صفحة جزء
[ ص: 263 ] فصل : الثاني : أن يكون المقتول معصوما فلا يجب القصاص بقتل حربي ولا مرتد ولا زان محصن ، وإن كان القاتل ذميا ، ولو قطع مسلم أو ذمي يد مرتد ، أو حربي فأسلم ، ثم مات ، أو رمى حربيا فأسلم قبل أن يقع به السهم ، فلا شيء عليه ، وإن رمى مرتدا فأسلم قبل وقوع السهم به ، فلا قصاص ، وفي الدية وجهان ، وإن قطع يد مسلم فارتد ، ومات ، فلا شيء على القاطع في أحد الوجهين . وفي الآخر يجب القصاص في الطرف ، أو نصف الدية ، وإن عاد إلى الإسلام ، ثم مات وجب القصاص في النفس في ظاهر كلامه ، وقال القاضي : إن كان زمن الردة مما تسري فيه الجناية ، فلا قصاص فيه .


فصل

( الثاني : أن يكون المقتول معصوما ) أي : معصوم الدم ; لأن القصاص إنما شرع حفظا للدماء المعصومة وزجرا عن إتلاف البنية المطلوب بقاؤها ، وذلك معدوم المعصوم ( فلا يجب القصاص بقتل حربي ) لا نعلم به خلافا ، ولا تجب بقتله دية ، ولا كفارة ; لأنه مباح الدم على الإطلاق كالخنزير ، ولأن الله تعالى أمر بقتله ، فقال : فاقتلوا المشركين [ التوبة : 5 ] ، وسواء كان القاتل مسلما ، أو ذميا ( ولا مرتد ) لأنه مباح الدم ، أشبه الحربي . ( ولا زان محصن ) أي : لا يجب بقتله قصاص ، ولا دية ، ولا كفارة كالمرتد ، وحكى بعضهم وجها أن على عاقلته القود ; لأن قتله إلى الإمام كمن عليه القصاص إذا قتله غير مستحق ، وجوابه : بأنه مباح الدم متحتم قتله ، فلم يضمن كالحربي ، وظاهره ولو قبل ثبوته عند حاكم ، قال في " الرعاية " ، و " الفروع " : والمراد قبل التوبة فهدر ، وإن بعدها إن قبلت ظاهرا فكإسلام طارئ فدل أن طرف محصن كمرتد لا سيما وقولهم : عضو من نفس ، وجب قتلها ، ولكن يعزر للافتئات على ولي الأمر كمن قتل حربيا ( وإن كان القاتل ذميا ) فيه تنبيه على مساواة الذمي للمسلم في ذلك ; لأن القتل منهما صادف محله ، ويحتمل في قتل الذمي بالزاني المحصن ، قاله في " الترغيب " ; لأن الحد لنا ، والإمام نائب ، قال في " الروضة " : إن أسرع ولي قتيل أو أجنبي فقتل قاطع طريق قبل وصوله الإمام ، فلا قود ; لأنه انهدر دمه ، وظاهره ولا دية ، وليس كذلك ( ولو قطع مسلم [ ص: 264 ] أو ذمي يد مرتد ، أو حربي فأسلم ، ثم مات ، أو رمى حربيا فأسلم قبل أن يقع به السهم ، فلا شيء عليه ) لأنه لم يجن على معصوم ، ولأنه رمى من هو مأمور برميه ، فلم يضمن ; لأن الاعتبار في التضمين بحال ابتداء الحياة ; لأنها موجبة وحالها لم يكن كل من الحربي والمرتد أهلا لأن يضمن ، فلم يكن على الجاني شيء لفوات الأهلية المشترطة لوجوب الضمان ، وظاهره أنه لا قصاص ولا دية عليه وجعله في " الترغيب " كمن أسلم قبل الإصابة ( وإن رمى مرتدا فأسلم قبل وقوع السهم به ، فلا قصاص ) لأنه رمى من ليس بمعصوم ، أشبه الحربي ( وفي الدية وجهان : ) أحدهما : لا تجب ، وهو الأشهر كردة مسلم وكالحربي ، والثاني : تجب ; لأن الرمي هنا محرم لما فيه من الافتئات على الإمام وكتلفه ببئر حفرت ، وقيل : كمرتد لتفريطه إذ قتله ليس إليه ، والعمل على الأول ، قاله الحلواني .

فائدة : قال في " الرعاية " : وإن رمى مرتدا ، أو حربيا فأصابه بعد إسلامه فمات فهدر كما لو بان أن الحربي كان قد أسلم قبل الرمي وكتم إسلامه ، وقيل : تجب الدية ، وقيل : للمرتد فقط ، وهي دية حر مسلم مخففة على عاقلته ، وقيل : يقتل به

( وإن قطع يد مسلم فارتد ، ومات ، فلا شيء على القاطع في أحد الوجهين ) هذا هو الأصح ; لأنها نفس مرتد غير معصوم ولا مضمون بدليل ما لو قطع طرف ذمي فصار حربيا ، ثم مات من جراحه ، وأما اليد فالصحيح أنه لا قود فيها أصلهما هل يفعل به كفعله أم في النفس [ ص: 265 ] فقط ، وهل يستوفيه الإمام أم قريبه ؛ فيه وجهان : أصلهما هل ماله فيء أم لورثته ؛ والوجه الثاني : يجب كما لو قطع طرفه ، ثم جاء آخر فقتله ، وجوابه : بأنه قطع صار قتلا لم يجب به القتل ، فلم يجب به القطع كما لو قطع من غير مفصل ، وظاهره أنه لا تجب دية الطرف في وجه ; لأنه قتل لغير معصوم وتجب في آخر ; لأن سقوط حكم سراية الجرح لا يسقط ضمانه كما لو قطع طرف رجل ، ثم قتله آخر ، فعلى هذا يجب ضمانه ، فلو قطع يديه ورجليه ، ثم ارتد ، ومات ففيه ديتان ; لأن الردة قطعت حكم السراية ، وعلى الأول يجب عليه الأقل من دية النفس أو الطرف ، يستوفيه الإمام ( وفي الآخر يجب القصاص في الطرف ) لأن المجني عليه حال القطع كان مكافئا ، والقتل بسبب القطع غير موجب للقصاص هنا فوجب القطع لانتفاء إفضائه إلى القصاص في النفس ( أو نصف الدية ) لما سبق ، وقيل : لا قود ، ولا دية في عمد ذلك ، ولا خطئه ; لأن الجرح صار بالسراية نفسا فيدخل القطع فيه تبعا ، ولو قتله في تلك الحال لم يضمنه ، فكذا إذا مات بالسراية ( وإن عاد إلى الإسلام ، ثم مات وجب القصاص في النفس ) مع العمد ، أو الدية مع الخطأ ( في ظاهر كلامه ) ونص عليه في رواية محمد بن الحكم ; لأنه مسلم حال الجناية والموت فوجب القصاص بقتله كما لو لم يرتد ، وأما الدية فتجب كاملة ، وقيل : نصفها ; لأنها من جرح مضمون وسراية غير مضمونة كما لو جرحه إنسان وجرح نفسه ، ومات منهما ( وقال القاضي : ) يتوجه عندي ، واختاره في " التبصرة " ( إن كان زمن الردة مما تسري فيه الجناية ، فلا قصاص فيه ) كما لو [ ص: 266 ] عفى بعض المستحقين ، ولهذا لو وجدت الردة في أحد الطرفين لم يجب القصاص ويجب نصف الدية ، وقيل : كلها ، وهل تجب في الطرف الذي قطع في إسلامه ؛ فيه وجهان .

تنبيه : إذا رمى مسلما ، فلم يقع به السهم حتى ارتد ، فلا ضمان عليه ، وفي دية الجرح روايتان إحداهما : حال الإصابة ، والثانية : حال السراية ، وهل الاعتبار في القتل بحال الرامي ، أو بحال الإصابة ؛ فيه وجهان ، قال في " الرعاية " : والأولى أن كل جناية تهدر ابتداء تهدر دواما ، وإن تغير الحال بعد ، وما ضمن ابتداء ضمن دواما ويعتبر المقدار بالآخرة ، فلو تبدل حال الرامي ، والمرمي بين الإصابة ، والرمي ، فلا قود حتى يكمل حالها في الطرفين ، وفي تحمل العقل يعتبر الطرفان ، والواسطة ، وإذا كان المرمي مضمون الدم في الطرفين اعتبر الضمان بالآخرة ، وإن كان مضمونا حين الرمي دون الإصابة فهدر ، وإن انعكس ضمن حال الإصابة .

التالي السابق


الخدمات العلمية