صفحة جزء
فصل وإن أعسر الزوج بنفقتها ، أو ببعضها ، أو بالكسوة خيرت بين فسخ النكاح ، والمقام . وتكون النفقة دينا في ذمته ، فإذا اختارت المقام ، ثم بدا لها الفسخ فلها ذلك . وعنه : ما يدل على أنها لا تملك الفسخ بالإعسار ، والمذهب الأول ، وإن أعسر بالنفقة الماضية ، أو نفقة الموسر ، أو المتوسط ، أو الأدم ، أو نفقة الخادم ، فلا فسخ لها وتكون النفقة دينا في ذمته ، وقال القاضي : تسقط ، وإن أعسر بالسكنى ، أو المهر ، فهل لها الفسخ ؛ على وجهين . وإن أعسر زوج الأمة فرضيت ، أو زوج الصغيرة ، أو المجنونة لم يكن لوليهن الفسخ ويحتمل أن له ذلك .


فصل

( وإن أعسر الزوج بنفقتها ، أو ببعضها ، أو بالكسوة ) أو ببعضها ( خيرت بين فسخ النكاح ، والمقام ) على الأصح ، وهو قول عمر ، وعلي ، وأبي هريرة ، واختاره الأكثر لقوله تعالى : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [ البقرة : 229 ] وليس الإمساك مع ترك الإنفاق إمساكا بمعروف فتعين التسريح ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : [ ص: 207 ] امرأتك تقول أطعمني وإلا فارقني رواه أحمد ، والدارقطني ، والبيهقي بإسناد صحيح ، ورواه الشيخان من قول أبي هريرة ، وروى الشافعي ، وسعيد ، عن سفيان ، عن أبي الزناد ، قال : سألت سعيد بن المسيب ، عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته ، قال : يفرق بينهما ، قال أبو الزناد ، لسعيد : سنة ؛ قال سعيد : سنة ، ولأن هذا أولى بالفسخ من العجز بالوطء ، وهو على التراخي ، أو الفور كخيار العيب ، وذكر ابن البنا وجها : يؤجل ثلاثا ولها المقام ، ولا تمكنه ، ولا يحبسها ، فلو وجد نفقة يوم بيوم ، أو وجد في أول النهار ما يغديها ، وفي آخره ما يعشيها ، أو كان صانعا يعمل في الأسبوع ما يبيعه في يوم بقدر كفايتها في الأسبوع كله ، فلا فسخ ، وكذا إن تعذر عليه الكسب في بعض زمانه ، أو البيع ; لأنه يمكنه الاقتراض إلى زوال المانع ، فإن عجز عنه أياما يسيرة ، أو مرض مرضا يرجى زواله في أيام يسيرة ، فلا فسخ وإن كثر فلها الفسخ ( وتكون النفقة ) أي : نفقة فقير وكسوته ومسكن ( دينا في ذمته ) ما لم تمنع نفسها ; لأن ذلك واجب على الزوج ، فإذا رضيت بتأخير حقها ، فهو في ذمته كما لو رضيت بتأخير مهرها ويكون قادرا على التكسب على الأصح ( فإذا اختارت المقام ، ثم بدا لها الفسخ فلها ذلك ) على الأصح ; لأن وجوب النفقة يتجدد كل يوم فيتجدد لها الفسخ ، ولا يصح إسقاطها حقها فيما لم يجب لها كإسقاط شفعتها قبل البيع ، فإن تزوجته عالمة بعسرته ، أو شرط ألا ينفق ، ثم عن لها الفسخ ملكته ، فلو أسقطت النفقة المستقبلة لم تسقط ، وقال القاضي : ظاهر كلام أحمد أنه ليس لها الفسخ ; لأنها رضيت بعيبه ، فإن رضيت بالمقام مع [ ص: 208 ] ذلك لم يلزمها التمكين من الاستمتاع ; لأنه لم يسلمها عوضه كالمشتري إذا أعسر بثمن المبيع وعليه تخليتها لتكتسب وتحصل ما ينفقه عليها ، وإن كانت موسرة ; لأنه إنما يملك حبسها إذا كفاها المؤونة ( وعنه : ما يدل على أنها لا تملك الفسخ بالإعسار ) وقاله عطاء ، والزهري ; لأنه إعسار عن حق الزوجة ، فلم تملك الفسخ كما لو أعسر عن دين لها عليه ، فعلى هذا لا تملك فراقه ويرفع يده عنها لتكتسب ; لأنه حق لها عليه ( والمذهب الأول ) لما ذكرنا ( وإن أعسر بالنفقة الماضية ) فلا فسخ ; لأن البدن قد قام بدونها ، والنفقة الماضية دين ( أو نفقة الموسر ، أو المتوسط ، أو الأدم ) في الأصح فيه ( أو نفقة الخادم ، فلا فسخ لها ) لأن الزيادة تسقط باعتباره ويمكن الصبر عنها ، وفي " الانتصار " احتمال في الكل مع ضررها ( وتكون النفقة دينا في ذمته ) لأنها نفقة تجب على سبيل العوض فتثبت في الذمة كالنفقة الواجبة للمرأة قوتا ، وهذا فيما عدا الزائد على نفقة المعسر ، فإن ذلك يسقط بالإعسار ( وقال القاضي : تسقط ) أي : زيادة يسار وتوسط ; لأنه من الزوائد ، فلم تثبت في ذمته كالزائد عن الواجب عليه ، وقال ابن حمدان : غير الأدم .

تتمة : إذا اعتادت الطيب ، والناعم فعجز عنها فلها الفسخ ، قال ابن حمدان : فبالأدم أولى . ( وإن أعسر بالسكنى ) أي : بأجرته ( أو المهر ) قد تقدم في الصداق ( فهل لها الفسخ ؛ على وجهين ) أحدهما : لا فسخ ، وقاله القاضي ; لأن البيتية تقوم بدونه ، والثاني : لها الفسخ ، وقاله ابن عقيل ، وهو [ ص: 209 ] أشهر ; لأن المسكن مما لا بد منه كالنفقة ( وإن أعسر زوج الأمة فرضيت ) به لم يكن لسيدها الفسخ نقول : نفقة الأمة المزوجة حق لها ولسيدها لكل واحد منهما طلبها ، ولا يملك واحد منهما إسقاطها لما في ذلك من الإضرار ، فعلى هذا إن أعسر الزوج بها فلها الفسخ كالحرة ، وإن لم تفسخ ، فقال القاضي : لسيدها الفسخ ; لأن عليه ضررا في عدمها لما يتعلق بفواتها من فوات ملكه وتلفه ، فإن أنفق عليها سيدها محتسبا بالرجوع رجع على الزوج رضيت ، أو كرهت ، وقال أبو الخطاب : وهو المنصوص ، ليس لسيدها الفسخ إذا كانت راضية ; لأنها حق لها ، فلم يملك سيدها الفسخ كالفسخ بالعيب ( أو ) أعسر ( زوج الصغيرة ، أو المجنونة لم يكن لوليهن الفسخ ) لأنه فسخ لنكاحها ، فلم يملكه الولي كالفسخ بالعيب ( ويحتمل أن له ذلك ) لأنه فسخ لفوات العوض فملكه كفسخ البيع لتعذر الثمن .

التالي السابق


الخدمات العلمية