صفحة جزء
فصل : وعليه دفع النفقة إليها في صدر كل يوم إلا أن يتفقا على تأخيرها ، أو تعجيلها لمدة قليلة ، أو كثيرة ، فيجوز ، وإن طلب أحدهما دفع القيمة لم يلزم الآخر ذلك . وعليه كسوتها في كل عام ، فإن قبضتها فسرقت ، أو تلفت لم يلزمه عوضها ، وإن انقضت السنة ، وهي صحيحة فعليه كسوة السنة الأخرى ويحتمل ألا يلزمه ، وإن ماتت أو طلقها قبل مضي السنة ، فهل يرجع عليها بقسط بقية السنة ؛ على وجهين ، وإذا قبضت النفقة فلها التصرف فيها على وجه لا يضر بها ، ولا ينهك بدنها ، وإن غاب مدة ولم ينفق ، فعليه نفقة ما مضى ، وعنه : لا نفقة لها إلا أن يكون الحاكم قد فرضها .


فصل

( وعليه دفع النفقة إليها ) وهو دفع القوت ، لا بدله ، ولا حب ( في صدر كل يوم ) بطلوع الشمس ; لأنه أول وقت الحاجة ، وقيل : وقت الفجر ( إلا أن يتفقا على تأخيرها ، أو تعجيلها لمدة قليلة ، أو كثيرة ، فيجوز ) لأن الحق لهما ، لا يخرج عنهما كالدين بغير خلاف علمناه ، وتملكه بقبضه ، قاله في " الترغيب " ( وإن طلب أحدهما دفع القيمة لم يلزم الآخر ذلك ) لأنها معاوضة ، فلا يجبر عليها واحد منهما كالبيع ، وإن تراضيا عليه جاز ; لأنه طعام وجب في الذمة لآدمي معين فجازت المعاوضة عنه كالطعام في الفرض ، وظاهره أن الحاكم لا يملك فرض غير الواجب كدراهم مثلا إلا باتفاقهما ، فلا يجبر من امتنع ، قال في " الهدي " : لا أصل له في كتاب ، ولا سنة ، ولا نص عليه أحد من الأئمة ; لأنها معاوضة بغير الرضا عن غير مستقر ، قال في " الفروع " : وهذا [ ص: 197 ] متوجه مع عدم الشقاق وعدم الحاجة ، فأما مع الشقاق والحاجة كالغائب مثلا فيتوجه الفرض للحاجة إليه على ما لا يخفى ، ولا يقع الغرض بدون ذلك بغير الرضا . ( وعليه كسوتها في كل عام ) لأنه العادة ، ويكون الدفع في أوله ; لأنه وقت الوجوب ، وقال الحلواني ، وابنه ، وابن حمدان : في أول الصيف كسوة ، وفي أول الشتاء كسوة ، وفي " الواضح " كل نصف سنة وتملكها في الأصح بقبضها ( فإن قبضتها فسرقت ، أو تلفت لم يلزمه عوضها ) لأنها قبضت حقها ، فلم يلزمه غيره كالدين إذا وفاها إياه ، ثم ضاع منها ، لكن لو بليت في الوقت الذي يبلى فيه مثلها لزمه بدلها ; لأن ذلك من تمام كسوتها وإن بليت قبله لكثرة خروجها ودخولها ، فلا ، أشبه ما لو أتلفتها ، وإن مضى زمن يبلى فيه مثلها بالاستعمال ، ولم تبل فوجهان : أحدهما : لا يلزمه بدلها لأنها غير محتاجة إلى الكسوة ، والثاني : بلى ; لأن الاعتبار بمضي الزمان دون حقيقة الحاجة ، فلو أهدى إليها كسوة لم تسقط كسوتها ( وإن انقضت السنة ، وهي صحيحة فعليه كسوة السنة الأخرى ) قدمه في " المستوعب " ، و " المحرر " وصححه في " الفروع " ; لأن الاعتبار بمضي الزمان دون بقائها بدليل ما لو تلفت ( ويحتمل ألا يلزمه ) لأنها غير محتاجة إلى الكسوة ، وفي " الرعاية " فإن كساها السنة أو نصفها ، فسرقت ، أو تلفت فيها ، وقيل : في وقت يبلى مثلها ، أو تلفت ، فلا بدل عليه ، وقيل : هي إمتاع فيلزمه بدلها ككسوة القريب ، وإن بقيت صحيحة لزمه كسوة سنة أخرى إن قلنا : هي ملك ، وإن قلنا : إمتاع ، فلا ، كالمسكن وأوعية الطعام ، والماعون ، والمشط ، ونحوها . وفي غطاء ووطاء ، ونحوهما الوجهان ( وإن ماتت [ ص: 198 ] أو طلقها قبل مضي السنة فهل يرجع عليها بقسط بقية السنة ؛ على وجهين ) أحدهما : يرجع به . قدمه في " المحرر " ، و " الرعاية " وصححه في " الفروع " ; لأنه دفع لمدة مستقبلة كما لو دفع إليها نفقة مدة ، ثم طلقها قبل انقضائها ، والثاني : لا رجوع ; لأنه دفع إليها الكسوة بعد وجوبها عليه كما لو دفع إليها النفقة بعد وجوبها ، ثم طلقها قبل إكمالها ، بخلاف النفقة المستقبلة وكنفقة اليوم ، وقيل : ترجع بالنفقة ، وقيل : بالكسوة ، وقيل : كزكاة معجلة ، جزم به في " المنتخب " ، وقال ابن حمدان : لا يرجع فيهما إن بانت ويرجع إن أبانها بطلاق ، أو فسخ ، وعلى الأول يرجع إلا يوم الفرقة والسلف وهو أصح إلا على الناشز فيرجع عليها في الأصح ، وفي " عيون المسائل " لا ترجع بما وجب كيوم وكسوة سنة ، بل بما لم يجب ، ويرجع بنفقتها من مال غائب بعد موته بظهوره على الأصح ( وإذا قبضت النفقة فلها التصرف فيها ) من بيع وهبة وصدقة ، ونحو ذلك ; لأنها حقها فملكت التصرف فيها كسائر مالها ، لكن ذلك مشروط بقوله ( على وجه لا يضر بها ، ولا ينهك ) بفتح الياء أي يجهده ( بدنها ) فإن عاد عليها ضرر في بدنها ، أو نقص من استمتاعها لم تملكه لأنه يفوت حقه بذلك ، والكسوة كالنفقة في ذلك ، ويحتمل المنع ; لأن له استرجاعها لو طلقها في وجه ، بخلاف النفقة .

فرع : إذا أكلت معه عادة ، أو كساها بلا إذن ، ولم يتبرع سقطت ، وفي " الرعاية " : وهو ظاهر " المغني " أن نرى أن يعتد بها ( وإن غاب [ ص: 199 ] مدة ، ولم ينفق فعليه نفقة ما مضى ) ولم تسقط ، بل تكون دينا في ذمته ، سواء تركها لعذر ، أو غيره في ظاهر المذهب ، وقاله الأكثر لما روى الشافعي ، قال : أنا مسلم بن خالد ، عن عبيد الله بن عمر أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا ، أو يطلقوا ، فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا . ورواه البيهقي أيضا ، قال ابن المنذر : وهو ثابت عن عمر ، ولأنه حق لها وجب عليه بحكم العوض فرجعت به عليه كالدين ، قال ابن المنذر : هذه نفقة وجبت بالكتاب ، والسنة ، والإجماع ، ولا يزول ما وجب بهذه الحجج إلا بمثلها ، والكسوة والسكنى كالنفقة ، ذكره في " الرعاية الكبرى " ( وعنه : لا نفقة لها ) اختاره في " الإرشاد " ، وفي " الرعاية " ، أو الزوج برضاها ; لأنها نفقة تجب يوما فيوما فتسقط بتأخيرها إذا لم يفرضها الحاكم كنفقة الأقارب ، وجوابه : بأن نفقة الأقارب وصلة يعتبر فيها اليسار من المنفق والإعسار ممن تجب له ، بخلاف نفقة الزوجة ، وتثبت في ذمته حسبما وجبت لها ، موسرا كان أو معسرا ، ويصح ضمانها على الأول ; لأن مآله إلى الوجوب ( إلا أن يكون الحاكم قد فرضها ) فيلزم بحكمه رواية واحدة ; لأن فرضه حكم ، وحكمه لا ينقض ، وفي " الانتصار " أن أحمد أسقطها بالموت وعلل في " الفصول " الثانية بأنه حق ثبت بقضاء القاضي ، فلو استدانت وأنفقت ، رجعت . نقله أحمد بن هاشم ، ذكره في " الإرشاد " .

تتمة : الذمية كالمسلمة فيما ذكرنا في قول عامة العلماء لعموم النص ، والمعنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية