعد الزوال مثله ، ومعرفة ذلك أن يضبط ما زالت عليه الشمس ، ثم ينظر الزيادة عليه ، فإن بلغت قدر الشخص فقد انتهى وقت الظهر ، وطول الإنسان ستة أقدام وثلثان بقدمه تقريبا ، وعنه : آخره أول وقت العصر فبينهما وقت مشترك قدر أربع ركعات ، قال أحمد : الزوال في الدنيا واحد ، وأنكر على المنجمين أنه يتغير في البلدان ، ومثله لا يقول ذلك إلا عن توقيف .

( والأفضل تعجيلها ) لما روى أبو برزة قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس وقال جابر : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر بالهاجرة متفق عليهما ، وقالت عائشة : ما رأيت أحدا أشد تعجيلا للظهر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا من أبي بكر ، ولا من عمر حديث حسن . قال في [ ص: 339 ] " التلخيص " : ويحصل بأن يشتغل بأسباب الصلاة من حين دخول الوقت ، وهو ظاهر " الفروع " فإنه لا يعد حينئذ متوانيا ، ولا مقصرا ، وذكر الأزجي قولا : يتطهر قبله ( إلا في شدة الحر والغيم لمن يصلي جماعة ) كذا في " المحرر " و " الوجيز " أما في الحر فيستحب تأخيرها مطلقا إلى أن ينكسر ، وحكاه الترمذي عن ابن المبارك ، وأحمد ، وإسحاق ، وقال : هو أشبه بالاتباع ، وصححه في " الشرح " واقتصر عليه في " الكافي " وقاله القاضي في " الجامع " ، والخرقي ، وابن أبي موسى ، وغيرهم لما روى أبو هريرة مرفوعا : إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم متفق عليه ، وفي لفظ : أبردوا بالظهر وفيح جهنم هو غليانها ، وانتشار لهيبها ، ووهجها ، وصريحه أنه مختص بمن يصلي في جماعة ، وهو قول أبي الخطاب ، وطائفة تعليلا بالمشقة ، واعتبر القاضي في " المجرد " مع الخروج إلى الجماعة كونه في البلاد الحارة ، ومساجد الجماعات ، فأما تأخير ما في الغيم ، فيستحب لكل من يصلي جماعة كما ذكره القاضي ، والسامري ، ونص عليه في رواية المروذي ، لما روى ابن منصور عن إبراهيم قال : كانوا يؤخرون الظهر ، ويعجلون العصر في اليوم المتغيم ، ولأنه وقت يخاف منه العوارض من المطر ، ونحوه ، فيشق الخروج لكل صلاة منهما ، فاستحب تأخير الأولى من المجموعتين ، ليقرب من الثانية ، لكي يخرج لهما خروجا واحدا طلبا للأسهل المطلوب شرعا ، وعنه : لا تؤخر ، بل تعجل مع الغيم ، وهو ظاهر الخرقي ، و " الكافي " و " التلخيص " إذ مطلوبية التأخير في عامة الأحاديث إنما وردت في الحر ، وفيه وجه : يستحب التأخير لكل مصل ، وظاهر كلام [ ص: 340 ] أبي الخطاب ، ويؤخر الظهر لا المغرب ، وأما الجمعة فيسن تقديمها مطلقا ، قال سهل بن سعد : ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة ، وقال سلمة بن الأكوع : كنا نجمع مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم نرجع فنتتبع الفيء متفق عليهما ، وتأخيرها لمن لم تجب عليه الجمعة إلى بعد صلاتها ولمن يرمي الجمرات حتى يرميها أفضل .

التالي السابق


الخدمات العلمية