صفحة جزء
ثم العصر وهي الوسطى ، ووقتها من خروج وقت الظهر ، إلى اصفرار الشمس ، وعنه إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه ، ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى غروب الشمس ، وتعجيلها أفضل بكل حال .


( ثم العصر ) وهو العشي ، قال الجوهري : والعصران الغداة والعشي ، ومنه سميت صلاة العصر ، وذكر الأزهري مثله تقول : فلان يأتي فلانا العصرين ، والبردين : إذا كان يأتيه طرفي النهار ، فكأنها سميت باسم وقتها ( وهي الوسطى ) مؤنث الأوسط ، وهو والوسط : الخيار ، وفي صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه من أوسط قومه أي : من خيارهم ، وليست بمعنى متوسطة ، لكون الظهر هي الأولى بل بمعنى الفضلى ، وفي الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس ولمسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر وقاله أكثر العلماء من الصحابة وغيرهم ، وصححه النووي ، قال الماوردي : هذا مذهب الشافعي ، قال : وإنما نص على أنها الصبح ، لأنه لم تبلغه الأحاديث الصحيحة في العصر ، وقيل : هي الصبح ، وقيل : الظهر ، وقيل : المغرب ، لأنها وتر النهار ، ولا تقصر ، وقيل : هي العشاء ، وقيل : إحدى الخمس مبهمة ، وقيل : الجمعة .

( ووقتها من خروج وقت الظهر ) وهو إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال ، ومقتضاه أن بخروج وقت الظهر يدخل وقت العصر من غير فاصل بين الوقتين ، هذا هو المعروف في المذهب ، لحديث جابر : أن جبريل صلى بالنبي [ ص: 341 ] - صلى الله عليه وسلم - العصر حين صار ظل كل شيء مثله في اليوم الأول وظاهر الخرقي و " التلخيص " أن بينهما وقتا فاصلا ، فلا تجب إلا بعد الزيادة ، وآخر وقتها المختار ( إلى اصفرار الشمس ) في رواية نقلها الأثرم وغيره ، وصححها في " الشرح " وابن تميم ، وجزم بها في " الوجيز " قال في " الفروع " : وهي أظهر لما روى عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : وقت العصر ما لم تصفر الشمس رواه مسلم ( وعنه : إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه ) سوى ظل الزوال إن كان ، وهي اختيار الخرقي ، وأبي بكر ، والقاضي ، وكثير من أصحابه ، وقدمها في " المحرر " و " الفروع " لأن جبريل صلاها بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثليه ، وقال : الوقت فيما بين هذين وفي " التلخيص " أن ما بينهما وقت جواز ، ثم هو وقت ضرورة إلى غروبها ، وفي " الكافي " أنه إذا خرج وقت الاختيار بقي وقت الجواز إلى الغروب ، قال ابن تميم : وظاهر " الروضة " أن وقت العصر يخرج بالكلية بخروج وقت الاختيار ( ثم يذهب وقت الاختيار ) وهو الذي يجوز تأخير الصلاة إلى آخره من غير عذر ، وجزم في " المحرر " و " الشرح " أنه لا يحل تأخيرها عن وقت الاختيار إلا لعذر ، وظاهر كلام غيرهما الكراهة ( ويبقى وقت الضرورة ) وهو الذي تقع الصلاة فيه أداء ، ويأثم فاعلها بالتأخير إليه لغير عذر ( إلى غروب الشمس ) لأن مقتضى الأحاديث ذهاب الوقت بعد ما ذكر فيها ترك العمل به في الإدراك قبل غيبوبة الشمس ، فيبقى ما عداه على مقتضاه ، وظاهره أن وقت العصر يبقى إلى الغروب في حق المعذور وغيره ، هذا هو المعروف في المذهب ، وعليه أكثر العلماء لقوله عليه السلام : من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها [ ص: 342 ] متفق عليه ، وحينئذ لا فرق بين المعذور وغيره إلا في الإثم ، وعدمه ، فالمعذور له التأخير ، وغيره ليس له ذلك ، ويأثم به ، وظاهر الخرقي ، وابن أبي موسى أن الإدراك مختص بمن له ضرورة ، كحائض طهرت ، وصبي بلغ ، ومجنون أفاق ، ونائم استيقظ ، وذمي أسلم ، وألحق به الخباز ، والطباخ ، والطبيب إذا خشوا تلف ذلك ، وعلى هذا من لا عذر له لا يدركها بذلك ، بل تفوت بفوات وقتها المختار ، وتقع منه بعد ذلك قضاء ، وقاله بعض العلماء ، وهو أحد احتمالي ابن عبدوس ، ووجهه الزركشي ( وتعجيلها ) في أول الوقت ( أفضل بكل حال ) وهو قول أكثر العلماء لما روى أبو برزة الأسلمي قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر ، ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة ، والشمس حية وعن رافع بن خديج قال : كنا نصلي العصر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ننحر الجزور ، ثم يقسم لحمها عشرة أجزاء ، ثم تطبخ فنأكل لحما نضيجا قبل أن تغيب الشمس متفق عليهما ، والأحاديث الثابتة تدل على هذا ، فمنها : ما روى الترمذي مرفوعا أنه قال : الوقت الأول من الصلاة رضوان الله ، والوقت الآخر عفو الله وعنه : مع غيم نقله صالح ، قاله القاضي ، ولفظ روايته : يؤخر العصر أحب إلي ، آخر وقت العصر عندي ما لم تصفر الشمس . فظاهره مطلقا .

تنبيه : قد استفيد من كلامهم أن من الصلوات ما له إلا وقت واحد كالظهر ، والمغرب ، والفجر على المختار ، وماله ثلاثة كالعصر ، والعشاء وقت فضيلة وجواز وضرورة ، وفي كلام بعضهم أن لها وقت فضيلة ، ووقت اختيار على الخلاف ، ووقت جواز على قول ، ووقت كراهة أي : تأخيرها إلى الاصفرار ، ووقت تحريم التأخير إليه ، ومعناه أن يبقى ما لا يسع الصلاة .

[ ص: 343 ] فائدة : يسن الجلوس بعدها إلى الغروب ، وبعد الفجر إلى طلوعها ، ولا يستحب ذلك في بقيتها ، نص عليه ذكره ابن تميم .

التالي السابق


الخدمات العلمية