صفحة جزء
[ ص: 240 ] كتاب الجنايات القتل على أربعة أضرب : عمد ، وشبه عمد ، وخطأ ، وما أجري مجرى الخطأ . فالعمد أن يقتله بما يغلب على الظن موته به عالما بكونه آدميا معصوما ، وهو تسعة أقسام : أحدها : أن يجرحه بما له مور في البدن من حديد ، أو غيره ، مثل أن يجرحه بسكين ، أو يغرزه بمسلة فيموت إلا أن يغرزه بإبرة ، أو شوكة ، ونحوهما في غير مقتل فيموت في الحال ، ففي كونه عمدا وجهان . وإن بقي من ذلك ضمنا حتى مات ، أو كان الغرز بها في مقتل كالفؤاد ، والخصيتين فهو عمد محض ، وإن قطع سلعة من أجنبي بغير إذنه فمات فعليه القود ، وإن قطعها حاكم من صغير ، أو وليه فمات ، فلا قود .


كتاب الجنايات

وهي جمع جناية وجمعت ، وإن كانت مصدرا لتنوعها إلى عمد وخطأ ، والمراد بها جنايات الجراحة ، ونحوها ، وهي كل فعل عدوان على نفس ، أو مال ، لكنها في العرف مخصوصة بما يحصل فيه التعدي على الأبدان بما يوجب قصاصا ، أو نحوه وسموا الجناية على الأموال غصبا ونهبا وسرقة وإتلافا وأجمع العلماء على تحريم القتل بغير حق وسنده قوله تعالى : ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق [ الأنعام : 151 ] وقوله صلى الله عليه وسلم لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة متفق عليه من حديث ابن مسعود ، فإذا فعل ، ثم تاب قبلت عند الأكثر للآية ، والخبر المتفق عليه وكالكافر ، وعنه : لا تقبل ، ذكرها أبو الخطاب في " انتصاره " ، وهي قول ابن عباس لقوله تعالى : ومن يقتل مؤمنا متعمدا [ النساء : 93 ] الآية ، وحملت على من قتله مستحلا ، ولم يتب ، أو على أن هذا جزاؤه إن جازاه الله تعالى .

( القتل على أربعة أضرب : عمد وشبه عمد وخطأ ، وما أجري مجرى الخطأ ) كذا ذكره المؤلف تبعا لأبي الخطاب ، وجزم به في " الوجيز " ووجهه أنه إذا قصد قتله بما يصلح غالبا عرفا ، فهو عمد ، وإن كان بما لا يصلح للقتل غالبا ، فهو شبه عمد ، وإن لم يقصد القتل ، فهو خطأ ، وما ألحق به كالقتل بالسبب وكالنائم [ ص: 241 ] ينقلب على إنسان ، لكن الأولى أن الحكم الشرعي لا يزيد على ثلاثة : عمد وشبه عمد وخطأ . صرح به الخرقي ، والمؤلف في " الكافي " ، والمجد في " محرره " ، والجد في " فروعه " ; لأن ما أجري مجرى الخطأ خطأ ; لأن فاعله لم يقصده إذ هو من فعل من لا يصح قصده . ( فالعمد ) يختص القود به ( أن يقتله بما يغلب على الظن موته به عالما بكونه آدميا معصوما ) هذا بيان للعمد الموجب للقصاص شرعا ، فالأول احتراز من شبه العمد ، والثاني احتراز من الخطأ ، والثالث وهو " معصوما " احتراز من الحربي ، ونحوه ; لأنه غير معصوم ( وهو تسعة أقسام ) وسيأتي بيانها ( أحدها : أن يجرحه بما له مور ) أي : نفوذ ( في البدن من حديد ، أو غيره ) كرصاص وذهب وفضة ، فهذا كله إذا جرحه جرحا كبيرا فمات ، فهو عمد بغير خلاف نعلمه ، ولو طالت علته منه ( مثل أن يجرحه بسكين ، أو يغرزه بمسلة فيموت ) فهذا عمد محض ، ثم أشار إلى محل الخلاف ، فقال ( إلا أن يغرزه بإبرة ، أو شوكة ، ونحوهما ) كشرطة الحجام ( في غير مقتل فيموت في الحال ففي كونه عمدا وجهان ) وجملته أنه إذا جرحه جرحا صغيرا في غير مقتل فمات في الحال ، فقال ابن حامد : لا قود فيه ; لأن الظاهر أنه لم يمت منه كالعصي ، والثاني ، وهو الأشهر : فيه القصاص ، وهو ظاهر الخرقي ; لأن المحدد لا يعتبر فيه غلبة الظن في حصول القتل به بدليل ما لو قطع شحمة أذنه ، أو أنملته ، ولأنه لما لم يمكن إدارة الحكم وضبطه بغلبة الظن - وجب ربطه بكونه محددا ، ولأن في البدن مقاتل خفية ، وهذا له [ ص: 242 ] سراية ومور ، أشبه الجرح الكبير ( وإن بقي من ذلك ضمنا ) أي : متألما ، وهو بفتح الضاد وكسر الميم ، وقالالجوهري : هو الذي به الزمانة في جسده ، وقيل : هو الذي لزمته علة ( حتى مات ) فاتفقوا على أن فيه القود ، قاله في " الشرح " ، و " الترغيب " ; لأن الظاهر أنه مات منه ، وقيل : لا يجب به القصاص ; لأنه لما احتمل حصول الموت بغيره ظاهرا كان شبهة في درء القصاص ( أو كان الغرز بها في مقتل كالفؤاد ، والخصيتين ) والعين ، والخاصرة ، والصدغ وأصل الأذن ( فهو عمد محض ) لأن الإصابة بذلك في مقتل كالإصابة بالسكين في غير مقتل ، وكذا إن بالغ في إدخال الإبرة ، ونحوها في البدن ; لأنه يشتد ألمه ويؤدي إلى القتل كالكبير ( وإن قطع سلعة ) خطرة ، أو بطها ( من أجنبي بغير إذنه فمات فعليه القود ) لأنه متعد بفعله ، أشبه ما لو قتله ( وإن قطعها حاكم من صغير ) أو مجنون ( أو وليه فمات ، فلا قود ) جزم به في " الوجيز " ; لأنه فعله لمصلحته ، أشبه ما لو ختنه ، ولو عبر بقوله : إن قطعها من صغير ونحوه وليه لكان أولى لشموله الحاكم وغيره

التالي السابق


الخدمات العلمية