صفحة جزء
ثم العشاء ، ووقتها من مغيب الشفق الأحمر إلى ثلث الليل الأول ، وعنه : نصفه ، ثم يذهب وقت الاختيار ، ويبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني ، وهو البياض المعترض في المشرق ولا ظلمة بعده ، وتأخيرها أفضل ما لم يشق .


( ثم العشاء ) قال الجوهري : العشي والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة ، والعشاء بالكسر ، والمد مثله ، وهو اسم لأول الظلام ، سميت الصلاة بذلك ، لأنها تفعل فيه ، ويقال لها : عشاء الآخرة ، وأنكره الأصمعي ، وغلطوه في إنكاره ( ووقتها من مغيب الشفق ) أي : المعهود ، وهو ( الأحمر ) إن كان في مكان يستتر عنه الأفق بالجبال أو نحوها ، استظهر حتى يغيب البياض ، فيستدل به على غيبوبة الحمرة لا لنفسه ، ويمتد ( إلى ثلث الليل الأول ) نص عليه ، واختاره الأكثر ، لأن جبريل صلاها بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في اليوم الأول حين غاب الشفق ، وفي اليوم الثاني حين كان ثلث الليل الأول ، ثم قال : الوقت فيما بين هذين رواه مسلم ، وعن عائشة قالت : كانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل رواه البخاري ( وعنه : نصفه ) أي : يمتد وقت الاختيار إلى نصف الليل ، اختاره القاضي ، وابن عقيل ، والشيخان ، وقدمه ابن تميم ، قال في " الفروع " : وهو أظهر لما روى أنس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخرها إلى نصف الليل ، ثم صلى ، ثم قال : ألا صلى الناس ، وناموا ، ألا إنكم في صلاة ما انتظرتموها متفق عليه . وعن عبد الله بن عمرو مرفوعا قال : وقت العشاء إلى نصف الليل رواه مسلم ، وفي " المغني " و " الشرح " أن الأولى أنها لا تؤخر عن ثلث الليل ، لأنه يجمع [ ص: 346 ] الروايات ، والزيادة تعارضت فيها الأخبار ، وصححه الحلواني ، لكن يقال : ثبت تأخيرها إلى نصف الليل عنه عليه السلام قولا وفعلا ، وهو زيادة على الثلث ، فيكون الأخذ به أولى ، وفي " الوجيز " : يسن تأخيرها إلى ثلث الليل إن سهل ، وفي " التلخيص " وما بينهما وقت جواز .

( ثم يذهب وقت الاختيار ) على الخلاف فيه ( ويبقى وقت الضرورة ) أي : الإدراك ( إلى طلوع الفجر الثاني ) لقوله عليه السلام : ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة ، أن تؤخر صلاة إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى رواه مسلم من حديث أبي قتادة ، ولأنه وقت للوتر ، وهو من توابع العشاء ، فاقتضى أن يكون وقتا لها ، لأن التابع إنما يفعل في وقت المتبوع كركعتي الفجر ، والحكم فيه حكم الضرورة في وقت العصر على ما ذكرناه ، ويحرم تأخيرها عن وقت الاختيار بلا عذر ، ذكره الأكثر ، وقدم في " الرعاية " وغيرها الكراهة ، وظاهر " الروضة " يخرج الوقت مطلقا بخروج وقت الاختيار ، ولم يذكر في " الوجيز " لها وقت ضرورة ، قال في " الفروع " : ولعله اكتفى بذكره في العصر ، وإلا فلا وجه لذلك ، وروى سعيد عن ابن عباس أنه كان يستحب تأخيرها مطلقا ، قال النووي : لم يقل أحد من الأئمة أن تأخيرها إلى بعد نصف الليل أفضل من التقديم ( وهو البياض المعترض في المشرق ، ولا ظلمة بعده ) هذا بيان لمعنى الفجر الثاني ، ويسمى المستطير ، لانتشاره في الأفق قال تعالى : ويخافون يوما كان شره مستطيرا [ الدهر : 7 ] أي : منتشرا فاشيا ظاهرا ، والفجر الأول : الكاذب المستطيل بلا اعتراض أزرق له شعاع ، ثم يظلم ، ولدقته يسمى ذنب السرحان ، وهو الذئب ، لأن الضوء يكون في الأعلى دون الأسفل ، كما أن الشعر يكون على أعلى الذئب دون [ ص: 347 ] أسفله ، وقال محمد بن حسنويه : سمعت أبا عبد الله يقول : الفجر يطلع بليل ، ولكنه يستره أشجار جنان عدن ، وهذا قريب مما تقدم في زوال الشمس ، لا بد من ظهوره لنا ، ولا يكفي وجوده في نفس الأمر ( وتأخيرها ) إلى آخر وقتها المختار بحيث يفعلها فيه ( أفضل ما لم يشق ) في قول أكثر العلماء من الصحابة ، ومن بعدهم ، لما روى أبو برزة قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستحب أن تؤخر العشاء التي تدعونها العتمة متفق عليه ، وروى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه رواه أحمد ، والترمذي ، وصححه ، ومحله ما لم تؤخر المغرب لغيم ، أو جمع ، وظاهره أنه إذا شق على المأمومين ، والأصح : أو على بعضهم ، فإنه يكره ، ونص عليه في رواية الأثرم ، لأنه عليه السلام كان يأمر بالتخفيف رفقا بهم ، وظاهره أنها تؤخر ، ولو مع غيم ، وعنه : يستحب تعجيلها معه ، وهل ذلك لكل مصل أو لمن يخرج إلى الجماعة ؛ فيه وجهان ، ذكرهما ابن تميم . نعم ويلتحق بما ذكره عادم الماء العالم أو الراجي وجوده في آخر الوقت أن التأخير أفضل ، وكذا تأخيرها لمصلي كسوف إن أمن فوتها ، ولو أمره والده بتأخيرها ليصلي معه آخر ، نص عليه ، ويقدم في الكل إذا ظن مانعا منها .

فائدة : لا يكره تسميتها بالعتمة في الأصح ، وهي في اللغة شدة الظلمة ، والأفضل أن تسمى العشاء .

فرع : يكره النوم قبلها ، لحديث أبي برزة الأسلمي ، متفق عليه . وعنه : بلا موقظ ، لأنه عليه السلام رخص لعلي رواه أحمد ، والحديث بعدها في [ ص: 348 ] الجملة إلا لشغل وشيء يسير ، والأصح : وأهل وعيال ، وسبب الكراهة أن نومه يتأخر فيخاف منه تفويت الصبح عن وقتها أو عن أوله ، أو يفوته قيام الليل ممن يعتاده ، وعلله القرطبي بأن الله جعل الليل سكنا ، وهذا يخرجه عن ذلك ، ويستثنى منه ما إذا كان في خير كقراءة حديث ، ومذاكرة فقه ، وحكايات الصالحين ، وإيناس الضيف ، لأنه خير ناجز ، فلا يترك لمفسدة متوهمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية