صفحة جزء
[ ص: 200 ] فصل : وإذا بذلت المرأة تسليم نفسها إليه ، وهي ممن يوطأ مثلها ، أو يتعذر وطؤها لمرض ، أو حيض ، أو رتق ، أو نحوه لزم زوجها نفقتها سواء كان الزوج كبيرا ، أو صغيرا يمكنه الوطء أو لا يمكنه كالعنين ، والمجبوب ، والمريض ، وإن كانت صغيرة لا يمكن وطؤها لم تجب نفقتها ولا تسلمها ، ولا تسليمها إذا طلبها ، فإن بذلته ، والزوج غائب لم يفرض لها حتى يراسله الحاكم ويمضي زمن يمكن أن يقدم في مثله ، وإن منعت تسليم نفسها ، أو منعها أهلها ، فلا نفقة لها إلا أن تمنع نفسها قبل الدخول حتى تقبض صداقها الحال فلها ذلك وتجب نفقتها ، وإن كان بعد الدخول ، فعلى وجهين . بخلاف الآجل ، وإن سلمت الأمة نفسها ليلا ونهارا فهي كالحرة ، فإن كانت تأوي إليه ليلا وعند السيد نهارا ، فعلى كل واحد منهما النفقة مدة مقامها عنده . وإذا نشزت المرأة ، أو سافرت بغير إذنه ، أو تطوعت بصوم ، أو حج ، أو أحرمت بحج منذور في الذمة ، فلا نفقة لها ، وإن بعثها في حاجة ، أو أحرمت بحجة الإسلام فلها النفقة ، وإن أحرمت بمنذور معين في وقته ، فعلى وجهين ، وإن سافرت لحاجتها بإذنه ، فلا نفقة لها ، ذكره الخرقي . ويحتمل أن لها النفقة . وإن اختلفا في نشوزها ، أو تسليم النفقة إليها ، فالقول قولها مع يمينها ، وإن اختلفا في بذل التسليم فالقول قوله مع يمينه .


فصل

( وإذا بذلت المرأة تسليم نفسها إليه ، وهي ممن يوطأ مثلها ) كذا أطلقه المؤلف تبعا للخرقي ، وأبى الخطاب ، وابن عقيل ، والشيرازي وأناط القاضي ذلك بابنة تسع في " المحرر " ، و " الوجيز " ، وهو مقتضى نص أحمد في رواية صالح ، وعبد الله ، وسئل : متى يؤخذ من الرجل نفقة الصغيرة ؛ فقال : إذا كان مثلها يوطأ كبنت تسع سنين ويمكن حمل الإطلاق على هذا لقول عائشة : إذا بلغت الجارية تسعا فهي امرأة ، وظاهره أنها لا تجب النفقة عليه إلا بالتسليم ، أو بذلت له بذلا يلزمه قبوله في الأشهر ; لأن النفقة تجب في مقابلة الاستمتاع ، وذلك ممكن منه ، وعنه : تلزمه بالعقد مع عدم منع كمن يلزمه تسلمها لو بذلته ، وقيل : ولصغيرة ، وهو ظاهر الخرقي ، فعليها لو تشاكتا بعد العقد مدة لزمه ( أو يتعذر وطؤها لمرض ، أو حيض ، أو رتق ، أو نحوه ) ككونها نضوة الخلق لا يمكن وطؤها ( لزم زوجها نفقتها ) لما ذكرنا ، فإن حدث بها شيء من ذلك لم تسقط ; لأن الاستمتاع ممكن ، ولا تفريط من جهتها ، فلو بذلت الصحيحة الاستمتاع بما دون الوطء لم تجب نفقتها ، فلو ادعت أن عليها ضررا في وطئه لضيق فرجها ، أو قروح به ، أريت امرأة ثقة ويعمل بقولها ، وإن ادعت عبالة ذكره وعظمه جاز أن تنظر المرأة إليهما حال اجتماعهما ; لأنه موضع حاجة ، ويجوز النظر للعورة للحاجة ، والشهادة ( سواء كان الزوج [ ص: 201 ] كبيرا ) إجماعا ( أو صغيرا ) هذا هو المشهور ; لأن الاستمتاع بها ممكن ، وإنما تعذر بسبب من جهة الزوج كما لو كان كبيرا فهرب ، ويجبر الولي على نفقتها من مال الصبي ; لأنها عليه ، والولي ينوب عنه في أداء الواجبات كالزكاة ، والثانية : لا تجب عليه مع صغره ; لأن الزوج لا يتمكن من الاستمتاع بها ، فلم تلزمه نفقتها كما لو كانت صغيرة ، وجوابه : الفرق بينهما ، فإن الصغيرة لم تسلم نفسها تسليما صحيحا ، ولم تبذل ذلك ، وكذلك إذا كان يتعذر عليه الوطء كالمريض ، والمجبوب ; لأن التمكين وجد من جهتها ، وإنما تعذر من جهته فوجبت النفقة ( يمكنه الوطء أو لا يمكنه كالعنين ، والمريض والمجبوب ) لما ذكرنا ( وإن كانت صغيرة ، لا يمكن وطؤها لم تجب نفقتها ) في قول الأكثر ; لأنه لم يوجد التمكين من الاستمتاع لأمر من جهتها ، قال في " الرعاية " : لم تجب كما لو تزوج من لا يطأ مثله بمن لا يوطأ مثلها في الأصح لعدم الموجب ( ولا ) يجب على الزوج ( تسلمها ، ولا تسليمها ) إليه ( إذا طلبها ) لأنه لا يمكنه استيفاء حقه منها ، ولأن وجوب التسليم إنما كان لضرورة تمكينه من تسليم الحقوق المتعلقة بالزوجية ، وهي منتفية هنا ، وظاهره أن الصغيرة التي يمكن وطؤها إذا سلمت نفسها ، فإنه يلزمه نفقتها كالكبيرة ، وإن غاب الزوج فبذل وليها تسليمها ، فهو كما لو بذلت المكلفة التسليم ; لأن وليها يقوم مقامها ، وإن بذلت هي دور وليها ، فلا نفقة لها ; لأنه لا حكم لكلامها ، ذكره في " الشرح " ( فإن بذلته ، والزوج غائب لم يفرض لها ) لأنها بذلت في حال لا يمكنه التسليم فيه ( حتى يراسله [ ص: 202 ] الحاكم ) أي : يكتب الحاكم إلى حاكم البلد الذي هو فيه ليستدعيه ويعلمه بذلك ( ويمضي زمن يمكن أن يقدم في مثله ) لأن البذل قبل ذلك وجوده كعدمه ، فإذا سار إليها ، أو وكل في تسليمها وجبت النفقة حينئذ ، فإن لم يفعل فرض الحاكم عليه نفقتها في أول الوقت الذي يمكنه الوصول إليها وتسلمها فيه ، ذكره في " المغني " ، و " الشرح " ; لأن الزوج امتنع من تسلمها ، لإمكان ذلك وبذلها له ، فلزمه نفقتها كما لو كان حاضرا ( وإن منعت تسليم نفسها ، أو منعها أهلها ، فلا نفقة لها ) لأن البذل شرط لوجوب النفقة ، ولم يوجد ، وفي " الفروع " إذا بذلت التسليم فحال بينها وبينه أولياؤها فظاهر كلام جماعة لها النفقة ، وفي " الروضة " لا ، ذكره الخرقي ، قال : وفيه نظر ، وكذا إذا بذلت تسليما غير تام كتسليمها في منزل ، أو في بلد دون آخر ما لم يكن مشروطا في العقد ( إلا أن تمنع نفسها قبل الدخول حتى تقبض صداقها الحال فلها ذلك ) لأن تسليمها قبل تسليم صداقها يفضي إلى تسليم منفعتها المعقود عليها بالوطء ، ثم لا تسلم صداقها ، فلا يمكنه الرجوع فيما استوفى منها ، بخلاف المبيع إذا تسلمه المشتري ، ثم أعسر بثمنه ، فإنه يمكنه الرجوع فيه ( وتجب نفقتها ) لأنها فعلت ما لها أن تفعله ، فلو منعت نفسها لمرض لم يكن لها نفقة ، والفرق بينهما أن امتناعها لقبض صداقها امتناع من جهة الزوج ، فهو يشبه تعذر الاستمتاع كصغر الزوج ، بخلاف الامتناع لمرضها ; لأنه امتناع من جهتها ، فهو يشبه تعذر الاستمتاع لصغرها ( وإن كان بعد الدخول ، فعلى وجهين ) أحدهما : لها النفقة كما قبل الدخول ، والأشهر أنه لا نفقة لها كما لو [ ص: 203 ] سلم المبيع ، ثم أراد منعه منه ( بخلاف الآجل ) أي : إذا منعت نفسها لقبض صداقها الآجل ، وظاهره أنه ليس لها أن تمنع نفسها حتى تقبض ذلك ; لأن قبضه غير مستحق ، فيكون منعها منعا للتسليم الموجب للنفقة ، ولا فرق فيه بين الدخول وعدمه ( وإن سلمت الأمة نفسها ليلا ونهارا فهي كالحرة ) في وجوب النفقة على زوجها الحر ، ولو أبى للنص ، ولأنها زوجة ممكنة من نفسها فوجبت نفقتها على زوجها كالحرة ، فإن كان مملوكا ، فالنفقة واجبة لزوجته إجماعا إذا بوأها بيتا ، ويلزم السيد ; لأنه أذن في النكاح المفضي إلى إيجابها ، وعنه : في كسب العبد ; لأنه لم يمكن إيجابها في ذمته ، ولا رقبته ، ولا ذمة السيد ، ولا إسقاطها فتعلقت بكسبه ، فإن عدم ، أو تعذر ، فعلى سيده ، وقال في " الرعاية " : تجب في ذمته ، وقال القاضي : تتعلق برقبته ; لأن الوطء في النكاح كالجناية ، وجوابه : أنه دين أذن فيه السيد فلزمه كاستدانة وكيله ، والنفقة تجب من غير وطء كالرتقاء ، ونحوها ، وليس هو بجناية ، ولا قائم مقامها ( فإن كانت تأوي إليه ليلا وعند السيد نهارا ، فعلى كل واحد منهما النفقة مدة مقامها عنده ) أي : يلزم الزوج نفقتها ليلا من العشاء وتوابعه من غطاء ووطاء ودهن للمصباح ، ونحوه ; لأنه وجد في حقه التمكين ليلا فوجبت نفقته ، وعلى السيد نفقتها نهارا بحكم أنها مملوكته ، فلم تجب على غيره في هذا الزمن ، وقيل : كل النفقة إذن عليهما نصفين قطعا للتنازع ، ولو سلمها نهارا فقط لم يجز .

تذنيب : المعتق بعضه عليه من النفقة بقدر ما فيه من الحرية ، وباقيها على سيده ، أو في ضريبته ، أو رقبته ، وما وجب عليه بالحرية يعتبر فيه حاله إن [ ص: 204 ] كان موسرا فنفقة الموسرين ، وإن كان معسرا فنفقة المعسرين ، والباقي تجب فيه نفقة المعسرين .

( وإذا نشزت المرأة ) فلا نفقة لها في قول عامتهم ، ولو بنكاح في عدة ، قال ابن المنذر : لا نعلم أحدا خالف إلا الحكم ولعله قاسه على المهر ، ولا يصح ; لأن النفقة وجبت في مقابلة التمكين ، والمهر وجب بالعقد بدليل الموت ، وفي " الترغيب " : من مكنته من الوطء ، لا من بقية الاستمتاع فسقوط النفقة يحتمل وجهين ، فإن كان لها منه ولد دفع نفقته إليها إذا كانت هي الحاضنة والمرضعة ويلزمه تسليم أجرة رضاعها ويشطر لناشز ليلا فقط ، أو نهارا فقط ، لا بقدر الأزمنة ويشطر لها بعض يوم ، فإن أطاعت في حضوره ، أو غيبته فعلم ومضى زمن يقدم في مثله عادت ، وفي " الشرح " : لا تعود إلا بحضوره ، أو وكيله ، أو حكم حاكم بالوجوب ومجرد إسلام مرتدة ، أو متخلفة عن الإسلام في غيبته تلزمه ، فإن صامت لكفارة ، أو نذر ، أو قضاء رمضان ووقته متسع فيهما بلا إذنه ، أو حبست ، ولو ظلما في الأصح ، فلا نفقة لها ( أو سافرت بغير إذنه ) سقطت ; لأنها ناشز ، وكذا إن انتقلت من منزلها بغير إذنه ( أو تطوعت بصوم ، أو حج ، أو أحرمت بحج منذور في الذمة ، فلا نفقة لها ) لأنها في معنى المسافرة ، ولما فيه من تفويت الاستمتاع الواجب للزوج ، فإن أحرمت بإذنه ، فقال القاضي : لها النفقة ، والصحيح أنها كالمسافرة ; لأنها بإحرامها مانعة له من التمكين ( وإن بعثها في حاجة ) فهي على نفقتها ; لأنها سافرت في شغله ومراده ( أو أحرمت بحجة الإسلام ) أو العمرة الواجبة ، أو [ ص: 205 ] أحرمت بفريضة ، أو مكتوبة في وقتها ( فلها النفقة ) لأنها فعلت الواجب عليها بأصل الشرع ، فكان كصيام رمضان ، فإن قدمت الإحرام على الميقات ، أو قبل الوقت خرج فيها من القول ما في المحرمة بحج التطوع .

فرع : إذا اعتقلت ، فالقياس أنه كسفرها ، فإن كان بغير إذنه ، فلا نفقة لها لخروجها من منزل زوجها فيما ليس واجبا بأصل الشرع وإن كان بإذنه فوجهان .

( وإن أحرمت بمنذور معين في وقته ) أو صامت نذرا معينا في وقته ( فعلى وجهين ) أحدهما : لها النفقة ، ذكره القاضي ; لأن أحمد نص على أنه ليس له منعها ، ولأن النذر المعين ، وقته متيقن ، أشبه حجة الإسلام ، والثاني : تسقط ; لأنها فوتت على زوجها حقه من الاستمتاع باختيارها ، ولأن النذر صدر من جهتها ، بخلاف حجة الإسلام ، فإنها واجبة بأصل الشرع ، وقيل : إن نذرت بإذنه ، أو قبل النكاح فلها النفقة ، وإن كان في نكاحه بلا إذنه ، فلا نفقة لها ; لأنها فوتت عليه حقا من الاستمتاع باختيارها ، ونقل أبو زرعة الدمشقي تصوم النذر بلا إذن ، وفي " الواضح " في حج نفل إن لم يملك منعها وتحليلها لم تسقط ، وإن في صلاة وصوم واعتكاف منذور في الذمة وجهين ، وفي بقائها في نزهة ، أو تجارة ، أو زيارة أهلها احتمال ( وإن سافرت لحاجتها بإذنه ، فلا نفقة لها ، ذكره الخرقي ) لأنها فوتت التمكين لأجل نفسها ، أشبه ما لو استنظرته قبل الدخول مدة فأنظرها إلا أن يكون متمكنا من استمتاعها ، فلا تسقط ( ويحتمل أن لها النفقة ) لأن السفر بإذنه فسقط حقه من الاستمتاع وتبقى النفقة على ما كانت عليه كالثمن ، وحكى في " المغني " [ ص: 206 ] عن القاضي أن الزوج إن كان معها فنفقتها عليه ; لأنها في قبضته ، وإن كانت منفردة فلا ; لأنها فوتت التمكين عليه ، والصحيح أنه لا نفقة لها هنا بحال ( وإن اختلفا في نشوزها ، أو تسليم النفقة ) والكسوة ( إليها فالقول قولها مع يمينها ) لأن الأصل عدم ذلك ، وقال الآمدي : إن اختلفا في النشوز ، فإن وجب بالتمكين صدق ، وعليها إثباته ، وإن وجبت بالعقد صدقت وعليه إثبات المنع ، ولو اختلفا بعد التمكين لم يقبل قوله ، وفي " التبصرة " يقبل قوله قبل الدخول ، وقولها بعده ، واختار الشيخ تقي الدين في النفقة والكسوة قول من يشهد له العرف ; لأنه يعارض الأصل ، والظاهر والغالب أنها تكون راضية ، وإنما تطالبه عند الشقاق كما لو أصدقها تعليم شيء فادعت أن غيره علمها ، وأولى لأن هنا تعارض أصلين ( وإن اختلفا في بذل التسليم ، فالقول قوله مع يمينه ) لأنه منكر ، والأصل عدم التسليم ، وكذا لو اختلفا في وقته ، فقالت : كان من شهر ، قال : بل من يوم .

التالي السابق


الخدمات العلمية